ومما يؤكد على بلورة القطب لمضمون مفهوم "القابلية للاستعمار" -دون تحديد المعالم الاصطلاحية واللغوية له- هو نقده لأوضاع عصره، التي كانت تتسم بالتخلف الفكري والفتور الاجتماعي، فباستطاعة المتصفِّح لكتبه ومؤلفاته أن يجد بعض الإشارات المختصرة حول واقع عصره، والتي تشخص بدقة أسباب تلك القابلية للاستعمار، ونذكر على سبيل المثال الخلافات المذهبية بين أهل التوحيد، وانتشار موجة التعصب لديهم، ويحاول معالجة ذلك عن طريق التذكير بالانتماء إلى الدين الواحد، حيث يقول: «ونحن كلنا تجمعنا كلمة التوحيد» (¬2)، كما أنه كان ينتقد بحدة انتشار النفاق والفساد، وظهور سلوكات الكسل والخمول بين المسلمين، وعدم الاشتغال بردع العدو المستعمِر. ففي إحدى مخطوطاته يترجم قطب الأيمة واقع عصره بطريقة لغوية رائعة مبدعة حيث يقول: «وإنما أطْنِب في هذا المقام لأحرك أذهانا ألفت الجمود، وأهيج أفهاما طالما مالت نيرانها إلى الخمود» (¬3).
ومما يؤكد على نظرية "القابلية للاستعمار" هو وصفه موقف المسلمين اتجاه المستعمر بالسلبي والتقاعسي، ويقسّم المسلمين إلى ثلاث مجموعات؛ مجموعة تؤيد المستعمر بحيث تكيّفت مع الواقع المعاش، ومجموعة تمثل موقف الإعراض عمّا يحدث حولها أو ما يمكن تسميته باللامبالاة وعدم الاهتمام بتغيّر الأوضاع، ومجموعة ثالثة والتي يريد اطفيش الانتماء إليها عن وعي -هي حزب العلماء المصلحين، ومدرسة المجدِّدين الذين جعلوا من القلم والتأليف منهجا فكريا وعمليا رافضا لمنطق التصالح مع الواقع الذي فرضه النزاع ما بين المسلمين، واستفاد منه المستعمر، ووطّد التفرقة بينهم. كما أن اختياره الواعي للتأليف الهدف منه لمّ شمل المسلمين، وترسيخ شعور الوحدة فيما بينهم؛ من أجل تغيير واقع تخلفهم، ومحاربة المستعمر. ومن هنا يمكننا أن نستنتج أن التأليف يهدف أولا إلى نشر الانتماء إلى الدين الإسلامي، والتأكيد على نشر الوعي بهوية الانتماء الى الوطن الواحد، وكأن قطب
¬__________
(¬1) انظر كذلك مقاله بعنوان: موقف الشيخ امحمد بن يوسف اطفيش من الاستعمار، مجلة الحياة 2،1999، ص 21. انظر كذلك نفس الكاتب:
آراء الشيخ محمد بن يوسف اطفيش العقدية، ص 36 - 39.
(¬2) اطفيش: تيسير التفسير، 45، ص.69.
اطفيش: حاشية السؤالات، بدون مكان وبدون تاريخ، (مخ)، ص 96. وينتن: آراء الشيخ محمد
(¬3) بن يوسف اطفيش العقدية، ص 21 - 22.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق