أطال الله في عمره حتى رأى بأم عينيه ثمار جهاده في مجال التربية والتعليم؛ في أولئك العشرات من التلاميذ والطلبة الذين تكونوا وكبروا وصاروا مشايخ وعلماء، يرفعون معه الحمل ويعضدون جهوده بإسهامهم في تكوين الأجيال وتبليغ أفكاره وتجسيد آماله وطموحاته في تنوير المجتمع ودفعه إلى خطوات إلى الأمام في مسار النهضة والإصلاح.
وفقه الله تعالى ومنحه الإرادة والكفاءة العلمية ليفتح حلقة علم خاصة به طورها مع مرور الزمن وأبدع فيها حتى صارت معهدا متخصصا في الدراسات الإسلامية، طبق فيه تصوره لمنظومة التعليم، ووضع برامجه وضبط مستوياته وألف مقرراته، ونظمه في صورة أشبه ما تكون بالمدارس والجامعات النظامية المعاصرة.
أ ـ التعريف بمعهد الشيخ اطفيش:
إن النبوغ المبكر للشيخ اطفيش، وعصاميته في مواصلة تكوينه اعتمادا على رصيد الخزائن والمكتبات التي وجدها في بلدته مما تركه مشايخه، ومما امتلكه من الكتب، جعله يستأنس من نفسه المقدرة على التدريس وهو لا يزال في العشرية الثانية من عمره قبل أن يبلغ العشرين، حين أعان أخاه في التعليم، ثم فتح في داره حلقة خاصة به، رعاها وحاول تحسينها وتطويرها من حين لآخر، حتى أضحت بعد زمن قصير مجلب الانتباه في بلدته، ثم بدأت أصداؤها تصل إلى قرى وادي ميزاب، وتستهوي الطلبة للانضمام إليها والاستفادة منها.
وبعد بضع سنين أضحى معهده القبلة الأولى للطلبة من كافة قرى وادي ميزاب ووارجلان وأرجاء من الجزائر، كما قصدها طلبة من تونس وليبيا (¬1).
وللحفاظ على المستوى العلمي للمعهد المتخصص في العلوم الشرعية والعربية، كان الشيخ اطفيش يشترط على طلبته قبل انضمامهم إليه مستوى علميا معينا ومواصفات
¬__________
(¬1): سعد الله أبو القاسم: تاريخ الجزائر الثقافي، ط1، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، 1998م، ج3، ص264 - 272. يوسف الحاج سعيد: تاريخ بني مزاب، المطبعة العربية، غرداية، 1992م، ص135.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق