يقول السالمي: «رد المرسل بدعة حدثت بعد المائتين لما تسرب الوضع والكذب إلى الرواية، ومن ثمّ فلا وجه لدفعه وبخاصة مراسيل كبار التابعين كجابر بن زيد وسعيد بن المسيب» (¬1)، ويقول أيضا: «القول بأن مرسل العدل مقبول مطلقا هو الصحيح عندي لما ذكرته من إجماع الصحابة والتابعين» (¬2)؛ وهذا الذي ذكره الإمام السالمي يؤكده عدد من علماء الحديث (¬3).
الحديث الشاذ: ويعرف اطفيش الشاذّ بأنه: «ما انفرد به الراوي مخالفا لما رواه من هو أحفظ منه» (¬4). ويذكر اطفيش أن الشذوذ يكون في السند (¬5) أما الشذوذ في المتن فيقع بمخالفة الرواي من هو أحفظ وأوثق وأضبط منه في لفظ الرواية (¬6).
ومثل له اطفيش بحديث: (أيّام التشريق أيّام أكل وشرب) (¬7)، فقد روي في جميع طرقه بهذا اللفظ، ورواه بزيادة (يوم عرفة) (¬8) موسى بن عُلَيّ -بالتصغير- بن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر، قال اطفيش: «أشار إليه ابن عبد البر، على أنّه قد صحّح حديث موسى هذا ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال على شرط مسلم (¬9) وقال الترمذي حسن صحيح (¬10) وكان ذلك لأنها زيادة ثقة غير منافية لإمكان حملها على حاضري عرفة» (¬11)؛ والذي يظهر في حكم القطب هنا أن الشذوذ هنا مخالفة لا تسقط الخبر بل هو أقرب إلى زيادة الثقة فيكون بذلك من الحديث المقبول.
ومن نماذج تطبيقات هذه النظرة قوله في الوصية يقول: «وَأَمَّا الْإِيصَاءُ بِغَيْرِ حَقٍّ لَازِمٍ فَمَنْدُوبٌ، وَلَا دَلِيلَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا سِيَّمَا فِي رِوَايَةٍ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ، فَعَلَّقَ بِالْإِرَادَةِ وَالتَّحْقِيقِ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، وَلَا سِيَّمَا فِي رِوَايَةِ: لَا يَحِلُّ، وَهِيَ وَلَوْ كَانَتْ شَاذَّةٌ لَكِنْ قَدْ صَحَّتْ مِنْ طَرِيقِ الْعَدْلِ جَابِرِ بْنِ زَيْد» (¬12).
الحديث الضعيف
سبق لنا بيان الحديث الضعيف وتعريفه ومفهومه عند القطب اطفيش؛ غير أننا أردنا بيان ميل القطب للاستشهاد به في مسالة الرغائب وفضائل الأعمال.
والمتتبع لمنهج القطب الفقهي يجد أنه لا يعتمد الحديث الضعيف في الفقه والأحكام؛
¬__________
(¬1) السالمي، شرح الطلعة، 2/ 47.
(¬2) م. س، 2/ 47.
(¬3) تعدد النقل عن العلماء في مسألة قبول كثيرين منهم للمرسل ومنهم أئمة الفقهاء وعدد معتبر من أئمة المحدثين وإلى القارئ نماذج من ذلك:
قال أبو عبد الله الحاكم: «فأما مشائخ أهل الكوفة فكل من أرسل الحديث عن التابعين وأتباع التابعين ومن بعدهم من العلماء فإنه عندهم مرسل يحتج به وليس كذلك عندنا»، ويعني بأهل الكوفة الحنفية. ر: الحاكم، معرفة علوم الحديث، ص42.
وقال ابن الصلاح عن حكم المرسل: «والاحتجاج به مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما رحمهم الله في طائفة». ر: ابن كثير، الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث، 1/ 6.
وقال السيوطي في (تدريب الراوي) عن المرسل: «محل قبوله عند الحنفية ما إذا كان مرسله من أهل القرون الثلاثة الفاضلة فإن كان من غيرها فلا، لحديث "ثم يفشو الكذب"». ر: السيوطي، تدريب الراوي في شرح تقريب النووي، 1/ 198.
وقد ذكر ابن الصلاح مواضع قبول الشافعي للمرسل بقوله: «ثم اعلم أن حكم المرسل حكم الحديث الضعيف إلا أن يصح مخرجه بمجيئه من وجه آخر كما سبق بيانه في نوع الحسن، ولهذا احتج الشافعي بمرسلات سعيد بن المسيب -رضي الله عنهما- فإنها وجدت مسانيد من وجوه أخر». ر: ابن الصلاح، علوم الحديث، ص31.
وقد نقل ابن حجر عن مغلطاي أن محمد بن جرير الطبري ذكر «أن التابعين أجمعوا بأسرهم على قبول المرسل ولم يأت عنهم إنكاره ولا عن أحد من الأيمة بعدهم إلى رأس المائتين». ر: ابن حجر، النكت، طبعة دار الكتب العلمية الطبعة الأولى ص 215.
وقال ابن حجر أيضا عن الإمام أحمد: «والمشهور عنه الاحتجاج به».
وذكر ابن حجر في أن الإمام أحمد صحح مراسيل إبراهيم النخعي، بينما خصها غيره بحديثه عن ابن مسعود. ر: النكت، ص 208.
وحكى السخاوي رواية عن أحمد أيضا قبوله وأنه حكاه عنه النووي وابن القيم وابن كثير وغيرهم. ر: السخاوي، فتح المغيث، 1/ 139.
(¬4) اطفيش، كتاب جامع الشمل، ص417.
(¬5) اطفيش، كتاب جامع الشمل، ص417.
(¬6) ر: اطفيش، كتاب جامع الشمل، ص417، محمد المطهري، فتح المغيث، ص220 - 221.
(¬7) أخرجه طائقة من طرق عدة منهم مسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب تحريم صوم أيام التشريق، 2/ 800 (1141).
(¬8) لفظ هذا الحديث عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهنّ أيّام أكل وشرب)، أخرجه الحاكم في المستدرك وقال: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، كتاب الصوم، 1/ 600 (1586) وابن حبان في صحيحه، كتاب الصوم، في ذكر العلة التي من أجلها نهى ... 8/ 368 (3603).
(¬9) أخرج ابن عبد البر هذا الحديث في التمهيد. ر: ابن عبد البر، التمهيد، 23/ 70.
(¬10) عبارة الترمذي في تصحيحه: «قال أبو عيسى وحديث عقبة بن عامر حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم». ر: الترمذي، السنن، كتاب الصوم، باب ما جاء في كراهية الصوم في أيام التشريق، 3/ 143 (773).
(¬11) اطفيش، كتاب جامع الشمل، ص417.
(¬12) اطفيش شرح النيل، 12/ 263.
Post Top Ad
الأحد، 7 مارس 2021
الرئيسية
دروس مستفادة من حياة العلاَّمة اطفيش القطب الجزائري
106 دروس مستفادة من حياة العلاَّمة اطفيش القطب الجزائري الصفحة
106 دروس مستفادة من حياة العلاَّمة اطفيش القطب الجزائري الصفحة
التصنيف:
# دروس مستفادة من حياة العلاَّمة اطفيش القطب الجزائري
عن MaKtAbA
دروس مستفادة من حياة العلاَّمة اطفيش القطب الجزائري
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
Post Top Ad
عن المحرر
مرحبا! أنا أسمي محمد أعمل هنا في مدونتي وأشارك معكم كل جديد على الانترنت لتعم الفائدة على الجميع وإثراء المحتوى العربي، يسرني دائمًا تلقي ملاحظاتكم وإستفساراتكم من خلال نموذج الأتصال :)

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق