الكتاب: الإيلاء تعريفه أركانه، شروطه، أحكامه
المؤلف: أحمد بن حمد الخليلي
الناشر: مكتبة الجيل الواعد
تاريخ النشر: 1428هـ 2007م
الطبعة: الثانية
[ترقيم الصفحات موافق للمطبوع]
[فيه مشكل في عرض الآيات والأحاديث]
الإيلاء تعريفه أركانه، شروطه، أحكامه
[ترقيم الصفحات موافق للمطبوع]
(1/1)
الطبعة الثانية 1428هـ 2007م
(1/2)
الايلاء تعريفه اركانه، شروطه، احكامه
تأليف
سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي
المفتي العام لسنطنة عمان
مكتبة الجيل الواعد
(1/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
(1/4)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الرؤف الرحيم البر الكريم العزيز الحكيم , الذي غَمر البرايا بإنعامه, وتَجَلت حكمه في أحكامه, والصلاة والسلام على الرحمة المهداة للعالمين, والنعمة المسداة إلى الخلق أجمعين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه البررة الميامين, وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد, فإن فطرة الله في عباده تشد بعضهم إلى بعض ليكون بينهم التكامل والتكافل, ولتقوم حياتهم على الوئام والانسجام, وإن العلاقة الزوجية هي أقوى العلاقات التي تجذب إنسانا نحو آخر, لما فيها من امتزاج المصالح وانسجام المشاعر وتبادل الود واقتسام منافع الحياة , ولكن مع ذلك فإن الحياة الزوجية عرضة لتقلبات الأمزجة وشذوذ التصرف, وقد يؤدي بها ذلك إلى الانفصام أو يكاد.
ومن بين ما يعتريها: الإيلاء, الذي لا ينشأ غالبا إلا عن حدة الطبع, وانفجار العواطف, وقد جاء حكم الله فيه منسجما مع مصلحة الزوجين كليهما، موفيا لحق كل منهما.
(1/5)
ومع هذا الوضوح في هذا الحكم الرباني؛ فإن علماء الأمة أوسعوا مسائله بحثا وتبيانا, فاتفقوا قليلا واختلفوا كثيرا في تفاصيل أحكامه , كما هو شأن العباد في تفصيل مجملات ما يلقى إليهم, وقد اطلعت على ما حرروه فرأيت كثيرا مما قيل لا يزال بحاجة إلى تأمل وبحث وتحرير, ورأيت أن أكثر ما دونه أصحابنا إنما يعود إلى صور ألحقت بالإيلاء قياساً عليه, ولم تكن نفس الإيلاء المنصوص عليه في كلام الشارع الحكيم.
على أن كثيرا من تلكم الصور لا تزال بحاجة إلى النظر في حملها على أصل الإيلاء, إذ قد تكون غير مستوفية لشروط قياسها عليه.
ومع مذاكرتي لبعض خواصهم بله عوامهم وجدتهم لا يتصورون من الإيلاء إلا تلك الصور المقيسة عليه. على أن منهم من فاته التأصيل الذي بنيت عليه , فانقلبت عنده المسائل رأسا على عقب, حتى جاء بشيء إدٍ في تفاصيل أحكامها، لهذا وجدتني مشدود العزيمة إلى أن أتناول جانبا من مسائل الإيلاء بالبحث والتبيين, مع الاقتصار على المسائل التي وقع فيها الالتباس, غير أني مع شروعي في ذلك وجدت ارتباط كثير من مسائله بمسائل أخرى , فيتعذر استيفاء بيانها إلا بجمعها مع نظائرها, فجردت الهمة لاستقصاء أحكام الإيلاء في جميع مسائله, وإيساعها بحثا وتقريرا, وتحقيقا وتحريرا, وتأصيلا وتفريعا, حتى ينجلي ما كان غامضا ويسهل ما كان وعرا , ويلين ما كان صعبا.
(1/6)
ولكن رأيت أن هذا مسلك صعب , ومطلب لا يتوصل إليه إلا باستهلاك جزء كبير من وقت تتنازعه مطالب شتى, فضلا عن كلال الذهن, وخمود العزيمة, فسلكت طريقا وسطا بين المنهجين, إذ أتيت بما كانت الدواعي متوفرة لذكره , وتركت ما عداه, فجاء بحمد الله بما تقر به عين المنصف من التفريع على أصول مسلمة, واحتكام إلى الأدلة المقبولة, وتعليل بما يوضح الحكمة من الأحكام, وهاكه مشتملا على مقدمة وخاتمة, بينهما تسعة فصول هي ينابيع بيانه ومجامع شرحه وتفصيله.
(1/7)
[صفحة بيضاء]
(1/8)
مقدمة فى التعريف بالايلاء واركانه
(1/9)
[صفحة بيضاء]
(1/10)
الإيلاء لغة: هو القسم يقال آلى يؤلي وأتلى يأتلي وتألى يتألى بمعنى أقسم, وفي "لسان العرب": وقد تأليت وأتليت وآليت على الشي وآليته -على حذف الحرف- أقسمت، وفي الحديث: (من يتألّ على الله يكذبه) (1) أي من حكم عليه وحلف كقولك: والله ليدخلن الله فلانا النار وينجحن الله سعي فلان ,وفي الحديث: (ويل للمتألين من أمتي) (2) يعني الذين يحكمون على الله ويقولون فلان في الجنة وفلان في النار, وكذلك قوله في الحديث الآخر: (من المتألي على الله) (3) وفي حديث أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (آلى من نسائه شهرا) (4) أي حلف لا يدخل عليهن، وإنما عدَّاه بمن حملا على المعنى وهو الامتناع عن الدخول وهو يتعدى بمن (5).
وروي عن أُبي وابن عباس رضي الله عنهما أنهما قرآ (يقسمون) (6)
__________
(1) أخرجه مرفوعا ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 51/ 241 من طريق عقبة بن عامر الجهني، والرافعي في "التدوين في أخبار قزوين" 3/ 185 والقضاعي في مسند الشهاب (336) من طريق زيد بن خالد الجهني.
(2) رواه ابن بطة في الإبانة (1049) باب ذكر الذنوب التي تصير بصاحبها إلى كفر غير خارج عن من طريق جعفر العبدي.
(3) أخرجه البخاري في كتاب: الصلح، باب: هل يشير الإمام بالصلح (2558) بلفظ " أين المتألي على الله " من طريق السيدة عائشة – رضي الله عنها -.
(4) أخرجه البخاري في كتاب: الصلاة، باب: الصلاة في السطوح (371) من طريق أنس بن مالك.
(5) لسان العرب، دار الفكر، ج14ص40 - 41.
(6) ما جاء عن ابن عباس رواه سعيد بن منصور في سننه برقم 359، كتاب التفسير باب تفسير سورة البقرة قوله تعالى: "للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن" ورواه عبد الرزاق في مصنفه في =
= كتاب الطلاق باب انقضاء الأربعة (11271)، وما جاء عن أبي رواه ابن أبي داود في المصاحف باب اختلاف مصاحف الصحابة مصحف أبي بن كعب رضي الله عنه برقم 131.
(1/11)
بدلا من يولون في قوله تعالى {(((- {- (- - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم (- (- (- صدق الله العظيم (تم بحمد الله (المحتويات (- ((- - - - ({- ((- - - رضي الله عنه - - - - ({- رضي الله عنهم - (- رضي الله عنه - - (- - صلى الله عليه وسلم - - - - (- ((- صلى الله عليه وسلم - -} تمت (- - (- صلى الله عليه وسلم - ((- - - (} تمت (- - ({- - - (- قرآن كريم ((- ((بسم الله الرحمن الرحيم - (مقدمة {-} (1) ,وإن ثبت ذلك عنهما فهي قراءة محمولة على التفسير ,ومن شواهده قول الله تعالى {- صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (- - - (- - رضي الله عنه - -} - قرآن كريم (- - - صلى الله عليه وسلم - (- (- ((- ((- - - (بسم الله الرحمن الرحيم (- - (تم بحمد الله ({- رضي الله عنهم - (- - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - تمت - صلى الله عليه وسلم - -} - (قرآن كريم (- (- (- - (- - - صلى الله عليه وسلم - (- - - فهرس - (- ({(- - - - رضي الله عنه - (((- (- - - رضي الله عنهم - - (- - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (((- (- (- رضي الله عنهم - - (- (- - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (((- - (تمهيد - رضي الله عنهم - - (- - -}} (2) على أصح ما قيل في تفسيره، وقول الشاعر:
فآليت لا أنفك أحدو قصيدة تكون وإياها بها مثلا بعدي
وقول غيره:
قليل الألايا حافظ ليمينه وإن سبقت منه الألية برت
والألايا جمع ألية بمعنى اليمين.
وأما الإيلاء شرعا: فهو راجع إلى معناه اللغوي، إلا أنه مقيد بكونه
__________
(1) البقرة: 226.
(2) النور: 22.
(1/12)
قسما صادرا من زوج على أن يمتنع من وطء امرأته، فهو مقيد من حيث إنه لايصدر إلا عن زوج ولا يتعلق إلا بالامتناع عن الوطء ,وإنما توسع كثير من العلماء فأطلقوه على كل ما يدل على الامتناع من الوطء ولو لم يكن مقرونا بيمين كما سيأتي.
قال قطب الأئمة -رحمه الله-: هو لغة: اليمين، وشرعا: الكلام المانع من وطء الزوجة ولو أمة غير الظهار, فدخل ما لا حلف فيه، مثل أن يقول: عليّ أن أتصدق بكذا، أو عليّ كذا نذر أو عتق أو طلاق أو مشي إلى بيت الله سبحانه تعالى إن مسستها أو إن لم أمسها، ويطلق أيضا على خروجها بمضي أربعة أشهر لعدم الوطء، أو لعدم الوفاء بما حلف وعلى نفس الأربعة, قال عياض: الإيلاء لغة: الامتناع، ثم استعمل فيما كان الامتناع به بيمين, وقال ابن الماجشون: هو في الشرع، كما في اللغة، إلا أنه يعرف في الشرع بالحلف على اعتزال الزوجة وترك جماعها (1).
قلت: ما نقله عن عياض من أنه لغة بمعنى الامتناع، لم أجد دليلا عليه في شواهده اللغوية منثورها ومنظومها، بل كل ما اطلعت عليه من الشواهد، وما وجدته في معاجم اللغة دال على أنه بمعنى القسم، والقطب الذي نقل هذا الكلام عن عياض نص في تفسيريه الشريفين على أنه بمعنى القسم، ففي "هميان الزاد" {(((- {- (- - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم (- (- (- صدق الله العظيم (تم بحمد الله (المحتويات (- ((- - - - ({-} أي يحلفون عن
__________
(1) شرح النيل، مكتبة الإرشاد/جدة ج7ص180.
(1/13)
جماع نسائهم, فمن بمعنى عن على حذف مضاف كما رأيت، أو ضمن الإيلاء بمعنى البعد فعداه بمن، كأنه قيل: يبعدون من جماع نسائهم بالحلف
وإلا فأصله التعدي بعلى (1).
وفي "تيسير التفسير": {(((- {- (- - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم (- (- (-} يحلفون أحرارا أو عبيدا ولو خصيين أو مجبوبين، {صدق الله العظيم (تم بحمد الله (المحتويات (- ((- - - - ({-} على جماع نسائهم، أو ضمن يؤلون معنى يبعدون، بل الابتداء لا يخلو عن بعد الفعل المبتدأ منه (2).
ولا أرى القول بأنه لغة بمعنى الامتناع إلا مبنيا على ما نقلته عن صاحب اللسان من أنه في الآية ضمن معنى الامتناع، أو ناشئا عن الوهم في معنى قوله تعالى: {- صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (- - - (- - رضي الله عنه - -} - قرآن كريم (- - - صلى الله عليه وسلم - (- (- ((- ((- - - (بسم الله الرحمن الرحيم (- - (تم بحمد الله ({- رضي الله عنهم - (- - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - تمت - صلى الله عليه وسلم - -} - (قرآن كريم (- (- (- - (- - - صلى الله عليه وسلم - (- - - فهرس - (- ({(- - -} بحيث ظنه قائله أنه بمعنى ولا يمتنع، وهو ليس كذلك، فإن أكثر المفسرين حملوه على النهي عن القسم، وذلك أن الآية نزلت في قسم أبي بكر - رضي الله عنه - بأن لا يصل مسطح بن أثاثة، وهو أحد قرابته من فقراء المهاجرين وذلك لمشاركته في حادثة الإفك، فنهاه الله عن ذلك لما فيه من قطع الرحم ومنع المعروف، وحمله آخرون منهم: على معنى التقصير، وعليه هو افتعال من ألا يألو بمعنى قصر يقصر، كما في قوله تعالى {3/ 3
__________
(1) هميان الزاد، المطبعة السلطانية بزنجبار ج3ص215.
(2) تيسير التفسير، وزارة التراث/ سلطنة عمان ج1ص346.
(1/14)
- صدق الله العظيم (المحتويات (- - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم (- (- - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم - - رضي الله عنه - تمهيد - رضي الله عنهم - -} (1) أي لا يقصرونكم، وعليه فمعنى الآية الكريمة ولا يقصر أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله.
هذا وأما أركانه فهي خمسة:
رجل مولٍ.
إمرأة مولى منها.
يمين بمحلوف به.
أمر محلوف عليه.
مدة يترتب عليها حكمه.
واقتصر ابن شاس على أربعة أركان وهي على النحو الآتي:
الزوج.
المحلوف به.
المدة.
المحلوف عليه (2)
__________
(1) آل عمران:118.
(2) عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة، دار الغرب الإسلامي، ج2ص215 - 219.).
(1/15)
ولكل ركن منها شروط تجدها إن شاء الله مشروحة في تضاعيف ما سيوافيك بيانه إن شاء الله في الفصول الآتية.
(1/17)
الفصل الاول فى الحلف الذى يترتب عليه حكم الايلاء
(1/18)
[صفحة بيضاء]
(1/19)
لا خلاف في أن من حلف بالله أو بأسمائه الحسنى أو بصفاته العلى بأن يمتنع من مواقعة أهله هو مول، ويترتب على قوله حكم الإيلاء المنصوص عليه في القرآن، وما عسى أن تجده مما يخالف هذا فهو من الأوهام التي لا يعتد بها كما سيأتي بيانه إن شاء الله ,وإنما الخلاف فيما إذا كان الحلف بغير ذلك مما يترتب عليه لزوم ما لم يكن لازما عليه.
قال الإمام الشافعي في "الأم":"اليمين التي فرض الله تعالى كفارتها اليمين بالله عزوجل ولا يحلف بشيء دون الله تبارك وتعالى لقول النبي- صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم, فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت" (1) قال: فمن حلف بالله عزوجل فعليه الكفارة إذا حنث, ومن حلف بشيء غير الله تعالى فليس بحانث ولا كفارة عليه إذا حنث، والمولي من حلف بيمين يلزمه بها كفارة ,ومن أوجب على نفسه شيئا يجب عليه إذا أوجبه, فأوجبه على نفسه إن جامع امرأته فهو في معنى المولي, لأنه لا يعدو أن يكون ممنوعا من الجماع إلإ بشيء يلزمه به, وما ألزم نفسه مما لم يك يلزمه قبل إيجابه أو كفارة يمين، قال: ومن أوجب على نفسه شيئا لا يجب عليه ما أوجب ولا بدل منه فليس بمولٍ وهو خارج من الإيلاء، ومن حلف باسم من أسماء الله تعالى فعليه الكفارة، كما لو حلف بالله عز وجل وجب عليه الكفارة ,وإذا قال الرجل لامرأته: والله لا أقربك، يعني الجماع أو
-2
__________
(1) أخرجه الإمام الربيع في كتاب: الأيمان والنذور، باب: الأيمان (655) من طريق أبي سعيد الخدري.
(1/20)
تالله أو بالله لا أقربك فهو مول في هذا كله, وإن قال: ألله لا أقربك فإن أراد اليمين فهو مول وإن لم يرد اليمين فليس بمول، لأنها ليست بظاهر اليمين, وإذا قال: هايم الله أو أيم الله أو ورب الكعبة أو ورب الناس أو وربي أو ورب كل شيء أو وخالقي أو وخالق كل شيء أو ومالكي أو ومالك كل شيء لا أقربك فهو في هذا كله مول, وكذا إن قال: أقسم بالله أو أحلف بالله أو أولي بالله لا أقربك فهو مول، وإن قال: أقسمت بالله أو آليت بالله أو حلفت بالله لا أقربك, سئل فإن قال: عنيت بهذا إيقاع اليمين كان موليا, وإن قال: عنيت أني آليت منها مرة فإن عرف ذلك باعتراف منها أو ببينة تقوم عليه أنه حلف مرة فهو كما قال وليس بمول, وهو خارج من حكم ذلك الإيلاء, وإن لم تقم بينة ولم تعرف المرأة فهو مول في الحكم وليس
بمول فيما بينه وبين الله عز وجل، وكذلك إن قال: أردت الكذب.
وإن قال: أنا مول منك أو عليّ يمين إن قربتك أو علي كفارة يمين إن قربتك فهو مول في الحكم, فإن قال: أردت بقولي: أحلف بالله. أني سأحلف به فليس بمول, وإذا قال لامرأته: مالي في سبيل الله تعالى. أو عليّ مشي إلى بيت الله أو عليّ صوم كذا أو نحر كذا من الإبل إن قربتك فهو مول لأن هذا إما لزمه وإما لزمته به كفارة يمين.
قال: وإذا قال: إن قربتك فغلامي فلان حر أو إمرأتي فلانة طالق فهو مول, والفرق بين العتق والطلاق وما وصفت أن العتق والطلاق حقان لآدميين بأعيانهما يقعان بإيقاع صاحبهما ويلزمان تبررا أو غير تبرر وما
(1/21)
سوى هذا إنما يلزم بالتبرر.
قال: ولو قال: والكعبة أو وعرفة أو والمشاعر أو وزمزم أو والحرم أو والمواقف أو والخنس أو والفجر أو والليل أو والنهار أو وشيء مما يشبه هذا لا أقربك لم يكن موليا، لأن كل هذا خارج من اليمين وليس بتبرر ولا حق لآدمي يلزم حتى يلزمه القائل له نفسه. قال: وكذلك إن قال: إن قربتك فأنا أنحر ابنتي أو ابني أو بعير فلان أو أمشي إلى مسجد مصر أو مسجد غير المسجد الحرام أو مسجد المدينة أو مسجد بيت المقدس لم يلزمه بهذا إيلاء، لأنه ليس بيمين ولا يلزمه المشي إليه ولا كفارة بتركه, وإن قال: إن قربتك فأنا أمشي إلى مسجد مكة كان موليا، لأن المشي إليه أمر يلزمه أو يلزمه به كفارة يمين (1).
والخلاصة أن اليمين التي يترتب عليها حكم الإيلاء عنده هي ما كان قسما بالله أو بشيء من أسمائه أو بشيء من صفاته أو ترتب عليه لزوم ما لم يكن لازما كالكفارة أو فعل شيء ,وذكر أصحابه أن له قولين في هذا: أحدهما: أنه لا يكون موليا إلاَّ بالله تعالى, والثاني: أنه يكون موليا بكل يمين التزم بالحنث فيها ما لم يكن لازما له سواء كان حالفا بالله أو بالعتق والطلاق (2).
__________
(1) الأم، دار المعرفة/بيروت، ج5ص265 - 266.
(2) الحاوي الكبير، دار الكتب العلمية/بيروت، ج10ص337.
(1/22)
وذكر النووي أن الأخير هو الجديد من قوليه كما في منهاجه وأقره شارحه ابن حجر الهيتمي ومحشياه الشرواني وابن قاسم العبادي (1) ,ومثله ما نص عليه الشيرازي في "المهذب" وأقره شارحه في "المجموع" (2).
وعن أحمد في هذا روايتان:
إحداهما: أنه لا يعتد في ذلك الإ بالحلف بالله تعالى أو بصفة من صفاته, وذلك لاختصاص الدعوى بها واختصاصهما باللعان, أما الحلف بنذر أو بعتق أو بطلاق فليس بشيء، وذكر المرداوي أنه نص المذهب -أي مذهب الحنابلة- وعليه جماهير الأصحاب-يعني الحنابلة- ونقل عن الزركشي أنه المشهور والمنصوص والمختار لعامة الأصحاب ونحوه عن صاحب "الهداية"، ثم قال: وجزم به في "الوجيز" و"النور" و"منتخب الأدمى" وغيرهم وقدمه في "المحرر" و"الفروع" و"نظم المفردات" وغيرهم وصححه في "الخلاصة" و"النظم" وهو من المفردات (3).
الثانية: كقول الشافعي في الجديد كما نقلناه عن "الأم", قال ابن قدامة: لأنها يمين منعت جماعها فكانت إيلاء كالحلف بالله, ولأن تعليق
__________
(1) ينظر: المنهاج وشرحه تحفة المحتاج وحواشي الشرواني وابن قاسم العبادي عليه، دار الكتب العلمية/ بيروت، ج10ص288 - 289.
(2) ينظر: المهذب وشرحه المجموع، دار الفكر، ج17ص290 - 292.
(3) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل للمرداوي، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان ج9ص172 - 173.
(1/23)
الطلاق والعتاق على وطئها حلف بدليل أنه لو قال: متى حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال: فإن وطئتك فأنت طالق طلقت في الحال, ثم قال: وقال أبوبكر: كل يمين من حرام أو غيرها يجب بها كفارة يكون الحالف بها موليا, وأما الطلاق والعتاق فليس الحلف به إيلاء، لأنه يتعلق به حق آدمي, وما أوجب كفارة تعلق به حق الله تعالى، قال: والرواية الأولى هي المشهورة، لأن الإيلاء المطلق إنما هو القسم، ولهذا قرأ أبيّ وابن عباس يقسمون مكان يؤلون, وُروي عن ابن عباس في تفسير يؤلون قال: "يحلفون بالله" هكذا ذكره الإمام أحمد، والتعليق بشرط ليس بقسم، ولهذا لا يؤتى فيه بحرف القسم ولا يجاب بجوابه ولا يذكره أهل العربية في باب القسم فلا يكون إيلاء، وإنما يسمى حلفا تجوزا لمشاركته القسم في المعنى المشهور في القسم وهو الحث على الفعل أو المنع منه أو توكيد الخبر والكلام عند إطلاقه لحقيقته قال: ويدل على هذا قول الله تعالى: {تمت (- - (- صلى الله عليه وسلم - ((- - - (} تمت (- - ({- - - (- قرآن كريم ((- ((بسم الله الرحمن الرحيم - (مقدمة {-} وإنما يدخل الغفران في اليمين بالله ,وأيضا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:"من حلف بغير الله فقد أشرك" (1) وقوله:"إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" متفق عليه (2) ,وإن سلمنا أن غير القسم حلف لكن الحلف بإطلاقه إنما ينصرف إلى القسم وإنما يصرف إلى غير القسم بدليل ولا خلاف في أن القسم بغير الله
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب: الأيمان، باب: كراهية الحلف بالآباء (3251) من طريق ابن عمر.
(2) تقدم تخريجه من رواية الإمام الربيع، وأخرجه أيضا البخاري في كتاب: الأيمان والنذور، باب: لا تحلفوا بآبائكم (6270)، وأخرجه مسلم في كتاب: الأيمان، باب: النهي عن الحلف بغير الله تعالى (1646) من طريق ابن عمر.
(1/24)
تعالى وصفاته لا يكون إيلاء ولأنه لا يوجب كفارة ولا شيئا يمنع من الوطء فلا يكون إيلاء كالخبر بغير القسم وإذا قلنا بالرواية الثانية فلا يكون موليا إلا أن يحلف بما يلزمه بالحنث فيه حق كقوله: إن وطئتك فعبدي حر أو فأنت طالق أو فأنت عليّ كظهر أمي أو فأنت عليّ حرام أو فلله عليّ صوم سنة أو الحج أو صدقة, فهذا يكون إيلاءً لأنه يلزمه بوطئها حق يمنعه من وطئها خوفه من وجوبه, وإن قال: إن وطئتك فأنت زانية لم يكن موليا لأنه لا يلزمه بالوطء حق ولا يصير قاذفا بالوطء لأن القذف لا يتعلق بالشرط و لا يجوز أن تصير زانية بوطئه لها كما لا تصير زانية بطلوع الشمس وإن قال إن وطئتك فلله عليّ صوم هذا الشهر لم يكن موليا لأنه لو وطئها بعد مضيه لم يلزمه حق فإن صوم هذا الشهر لا يتصور بعد مضيه فلا يلزم بالنذر كما لو قال: إن وطئتك فلله عليّ صوم أمس, وإن قال: إن وطئتك فلله عليّ أن أصلي عشرين ركعة كان موليا (1).
قلت أما قوله إن وطئتك فأنتِ زانية فإن كنى به عن الطلاق ومعنى ذلك أنها تطلق منه بأول ملامسةٍ في الوطء فيكون استمراره على الوطء زنا تشاركه فيه فلا ريب في دخوله في الإيلاء لأنه مانع من الوطء وهذا بناء على أن الإيلاء لا يتوقف على القسم بالله وأسمائه كما سبق بيانه وسيأتي تحريره إن شاء الله وإن لم يكن له هذا القصد فلا يكون إيلاء بحال.
__________
(1) ينظر: المغني لابن قدامة، دار الكتاب العربي/ بيروت ج8ص503 - 504، وينظر: الشرح الكبير بذيل المغني ص506 - 509.
(1/25)
وأما قوله: إن وطئتك فعليّ صوم هذا الشهر ففي ذلك خلاف من حيث وجوب الصيام إن وطئها وقد بقيت من الشهر بقية فقد حكى المزني عن الشافعي أنه قال وإن قال إن قربتك فعليّ صوم هذا الشهر كله لم يكن موليا كما لو قال فعليّ صوم يوم أمس ولو أصابها وقد بقي عليه من الشهر شيء كانت عليه كفارة أو صوم ما بقي (1).
ولكن لا يدخل ذلك في الإيلاء فإن الشهر ينقضي قبل أن تنقضي مدة الإيلاء وإن وطئها بعده لم يترتب عليه وجوب شيء بوطئه اللهم إلا إن استمر على الامتناع من إتيانها حتى مضت مدة الإيلاء ففي ذلك ما سوف يأتي إن شاء الله في محله.
وفي مدونة مالك: قلت: أرأيت إن قال: إن جامعتك فعليّ صوم هذا الشهر الذي هو فيه بعينه أيكون موليا أم لا؟ قال: لا يكون هذا موليا، قلت: فإن لم يصم ذلك الشهر حتى خرج ثم جامعها أيكون عليه قضاء ذلك الشهر أم لا؟ قال: لا يكون عليه قضاء ذلك الشهر، قلت: لم؟ قال: لأن الشهر قد مضى، وإنما كان يكون عليه قضاؤه لو أنه جامع قبل أن ينسلخ الشهر، أو جامع وقد بقي من الشهر شيءٌ، فهذا الذي يكون عليه قضاء الأيام التي جامع فيها ولا يكون عليه الإيلاء، ألا ترى أنه لو حلف بعتق عبده إن جامع امرأته ثم باع عبده ثم جامعها أنه لا يكون مولياً،
__________
(1) مختصر المزني مع شرحه الحاوي الكبير ج10ص351.
(1/26)
فكذلك الشهر إذا مضى ثم جامع بعد ذلك بمنزلة العبد الذي باعه ثم جامع بعد ذلك (1).
ومذهب المالكية أن الإيلاء يكون بكل مانع من الوطء ولا ينحصر فيما اقترن بالقسم بالله، كما سيأتي بيانه في محله إن شاء الله.
وأما الحنفية فقد قسّموا اليمين إلى نوعين أحدهما ما يقصد به تعظيم المقسم به والثاني الشرط والجزاء.
أما الأول: فهو معروف عند أهل اللسان.
وأما الثاني: فهو مما تعارف عليه الفقهاء ولا يعرفه أهل اللسان وبكل واحد من النوعين يثبت حكم الإيلاء عندهم، فإذا قال أحلف أو أحلف بالله لا أقربك فهو مول، غير أن زفر لم يجعله يمينا حتى يصله بقوله بالله وإنما هو عنده وعدٌ بالحلف واستدل جمهورهم بقوله تعالى: {- رضي الله عنه - تمت قرآن كريم (((- (- رضي الله عنه - - - (المحتويات (تمهيد - -} - (قرآن كريم - ((- - رضي الله عنه -- سبحانه وتعالى - (- (المحتويات (- ({- رضي الله عنه - (}} (2) مع قوله تعالى: {- - قرآن كريم (((- (- رضي الله عنه - - - (- - - (- (المحتويات (- - - (المحتويات (- قرآن كريم (((- (- (-} (3) سواءً ذكر قوله بالله أو أطلق، لأن الحلف في الظاهر لا يكون إلا بالله، ومثل ذلك ما لو قال: أشهدُ أو أشهد بالله فعند زفر لا يكون
__________
(1) المدونة الكبرى ج5ص150.
(2) التوبة: 96.
(3) التوبة: 62.
(1/27)
أشهد يمينا، وإنما هو مجرد شهادة حتى يصله بقوله بالله، وجمهورهم استدلوا على أن كلا القولين يمين بقوله تعالى: {} - قرآن كريم (- - - - (- {- ((- رضي الله عنه - الله أكبر - رضي الله عنهم - -} الله أكبر ({(- قرآن كريم (- - رضي الله عنه - - - - (- - -} (1) إلى قوله تعالى: {} - (- صلى الله عليه وسلم - (- - - (تم بحمد الله - - (المحتويات (- - {(- رضي الله عنهم - - (- - صلى الله عليه وسلم - - - {} - (-} (2) فقد سمى شهادتهم يمينا مع قوله تعالى: {(- - رضي الله عنهم - - (- رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - (- ((بسم الله الرحمن الرحيم (- (- - رضي الله عنه - فهرس - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - (- - صلى الله عليه وسلم - -} المحتويات (- رضي الله عنهم - - (- عليه السلام - - - {(- - - (- - ((مقدمة (الله أكبر ({- صدق الله العظيم (- - - - (((- (- (- (- - -} (3) واللعان
يمينٌ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لولا الأيمان التي سبقت لكان لي ولها شأن" (1) ولأن قول الشاهد بين يدي القاضي أشهد في معنى اليمين ولهذا عظم الوزر في شهادة الزور، لأنه بمعنى اليمين الغموس، ونحو ذلك قوله: أقسم أو أقسم بالله في كلا القولين يمينٌ عند جمهورهم، وأما زفر فلا يراه يمينا حتى يكون موصولا باسم الله، واستدل جمهورهم بقوله تعالى: {(- ({} - قرآن كريم (- - - (- - صلى الله عليه وسلم - - - {-} {(تم بحمد الله (- ((- عليه السلام - - - - - رضي الله عنه - (((((تمهيد (((تم بحمد الله ((((- صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم (- (} - رضي الله عنه - - (- - رضي الله عنه - -} (2) والاستثناء في اليمين مع قوله تعالى: {} - قرآن كريم (- - - (- - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (- - - (- - رضي الله عنهم - - (- - رضي الله عنهم - - (المحتويات (- (- (- رضي الله عنهم - - (- - صلى الله عليه وسلم - -} (3) وهكذا القول: في أعزم وأعزم بالله، أو قال: عليّ نذرٌ أو نذرٌ لله، وإن قال: عليه عهد الله أن لا يقربها أو ذمة الله فكل ذلك إيلاءٌ عندهم، ومثله: لو قال:
__________
(1) المنافقون:1
(2) المنافقون: 2.
(3) النور:6.
(1/28)
إنه يهودي أو نصراني أو مجوسي، وهكذا إذا ألزم نفسه مخالفة الإسلام في أي شي إن أتاها أو ألزمها ما لم يكن واجبا عليها من الطاعات، وهو بكل ذلك مول، أما إن حلف بشيء من مخلوقات الله سواءً أكان عينا أو معنى، فلا تنعقد بذلك يمينه ولا يترتب على صنيعه حكم الإيلاء (4).
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب: الطلاق، باب: اللعان (2265) من طريق سهل بن سعد الساعدي.
(2) القلم: 17 - 18.
(3) سورة النحل: 38، النور: 53.
(4) يراجع في هذا المبسوط للسرخسي، دار الدعوة، ج7ص23 - 24.
قال الكاساني منهم: اسم اليمين يقع على اليمين بالله تعالى، ويقع على اليمين بالشرط والجزاء، لتحقق معنى اليمين، وهو القوة، ولو حلف بغير الله عزوجل وبغير الشرط والجزاء لا يكون موليا، حتى لا تبين بمضي المدة بغير فيء، ولا كفارة عليه إن قربها، لأنه ليس بيمين، لانعدام معنى اليمين، وهو القوة، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت فمن كان منكم حالفا فليحلف بالله أو ليذر" (1) وروي"من حلف بغير الله فقد أشرك" (2) (3).
وأما أصحابنا فيقع الإيلاء عندهم بكل قول يمنع الجماع بحيث يترتب عليه وجوب كفارة أو لزوم طلاق أو عتق أو نحوهما إن جامع, قال العلامّة أبو الحسن البيسوي: والذي يحلف لا يقرب زوجته أو يحلف عن جماعها أو يحلف بطلاقها إن لم يفعل كذا وكذا أو يحلف بشيء مما يمنعه عن وطء
(1/29)
زوجته فيتركها ولا يفيء إليها حتى تمضي أربعة أشهر بانت منه بالإيلاء (4).
وقال العلامّة العوتبي في "الضياء": "اعلم أن الإيلاء باليمين وبالظهار وبالطلاق وبالعتاق وبالصدقة والحج وجميع الأيمان" (5) , وقال أيضا: " كل يمين منعت الزوج من وطء زوجته فهي إيلاء" (6).
وحكى صاحب "بيان الشرع" عن ابن جعفر أنه قال:"الإيلاء أن يحلف الرجل يمينا بطلاق أو عتاق أو بالله أو بالصدقة أو يمين غير ذلك ما كان من الأيمان التي تردعه عن وطء زوجته" (7).
ونحوه في "المصنف" (8) ,و"منهج الطالبين" (9) وفيه إن قال: إن وطئ زوجته فهو مجوسي أو نصراني أو يهودي فلم يطأها حتى خلت أربعة أشهر فقد بانت بالإيلاء (10).
وقد مضى فيما نقلناه عن قطب الأئمة -رحمه الله تعالى- من "شرح النيل" ما يدل على أن أصل الإيلاء الامتناع كما حكاه عن عياض ومؤدى __________
(1) تقدم تخريجه.
(2) تقدم تخريجه.
(3) بدائع الصنائع للكاساني، مطبعة الإمام، ج4ص1931.
(4) جامع أبي الحسن البسيوي، وزارة التراث، ج3ص114 - 115.
(5) الضياء، وزارة التراث، ج10ص51.
(6) المرجع السابق ص62.
(7) بيان الشرع، وزارة التراث، ج52ص381.
(8) المصنف، وزارة التراث، ج38 ص103.
(9) منهج الطالبين 16/ق2/ 89.
(10) المرجع السابق.
(1/30)
ذلك أن كل ما يمنع من الوطء من الأقوال التي يقولها الرجل لامرأته فهو في حكم الإيلاء وهذا يتفق مع ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:" كل يمين منعت جماعا فهي إيلاء" (1) ,ونسب إلى الشعبي والنخعي ومالك وأهل الحجاز والثوري وأبي حنيفة وأهل العراق والشافعي وأبي ثور وأبي عبيد وغيرهم (2).
_ والتحقيق في ذلك أن اليمين لا تحصل إلا بالقسم دون الشرط والجزاء لعدم ترتب الكفارات إلا على الحلف بصيغة القسم، وإنما ألحقت بعض الصيغ بذلك في وجوب الكفارة بطريق القياس، وقد قال الله تعالى: {صدق الله العظيم (- (- - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات (- (- (} - - - (- - - رضي الله عنهم - - (- (المحتويات - - -} {- رضي الله عنه - (- صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - (- -} - -} (((مقدمة (- - رضي الله عنه - - (} (- - - ((بسم الله الرحمن الرحيم - - رضي الله عنهم - (((({(- - عليه السلام - - - (- رضي الله عنه - (- رضي الله عنه - (((- (- - - رضي الله عنه - تم بحمد الله (صدق الله العظيم (تم بحمد الله ((- رضي الله عنهم - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم (- (((((- (المحتويات (- - (- (- - صلى الله عليه وسلم - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - (بسم الله الرحمن الرحيم (- (- - عليه السلام - قرآن كريم (- (- (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - (- - (- (- رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله - {- رضي الله عنه - تمهيد - - - عليه السلام - -} صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - ((بسم الله الرحمن الرحيم {- (- (- - - (بسم الله الرحمن الرحيم - - عليه السلام - - ((- (({- الله (فهرس - - صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم - الله - (- - صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - - (- (- - (- - رضي الله عنه - - (} (- - (المحتويات (- (- جل جلاله - (- رضي الله عنهم - - (- - صلى الله عليه وسلم - - - - - ({(بسم الله الرحمن الرحيم (- ((فهرس - - رضي الله عنهم - مقدمة} (1) ,وإنما سميت يمينا لما تعورف عليه من أن المحلف يمسك بيمين الحالف في حال القسم، ويبعد ما قاله الكاساني: من أن تسميتها بذلك لأنها أريد بها تقوية كلام وتأكيده، لأن اليمين رمز القوة، فتشمل كل ما كان مؤكدا لمضمون الحديث، ولكن مع ذلك فإني أرى أن يلحق باليمين في حكم الإيلاء كل قول مؤكد لمضمون الامتناع عن الجماع يترتب عليه لزوم شيء على الفعل
_________
(1) أخرجه البيهقي في سننه برقم (15635) ج11 ص306، دار الفكر.
(2) المغني لابن قدامة ج8 ص503، والشرح الكبير ج8ص507.
(1) المائدة: 89.
(1/31)
سواءً كان فوات منفعة كالطلاق والعتاق، أو وجوب ما لم يكن واجبا من الطاعات كالصلوات والصدقات والصيام والحج، لأن حرص الإنسان على عدم فوات المنافع، وعلى براءة ذمته من أن تتعلق بها واجبات لم تكن واجبة في الأصل يدفع به إلى الحرص على الاحتراز مما يترتب ذلك عليه, ومن المعلوم أن مشروعية حكم الإيلاء في الإسلام إنما هو لرفع الظلم عن المرأة والحيلولة دون تلاعب الرجل بحقوقها، فإن لها حقا في الوطء، لإشباع رغبتها وإطفاء سعار الشهوات عنها، لئلا تدفعها إما إلى ارتكاب المحرمات وخلع جلباب الحياء والأخلاق والانغماس في الموبقات, وإما إلى معاناة وكبت للنفس مع ما يترتب عليه من قلق نفسي وأمراض عصبية لا جرم، لأجل ذلك شرع هذا الحكم ولئن كان أصله في القسم- لأنه الأصل في تأكيد القول، ولأن المحافظة عليه من البر-فإن إلحاق سائر المؤكدات - التي تترتب عليها أحكام لا تكون بدونها- بالقسم في هذا الحكم أمر بدهي لا يخفى على كل من أدرك حكمة التشريع في هذا الحكم، إذ لا فرق بين معاناة المرأة من حرمانها حقها من هذا المطلب الفطري بسبب قسم بالله، ومعاناتها من ذلك بغيره من الأسباب، التي يتلبس بها الرجل عندما يريد مضارتها في ساعات الانفعال وهيجان العواطف الرعناء الدافعة إلى ارتكاب أمثال هذه الحماقة، لذلك كان الراجح أن يلحق باليمين في هذه المسألة تعليقه طلاقها أو طلاق غيرها من نسائه أو عتق أحد من أرقائه على مواقعتها أو إيجاب شيء على نفسه مما لم يكن واجبا عليها مما فيه كلفة مالية كالصدقات أو بدنية كالصلاة
والصيام أو بدنية مالية كالحج والعمرة والجهاد
(1/32)
وشد الرحال إلى المساجد الثلاثة.
هذا وإن أقسم بما لا يجوز بما به القسم كالكعبة والمسجد الحرام والمسجد الأقصى والشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والدنيا والآخرة والآباء والأجداد فإن ذلك قسم باطل ولا يترتب عليه حكم الإيلاء وإنما يجب عليه أن يوفيها حقها من الوطء فإن امتنع وطالبته به ألزم أن يفي لها بحقها أويطلقها لرفع الضرر عنها, أما إن أقسم بطلاق أو عتاق ولم يكن بصيغة التعليق بل بإدخال حرف من حروف القسم على شيء منها كأن يقول لها بطلاقك أو بطلاق فلانة -إمرأة له أخرى- لا أطؤك, أو بعتق فلان أو فلانة -من أرقائه- فهل هو في حكم التعليق بحيث يترتب عليه الطلاق أو العتاق إن واقعها أولا يترتب شيء منها عليه؟
في ذلك خلاف بين أهل العلم, فكثير منهم لم يفرق بين الصيغتين فأمضى عليه مع حنثه ما أقسم به من طلاق أو عتاق, وذهبت طائفة من النظار المحققين كالعلامّة الصبحي والمحقق الخليلي ونور الدين السالمي والعلامة المالكي -رحمهم الله تعالى- إلى أن ذلك لا يعدو أن يكون قسما بغير الله يأثم فاعله وتجب عليه التوبة منه ولكن لا يترتب عليه حكم ما أقسم به, وفي ذلك يقول المحقق الخليلي رحمه الله تعالى:
"وأما إذا قال في يمينه بالطلاق أو بطلاق زوجته أنه لم يفعل كذا وحنث فهذا موضع يحتاج إلى النظر فيه وعلى ما فهمناه من فحوى كلام
(1/33)
شيخنا العلامّة الصبحي رحمه الله تعالى أن الطلاق في أصله قول معروف لمعنى خاص به واليمين بالأقوال والأفعال لا تفيد حكما في نفسها كما لو قال امرؤ بالوضوء أو بالصلاة أو بالصيام أو بالزكاة أو بالحج أو بالعمرة أو بالنذر أو بالاعتكاف أو بصلاة الجمعة أو بصلاة العيدين أو غيرها من المعاني المفروضة أو المسنونة أو من الأصول أو الفروع فإنها لا تفيد حكما آخر من لفظها فالقائل في يمينه بالوضوء لا يلزمه أن يتوضأ, والقائل بالصلاة لا يلزمه أن يقوم فيصلي ,وكذا في المعاني الأحكامية, فلو حلف بالبيع لم يلزمه بيع ماله أو حلف بالدين لم يثبت عليه دين أو حلف بالشفعة فلا تجب له على أحد ولا عليه, وكذلك إذا قال بالطلاق أو العتاق لا يلزمه منه شيء لأنه بهذا الاختيار قد جعل الطلاق معنى من المعاني يقسم بها كما يقسم بالبيت والحجر والمقام والركن وغيرها فقد جعل المعاني في نفسها أشياء يقسم بها كما يقسم بهذه الأشياء الجسمانية وكلها لا توجب أحكاما في نفسها.
ولا فرق في معاني العقل بين دخوله على المعاني الحكمية أو الصور القائمة كما يقسم بيوم القيامة وكما يقال بحقك ورضاك وحبك وغيرها وهذا معروف في معاني الأقسام وبهذا الاعتبار, فاليمين بقوله بالطلاق أو والطلاق لا يفيد إلا أن المقسم بالطلاق قد جعل الطلاق شيئا يقسم به لما يجله في نفسه ويتصوره في خزانة خياله أنه من الأمور الجلائل التي يردع بها الخصم وينكل عنها الحالف لجلالة موقعها في نفسه وهذا لا يفيد حكما يوجب عليه طلاقا البتة إلا أن يكون من جهة النية إن قصد بذلك طلاق
(1/34)
زوجته إن حنث فيدخله معنى الاختلاف في لحوق الطلاق بالنية على قول من يرى ذلك والأول أصح في الحكم لأن اللفظ لا يفيده.
وأما قولهم: إذا حلف بالطلاق فيخرج تأويله على معنى أنه إذا قال إن فعل كذا فزوجته طالق أو ما يشبه هذا من اللفظ فهو معنى الحلف بالطلاق في المصرح به لا قوله بالطلاق وحده لما أسلفناه به وكفى" (1).
وقال نور الدين السالمي رحمه الله تعالى بعدما ذكر هذا القول:"وهو الحق عندي إن شاء الله -إلى إن قال-: وليس بقوله بالطلاق من ألفاظ التطليق ولا كناياته -ثم قال-: وهذا اللفظ وهو قوله بالطلاق لم يرد به إلا نفس القسم واليمين بغير الله تعالى, أرأيت لو قال قائل بطلاق هند -وهي زوجته- ما أفعل كذا ثم فعل بأي شيء تطلق منه؟ فإن قلت تطلق لأن هذا اللفظ بمنزلة الكناية عن الطلاق وجب عليكم أن تقولوا بطلاقها من حين تلفظ ولا تنتظروا حنثه, وهذا هو شأن الكناية وإن قلتم لا تطلق حتى يحنث قلنا من أين صار لكم هذا التعليق واللفظ لا يدل عليه بوجه من الوجوه؟ فإن قلتم قصد التعليق حين حلف قلنا إذا يلزمكم أن تقولوا بطلاقها إذا قصده في وقت من الأوقات المستقبلة ولو لم يتلفظ بكلمة لأنكم قد اعتبرتم القصد فقط.
(1/35)
تبصر خليلي هل ترى من ظعائن تحملن بالعلياء من عهد جرهم
ثم قال: واعلم أنه قوله بالطلاق أو بطلاق هند أو بطلاق الثلاث نظير قوله بالصلاة بالصيام بالصداق (2) بالحج أتراه يلزمه شيء من هذه العبادات إذا تلفظ بشيء منها على جهة القسم فهو بخلاف قوله عليّ لله صلاة أو صدقة إن وقع كذا فهذا عقد في معنى النذر والأول حلف بغير الله, وكذلك قوله بالنكاح بالطلاق بالعتق بالتدبير لا يوجب شيئا بخلاف قوله على قصد الإنشاء: تزوجت أو طلقت أو أعتقت أو دبرت, والفرق ظاهر والحق واضح والله أعلم" (3).
__________
(1) تمهيد قواعد الإيمان، وزارة التراث، ج11 ص10 - 11.
(2) كذا في الأصل والظاهر أنه بالصدقة.
(3) جوابات الإمام السالمي، ج3 ص190 - 191.
وبهذا التحرير من هذين الإمامين النحريرين يتضح أن هذا هو القول الصحيح في هذه المسألة إذ صيغة القسم لا تدل على التعليق ولا على قصده ولو اقترنت به إلا إن حُمّلت الألفاظ ما لا تتحمله من المعاني.
أما ما اعترض به العلامّة المحقق إمام المسلمين أبو خليل محمد بن عبدالله الخليلي -رضوان الله عليه- على ما ذهب إليه جده المحقق وشيخه نور الدين ومن قال قولهما: " من أن هذه الباء في قول القائل بالطلاق لا تفيد إلا الإلزام فهي شبيهة بالباء في قول المحرم لبيك بحجة أو بعمرة" (1) , فهو مدفوع بأن الفرق بين الباءين واضح إذ الباء في قول القائل بالطلاق أو
(1/36)
بالعتاق لا تكون إلا باء القسم لأن فعل القسم إما أن يكون مذكورا قبلها أو مقدرا ولأنها يجوز أن تنوب عنها واو القسم بخلاف الباء في لبيك بحجة أو بعمرة إذ لا معنى لتعلقها بفعل القسم مذكورا ولا مقدرا ولا وجه لحلول الواو محلها وغاية ما تدل عليه المصاحبة بين التلبية التي سبقتها والنسك الذي دخلت عليه لذلك كانت دالة على الالتزام لأنها تفيد إنشاء الإحرام بذلك النسك.
هذا ولا يخفى على ذي بصيرة أن من لا يرى الإيلاء إلا في القسم بالله أو بأسمائه وصفاته -كما أسلفنا- لا يرى ثبوت حكم الإيلاء فيما لو أقسم أحد بالطلاق أو العتاق أو نحوهما وهو ظاهر من حيث إنه لا يترتب على هذا القسم لزوم شيء غير التوبة منه ,أما الفريق الآخر فيراه إيلاء من حيث إنه كلام يفيد تأكيد الامتناع عن الوطء وهو معنى قول الإمام السالمي -رحمه الله تعالى- جوابا لمن سأله عمن حلف بما يحرم الحلف به كرأس أبيه: " الإيلاء كل يمين تبمنع من الوطء كانت حقا في نفسها أو باطلا فإذا امتنع لأجلها عن الوطء خرجت امرأته بالإيلاء وناهيك أن الظهار قول زور وباطل من القول وتثبت به أحكام الظهار" (2).
__________
(1) الفتح الجليل من أجوبة الإمام أبي خليل، المطبعة العمومية / دمشق ص312.
(2) جوابات الإمام السالمي ج3 ص282.
والظاهر أن إدراج مثل هذه الأيمان فيما يثبت به الإيلاء مع كونها باطلة لا يعدو أن يكون من باب الحرص على رفع الإساءة عن المرأة والحيلولة دون هضمها حقوقها الزوجية ولربما روعي في ذلك ما في نفس
(1/37)
الحالف من تعظيمه هذه اليمين واعتبارها حائلة دون ما قصد امتناعه عنه بها وإن كان ذلك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق