التأصيل الفقهي عند الإمام أبي سعيد الكدمي ل - مكتبة أهل الحق والإستقامة

أحدث المشاركات

Post Top Ad

Post Top Ad

الاثنين، 10 يناير 2022

التأصيل الفقهي عند الإمام أبي سعيد الكدمي ل

 





الكتاب: التأصيل الفقهي عند الإمام أبي سعيد الكدمي
[ترقيم الصفحات آلي غير موافق للمطبوع]
التأصيل الفقهي عند الإمام
أبي سعيد الكدمي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين الذي نور بصائر العارفين, فأبصروا حقائق أمور الدين, واطلعوا على أسرار التشريع من رب العالمين, أحمده- تعالى- وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- عبده ورسوله, وعلى آله وصحبه أجمعين, وعلى من تبعه بإحسان إلى يوم الدين, أما بعد...
فيا لها من فرصة جليلة تجمعنا تحت ظلال الثقافة والعلم من أجل إحياء ذكرى اعلام هذا البلد, ونشكر كل الشكر وزارة التراث القومي والثقافة وجميع القائمين على مثل هذه الندوات واللقاءات لإحياء ذكريات هؤلاء الأعلام الذين تتجدد ذكرياتهم في نفوس الأحياء بمدارسة آثارهم في العقول والمعارف فالشكر لهم على هذه البادرة الطيبة والهمة العالية .
وقد أوكل الي أن أتناول جانب " التأصيل الفقهي عند الإمام أبي سعيد الكدمي" فاستعين بالله منقبا عما علق في الذهن من خلال المطالعات لمؤلفات هذا الإمام الجليل الإمام أبي سعيد محمد بن سعيد الناعبي الكدمي وهو أشهر من نار على علم, طبقت شهرته الآفاق ولا سيما بالنسبة لأصحاب هذا المذهب حتى عرف بإمام المذهب من أجل المواقف التي وقفها والتي كان فيها جمع للشمل ورأب للصدع وتأليف للنفوس دعوة على ما عليه طريق السلف وعدم المبالاة.
(1/1)
وقد أثنى عليه العلماء تأريخا وحديثا وبينوا مكانته وفضله وعلمه وتحقيقه حتى أن الإمام أبا نبهان- رحمه الله- قال عنه: ( وكفى بأبي سعيد- رحمه الله- حجة ودليلا لمن اراد أن يتخذ الحق لنفسه سبيلا لأنه أعلم من نعلم من الأحبار وآثاره اصح الآثار) قبل الخوض في الحديث حجة من حيث التأصيل الفقهي. أود أن أشير إلى: أن الإمام أبا سعيد الكدمي- رحمه الله- كما كان عالما جليلا وكان شجاعا مقداما, وبذلك كانت أراؤه تتفق مع شجاعته ومما روي عنه قوله: ( من تشجع بعلمه كمن تورع به) وهو بعيد كل البعد عن التنطع والجبن, وقد قال بنفسه ليس العالم من حمل الناس على ورعه, وإنما العالم من أفتى الناس بما يسعهم في الدين, وهذه جملة لها قيمة كبيرة فإن كثيرا من الناس يرون أن قمة العالم بقدر ما يتصلب يتشدد وليس في الحقيقة كذلك, وأيضا لا تكون قمة العالم بقدر ميوعته, فإن الميوعة مذمومة, كما أن التنطع والجبن مذمومان.
(1/2)
وأبو سعيد الكدمي- رحمه الله- كان فيما دونه من الفقه يدور مع الدليل عميق النظر دقيق الفكر يتامل المسالة ويتعمق فيها, وهو يرجع إلى الأصول المجمع عليها وإلى جانب من الأصول المختلفة فيها وهو يرجع إلى الكتاب والسنة النبوية على صحابها أفضل الصلاة والسلام وإلى الإجماع وكذلك يرى كلا من المراجع المختلفت فيها كالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة والاستقراء واستصحاب الأصل وهو أن لم يكن يعنى بالمصطلحات التي درج علماء أصول الفقه على استعمالها كالنظرية الإمام إبن مبارك والإمام عبد القادر حيث كان لا يعنى بالمصطلحات التي درج علماء أصول الفقه على استعمالها كنظرية الإمام إبن مبارك والإمام عبد القادر حيث كان لا يعنى بالمصطلحات ولذلك نجده عندما يتحدث مثلا عن الاستعارة المكنية ويشبع فيها القول من غير أن يسميها باستعارة مكنية وكذلك الاستعارة التصريحية إلى غير ذلك من وجوه الاستعارة, وكذلك في كتابه دلائل الإعجاز عندما يتحدث عن المعاني عني بمصطلحات الذين جاءوا من بعده ولكنه يغوص في أعماق البلاغة بحيث من يدرس كتابيه يدرك تمام الإدراك أن البلاغة كما قيل فيها من علوم النفس فإن الإنسان بقدر ما يتمكن من إيصال الحقائق إلى النفوس يجعل تلك النفوس تتفاعل مع ما هو يريد لهم أن يوصله إليهم, ونجد العلماء الذين اطلعوا على كتابيه فيما بعد قالوا أن الكتب التي ألفت من بعد في البلاغة كانت بعيدة عن البلاغة وإنما هي أشبه بالفلسفة منها بالبلاغة.
(1/3)
والإمام أبو سعيد كان يعني كثيرا بوزن الاستدلالات عندما يستدل بالمعايير المعروفة في أصول الفقه, ولكنه في أكثر الأحوال لا يذكر تلك المصطلحات فهو عندما يستدل بالكتاب العزيز وبالآيات الناصة على الحكم يجعل لهذه الآية دلالتها القطعية ويستدل بالآية التي دلالتها على الحكم ظاهر ويجعل هذه الدلالة دلالة ظنية وبذلك يأخذ بالمخصصات الظنية ويستدل بالآيات العامة على الأحكام العامة ولكن عندما يرد عليه المخصص يأخذ به ويخصص هذه العموميات ولو كان دليلا ظنيا ومن امثلة ذلك ما استدلوا به من قول الله تعالى: { ولا تجسسوا } فالنهي له حكم النفي, بحيث يشمل كل فرد من أفراده لا فرق بين مؤمن وكافر وبين بر وفاجر إذ لو أراد الله أن يحرم التجسس بين المسلمين أنفسهم لقال ولا يتجسس بعضكم على بعض كما قال: { ولا يغتب بعضكم بعضا } فإذا لم يخصص هذا الحكم بالمؤمنين فهو يشمل الجميع وهو رحمة الله بجانب هذا يبحث كثيرا من القضايا التي يبحثها الأصوليون ومن ذلك بحث شهير وهو دخول النساء في صيغة الخطاب التي خوطب بها الناس بصفة التذكير, فعندما يخاطب الله تعالى المؤمنين بقوله: { يا أيها الذين إمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا } .
(1/4)
وقد أفاض الشيخ أبو سعيد بأن هذا الخطاب ليس خاصا بالرجال, فإذا رأت المرأة الماء الدافق حكمها حكم الرجل رأته في نوم أو يقظة سواء كان بتشهي أو باحتلام سواء كان بجماع أو غير جماع إذ لو أسقط هذا عن النساء لسقط الخطاب الأول بالوضوء وقال: بأن الأحكام التي ترد في القرآن الكريم ووجه فيها الخطاب للمؤمنين تندرج فيها النساء إلا ما قام الدليل على عدم دخولهن فيه من ذلك قوله- سبحانه وتعالى-: { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } فإن هذا الحكم ليس خاصا بالذكور دون الإناث ولو جاء بصيغة التكبير, واستثنى من ذلك ما كان يدل على عدم دخول النساء فيه ومن ذلك قوله- سبحانه وتعالى-: { واللآتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن } فإن هذا الخطاب إنما خوطب به الرجال ليعاملوا به نساءهم ليس هو أمرا يمكن أن يوجه إلى الصنفين معا.
وكذلك الخطاب الذي يكون خاصا بالنساء ولا يمكن أن يدخل الرجال فيه كنحو قوله- سبحانه وتعالى- : { وقل للمؤمنات بغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو أباء بعولتهن... } إلى آخر الآية, هذا الحكم لا يمكن أن ينطبق على الرجال أما غض البصر فقد خوطب به الرجال أولا. وقل مما يعلم أن النساء لم يقصدن فيه نحو خطاب الله- تبارك وتعالى- للمؤمنين بقوله: { يأيها الذين إمنوا إذا جاءكم النساء مهاجرات فامتحنوهن } هذا خطاب من أجل النساء, ولما كان من أجل النساء فإن المخاطب به غيرهن فلا يندرجن في هذا الخطاب.
(1/5)
وكذلك عندما يجد الدليل من السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام لا يتجاوزه إلى غيره ومن أجل هذا كانت له آراء لم يسبق إليها في المذهب, فقد كان معولا في هذه الآراء على السنة النبوية وهي من القوة بمكان لقوة استدلالها, ومن جملة ما كان يعول عليه في آرائه الأخذ بقوله جمهور الأمة فيما إذا جاء أحد إلى المسجد وقد كان الخطيب اعتلى المنبر وقد قال إنه يركع ركعتين في هذه الحالة آخذا بحديث سديك- رضي الله تعالى عنه- وقصته مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كما أخرجها الجماعة عن طريق جابر ابن عبدالله وأخرجها أصحاب السنن والإمام أحمد عن طريق أبي سعيد وقال: بإنه عندما يصح الحديث ينبغي أن نعدل عنه وهذا القول من القوة بمكان.
وقول علماء المذهب في هذه المسألة رأيهم كرأي علماء الحنفية وهو أن خطبة الجمعة تقطع على المصلي صلاته إذ يؤمر بذلك الوقت بالإنصات, وأصحاب هذا الاتجاه حملوا الحديث على محاور تعرض لها الحافظ بن حجر في فتح الباري وأوردها الواحد تلو الآخر.
(1/6)
وكذلك من تعويله على السنة رأيه في الحكم صلاة الجماعة فإنه يرى أن صلاة الجماعة واجبة على الأعيان, وقال مع سلوك النبي- صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح تجاه الذين يتخلفون عن صلاة الجماعة با، يحرق لهم بيوتهم بالنار إلى غير ذلك من الروايات التي تؤكد هذا المعنى لا يمكن أن يعدل عن هذا القول فإنه لو قيل أنها واجب كفائي فأي كفاية أعظم من الكفاية التي تحصل بإقامة الرسول- صلى الله عليه وسلم-, للعمل ومتابعة الصحابة- رضوان الله عليهم- الدليل, فلو كان المرء كذلك لكان الذين تركوا صلاة الجماعة تركوا امرا كفائيا, ولكانت الكفاية حصلت من النبي- صلى الله عليه وسلم- والذين كانوا يقيمون الصلاة مع الجماعة وهم المهاجرون والأنصار والذين اتبعوا بإحسان ولم يشذ عن هؤلاء الناس إلا قليل فكيف يتحامل النبي- صلى الله عليه وسلم- على هؤلاء ويقول: (والذي نفسي بيده لقد هممت أن أمر بحطب فيحطب ثم أمر بالصلاة ينادى لها ثم أمر رجلا فيصلي بالناس ثم أخاف إلى رجال لا يشهدون الصلاة ثم أمر فاحرق بيوتهم بالنار).
وهذا القول من القوة بمكان ولا ينبغي أن يعدل عنه لأن الأدلة دالة عليه فالأدلة من السنة النبوية صريحة في هذا وإيماءات من القرآن الكريم توحي إلى صحة هذا الرأي.
وكذلك عندما بحث مسألة تنشيف الأعضاء بعد الوضوء قال: ( بأنه لا دليل يؤخذ منه النهي مع ورود الأدلة على أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- كان يفعل من ذلك, وذكر حديث الربيع الذي رواه المسند, ورواه عن الإمام جابر بن زيد, مرسلا ( إن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان له منديل ينشف به بعد الصلاة وأن بعض أزواجه كن يناولنه ذلك).
(1/7)
وأشار أيضا إلى حديث معاذ أخرجه الإمام الترمذي وضعفه وكذلك أخرج نحوه أيضا عن عائشة أم المؤمنيين- رضي الله عنها- وضعفه الإمام الربيع عندما روى الحديث عن أبي عبيدة- رحمه الله- بإنه قال: (بأن العمل عندنا على إبقاء الوضوء بدون تنشيف, وذلك استحباب للقلب).
وقد أخذ الإمام نور الدين السالمي من هذا أن الإمام أبا عبيدة يرى بأن هذا الحكم نسخ بحديث إبن عباس- رضي الله عنهما-, الذي يحكي فيه قصة خالته ميمونة- رضي الله عنها- عندما قدمت هي إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم- منديلا ليتنشف به بعد الغسل فرده ولم يرده كما جاء عن إبن عباس عن البخاري في بعض الروايات.
وقد تعقب ما حدث للإمام نور الدين السالمي الإمام أبو مسلم في نثاره- رحمه الله- وبين أنه لا ياخذ من هذه النسخ لأن ترك النبي- صلى الله عليه وسلم- شيئا في بعض الأوقات لا يعني أنه نسخ, إذ النسخ لا يؤخذ إلا بالدليل وإلى هذا أشار الإمام أبو سعيد الكدمي وهو يعتمد على القياس ونسبته أي القياس الجلي والقياس الخفي ومن امثلة ذلك يرى أن إجماع الأحداث الكبرى عند المرأة يجزيها فيه غسل واحد ويأني هذا قياسا على الأحداث في الوضوء, فكما أن تكرار الحدث الأصغر لا يقضي أن يتوضأ لكل حدث منه وصوءا على حده بل يجزيه الوضوء الواحد لكل الأحداث ولو تنوعتو كذلك بالنسبة إلى الحدث الأكبر لا ريب أن يرتفع الغسل منها عندما يجتمع الحدثان فلا يحتاج لها أن تغتسل لكل حدث من الحدثين غسلا جديدا.
ويستند إلى الإجماع بحيث أن مستقر الإجماع بين المسلمين جميعا أن الحدث الأصغر لا يلزم الإنسان أن يرفع كل سبب منه بوضوء, وكذلك انعقد الإجماع أيضا على أن الرجل عندما جنب مرات عديدة يجزيه لهذه الجنابة غسل واحد ولو كانت تعددت أسبابها.
(1/8)
والإمام أبو سعيد- رضي الله عنه- كان في عهده يأخذ بالمصالح المرسلة فهو يرى أن المال المغصوب إنما يشتري من صاحبه المغصوب منه ولو كان لا يتمكن من تسليمه للمشتري وذلك من أجل عونه على استرداد حقه من الغاصب أن كان المشتري له مكانه عند الغاصب, بحيث يستطيع عندما يقول له أن المال انتقل إليه أن يسترده منه وكذلك عندما يكون متمكنا باي طريقة من الطرق لإستخراج هذا المال من يد الغاصب وهذا الرأي هو الذي عول عليه المحقق الخليلي- رحمه الله تعالى- وهو في ذلك يستند إلى المصلحة المرسلة التي تعود إلى رفع المظالم ويذكر أيضا أن يكون نظر إلى مقصد شرعي وهو رفع الظلم عن المظلومين.
وإن كان رأي الإمام إبن محبوب- رحمه الله- الذي عول عليه الإمام نور الدين السالمي بخلاف ذلك هو أن شروط صحة البيع أن يكون البائع قادرا على تسليم المبيع له, ولا يسعفنا الحال أن نعرض كل ما تعرض له من المسائل ونذكر من ذلك أنه عني بقاعدة استصحاب الأصل وهي مبنية على حديث نبوي شريف اشار إلى أن الأحكام تبقى على أصلها حتى تنتقل عن ذلك الأصل وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم, لمن شك في حدث وهو في الصلاة أنه يخرج من صلاته حتى يسمع صوتا أو يشم ريحا وقد عول الإمام أبي سعيد- رحمه الله- على ذلك مع النظر إلى الملابسات وأجرى هذه القاعدة في العديد من المسائل.
(1/9)
ومن بين المسائل بحث مسألة من تيقن أنه أمنى ثم صلى بعد ذلك صلاة أو أكثر من صلاة ثم شك بعد صلاته أو صلواته تلك, هل عندما قام إلى تلك الصلاة كان مغتسلا من جنابته أو أنه لم يغتسل؟, فمن العلماء من قال نظرا إلى الأصل في المؤمن الذي يؤدي فرائض- الله تعالى- من غير ترك لشروطها ومن غير استخفاف بشيء من واجباتها ألا يقوم إلى الصلاة وقد عراه الشك بل يعده وسوسة من الشيطان وليس عليه أن يغتسل ويعيد ما ادى من الصلوات, وهذا راي طائفة من أهل العلم ولكن الإمام أبا سعيد- رحمه الله- عول هنا على هذه القاعدة فقال: بأن فعله ما يوجب الغسل عليه أمر متيقن واليقين لا يرفعه إلى يقين مثله, فعليه أن يغتسل.
وقال بأن قول هؤلاء العلماء لا يخرج إلى مخرج الإطمئنان والإطمئنان هنا ضعيف فعليه أن يرجع إلى الحكم الأصلي وهو وجوب الغسل عليه وفرق بين ما إذا شك في وضوئه بعد ما ادى الصلاة وشك في غسله مع تيقنه أنه أحدث قبل أن يقوم إلى الصلاة, الحدث الأصغر والأكبر فقال: بأنه يفرق بين الوضوء وبين الغسل لأن الوضوء يتكرر أكثر فقال: بأنه يفرق بين الوضوء وبين الغسل لأن الوضوء يتكرر أكثر من تكرار الغسل وكذلك يكون الإنسان على يقظة من هذا الوضوء فيصعب كثيرا أن يقوم إلى الصلاة وهو على غير وضوء لذلك يغلب جانب الطمأنينة في الوضوء لقلة احتمال نسيانه ولا تغلب الطمأنينة في جانب الغسل.
وفرق أيضا بين الغسل وبين الصلاة بعد ثبوت وقتها قال في هذه الحالة : أن يصلي إلا إذا أراد الاحتياط لقطع دابر الشك لأن الصلاة موقوته بوقت, والغسل غير موقوت بوقت والأصل في المؤمن أن يؤدي الصلاة في مواقيتها فإذا شك في ادائها لا يعيد أما عندما يتقين فلا ريب أنه في هذه الحالة يكون لزاما عليه أن يقوم إلى الصلاة.
(1/10)
وذكر أيضا الزكاة وقال: بإن الإنسان الذي وقت لنفسه وقتا معينا يخرج فيه زكاته في كل عام من الأعوام عندما يتجاوز ذلك الوقت ويعتريه شك هل اخرج زكاته قال أما من ناحية الحكم فإن الأصل في الحكم أن ذمته مشغولة بالزكاة ولكن من باب الطمأنينة أن كان ذلك مستقرا في نفسه ومستقرا في عادته ألا يغادر في ذلك الوقت إلا وقد أدى الزكاة ولم يكن الشك مع بقاء الوقت بل بعد ما جاوز الوقت فليس عليه أن يقوم بإخراج زكاته مرة أخرى.
وكذلك حقوق الناس قال من كان شاكا في أداء حق من حقوق الناس كأن يكون مدينا لأحد أو عليه الضمان لأحد أو أي نوع منها ثم شك بعد ذلك هل شك في أنه أدى هذا الحق مع أنه من قبل لم يعتره الشك فهنا يؤدى الحق لأصحابه ويبقى الحق كما هو اللهم إلا أن يكون هنالك قرينة تؤيد جانب الطمأنينة كأن يتأكد أنه حمل هذا الحق في يده وهو ذاهب إلى صاحبه من أجل أن يعطيه إياه فإن هذه القرينة كافية لأجل تأكيد جانب الطمأنينة وفي هذه الحالة لا يكون عليه الأداء وكذلك بقية الحقوق الأخرى كالأورش والديات والنفقات والكسوات التي تجب على الإنسان لمن يعولهم, عندما يشك في أداء هذه الحقوق عليه لزاما أن يؤديها لأنه لم يتيقن أنه أداها والأصل أن ذمته مشغولة بها حتى يثبت الأداء ومثل هذا عندما يتقين أنه لزمه بدل صلوات ثم بعد ذلك يعتريه الشك هل أبدل هذه الصلوات أو لم يبدلها.
وكذلك حكم الصيام وبدله عندما يعتريه الشك في بدل الصيام قال: بالنسبة إللا كلا الأمرين أي بدل الصلوات وبدل الصيام عليه أن يبدل ولا يرجح إلى الطمأنينة في هذه الحالة إذ جانب الطمأنينة هنا جانب ضعيف قد تيقن أن ذمته مشغولة بذلك البدل فيرجع إلى جانب استصحاب الأصل على جانب الأطمئنان.
(1/11)
أما بالنسبة إلى أداء الصيام إن شك أن اليوم أدى الصيام بعد ما أنقضى شهر رمضان ولا ريب أن الأصل فيه أن لا يتجاوز رمضان وهو قادر على الصيام صحيح الجسم غير مريض مقيم في بلده غير مسافر عنه, الأصل فيه ألا يتجاوز الشهر الكريم الذي هو ميقات هذه الفريضة المقدسة إلا بعد الأداء وبذلك لا يلزمه القضاء في هذه الحالة وكذلك بالنسبة إذا شك في اداء واجب الصيام في يوم بعينه بعد انقضاء ذلك اليوم ليس عليه أن يقضيه اللهم إلا أن يكون ذلك من باب قطع دابر الشك للطمانينة فحسب.
وكذلك استصحب الأصل في احكام الزواج , قال: (إن رأى رجل نفسه مع امرأة يعاشرها عشرة امرأته, وبينهما الإنسجام ما بين الرجل وامرأته فاعتراه بعد ذلك الشك بدل الزواج, ومن هذه المرأة وذلك يتصور الإنسان في غيبوبة قد يتصور أن يشك في ذلك وكثيرا ما يقع في ذلك بعدما يتعرض انسان لحادث سير مثلا قد يشك قال في هذا الجانب أن رأى هذه المرأة مستقرة في بيته وهو يعاشرها معاشرة الرجل لأهله مع امانته ومع ثقته ومع عدم رضاه بالزنا والناس مقرون ومجمعون له على هذه الحالة لا ينكر عليه منكر وقد إعتراه من الأمور ما جعله يذهل ويعرض عنه متى تزوج هذه المرأة ومن تزوجها وهل تزوجها مستوفيا جميع شروط الزواج وأركانه, أو كان مخلا بشيء من شروطه وأركانه إلى غير ذلك.
(1/12)
قال: ففي هذه الحالة يرجع إلى الطمأنينة فإن الأصل في ذلك طمأنينة النفس, ولو شك في ذلك, وكذلك عندما يشك بعد زواجها ألا تكون بسبب أخته من الرضاع أو أمه من الرضاع أو خالته من الرضاع أو أبنته من الرضاعة, لا يلتفت إلى شيء من الشكوك في هذه الحالة ويستمر على ما هو عليه كذلك بالنسبة إلى الطلاق عندما يشك في طلاق امرأته عندما يعاشرها معاشرة الأزواج وهو لم يتقين أنه طلقها يتمسك بها أستصحابا للأصل, ولا يقطع حكم هذا الأصل بسبب هذه الوسوسة وبسبب هذا الشك وكذلك عندما ينطق بشيء لعله مؤد إلى الطلاق أو لم يكن مؤديا إلى الطلاق مع نسيانه نطق من نطق به مصطحبا الأصل وهو بقاء هذه الزوجة على عصمة الزوجية حتى يتبين له أن نطق بمد بينهما منه أو ما يكون بسببه منه يكون طالقا وكذلك عندما يكون متيقنا لا يكونان إلا بين رجل وإمرأة طلقها ويرى نفسه بعيدا عن هذه المرأة ولا يتذكر متى طلقها؟ ولكن في نفسه أنه لا يمكن في هذه الحالة إلا وقد خرجت من عصمته وبهذه الحالة يأخذ ما إطمأنت إليه نفسه من أنها خرجت فإن كون هذه المرأة لا تطالبه بحقوق الزوجية والناس أيضا لا يؤنفونه لماذا تركت أهلك إلى غير ذلك من الأوضاع والظروف التي تشهد بمثل هذه الحالة, كل ذلك يؤكد أن عصمة الزوجية لم تعد باقية بينهما.
(1/13)
كذلك عندما يرى أن جارية عنده وهو يرغب في تلك الجارية في هذه الحالة وهي تطاوعه في هذه العشرة التي بينه وبين هذه الجارية ولا استنكار من أحد ولا استهجان من هذا الصنيع وهو يتذكر كيف انتقلت من يده حتى كانت ملك يمينه هل كان ذلك بشراء أو كان ذلك بإرث أو كان بأي وجه من وجوه التملك فإنه عندما جاء منه بهذا الحالة هو مطمئن إلى أن هذه جاريته ولت ترد كيف كان ترد إليه نسي ذلك بسبب من أسباب الذهول, والنسيان فإنه يستصحب الحالة التي وجد نفسه عليها ولا يحرم هذه الجارية على نفسه كذلك بالنسبة إلى الأموال عندما يكون موقنا بأن المال الفلاني كان ملكا لفلان ولكن بعد ذلك وجده في يده وهو يتصرف فيه ملك المالك في ملكه من غير أن يطالبه أحد بذلك ومن غير أن ينكر عليه أحد هذا التصرف وهو مطمئن أن هذا المال انتقل إلى ملكه ولكنه لا يدري بأي طريقة إنتقل هل بشراء أو هبة أو بأي وجه فإنه يستمر إلى ما إطمأنت إليه نفسه من أن ذلك المال ماله ولا يلتفت إلى ذلك الشك وإن كان الأصل في هذه الحالة أنه لصاحبه ولكن جانب الطمأنينة هنا جانب قوي, وهذا الأصل عورض بأصل آخر والأصل الآخر صار أوى منه لإحتمال انتقال المال إليه عن طريق التملك وإن كان هو بهذه الطريقة في هذه الحالة ليس عليه حرج.
(1/14)
وكذلك عندما يكون تيقن أنه بينه وبين أحد معاوضه وبسبب تملك شيء ما ولا يدري المعاوضة هل هذه المعاوضة كانت بطريقة شرعية سليمة أو مشبوهة بشيء من الطرق المحرمة كالربا والغرر وغير ذلك في هذه الحالة يستصحب الأصل ويستمر على ذلك الأصل الذي كان عليه وهو أنه معاوضة لا تكون إلا بطريقة شرعية مباحة ولا عليه أن يخرج مما هو بيده بسبب شك أنه ربما انتقل إليه بطريق ربوي أو بطريق غرر أو غير ذلك من الطرق المحرمة ثم قال أن الأمور تكون بحسب ما علمت والأصل يستصحب إلا إذا كان هناك ما يدل على الأنتقال أو كانت القرائن التي تكتنف الأمر تؤكد جانب الانتقال ففي هذه الحالة يؤخذ بهذه القرائن.
ومما ذكرة من مسائل أصول الفقه وعول عليه أن الأمر بالشيء نهي عن ضده وهذه مسألة اختلفت فيها علماء أصول الفقه ولعل الجمهور لا يأخذون بهذا الرأي.
ومن هذا الباب قال: بأن أمر النبي- صلى الله عليه وسلم- الجنب المستبرئ بالبول قبل أن يغتسل هو نهي عن ضده ذلك إلى الامتثال قبل الاستبراء إلا يكون هناك داع إلى تعجيل الغسل, مثل ذلك أوامر النبي- صلى الله عليه وسلم- التي موجهة إلى أصناف من الناس لأن يفعلوا شيئا فإنها تعني أن ذلك نهي عن أضدادها.
هكذا كان يرى وقد أردت أن أبحث جوانب الإستدلال بالقياس الخفي عن الشيخ ولكن الوقت لا يسع بذلك وقد بحث العديد من المسائل مستدلا على ما ذهب إليه فيها بأدلة من القياس الخفي, وهو أيضا يأخذ بالقياس على الأصل المختلف فيه خلافا لنظيره الإمام إبن بركة الذي يقول: ( إن القياس لا يكون إلا على أصل متفق عليه, ونظرا إلى ضيق الوقت نقتصر على هذا ونسأل الله- تعالى- أن يتغمد برحمته الإمام أبا سعيد وسائر علماء الأمة العاملين المؤمنين الصالحين إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير, نعم المولى ونعم النصير وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته........
(1/15)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

تواصل معنا

أكثر من 600,000+ يتابعون موقعنا عبر وسائل التواصل الإجتماعي إنظم إلينا الآن

عن الموقع

author مكتبة أهل الحق والإستقامة <<   مكتبة أهل الحق والإستقامة..موقع يهتم بنشر الكتب القيمة في مختلف الجوانب (فقه..عقيدة..تاريخ...الخ) عند المذهب الإباضية من نتاج فكري.

أعرف أكثر ←

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *