هذا المعنى من ملاحظة المآلات في الأفعال وتكييف الأحكام بناء عليها، تبعا لتأثير الواقع والظروف والأحكام هو الذي يُظهر واقعيّة الشريعة الإسلامية، وأنها ليست شريعة تسبح في فضاءات التجريد والمثالية، بل إنّها شريعة واقعية تهتمّ بكل ما يجري في الواقع من تغيرات وظروف، (¬2) ومن هنا كانت شريعة صالحة لكل زمان ومكان.
المطلب الثاني: أدلة قاعدة النظر إلى المآل:
انطلق الشاطبي من نظرية المقاصد ليثبت صحة قاعدة النظر إلى المآل، وأنّ الشارع قد راعى هذا المبدأ في الأحكام، ومن هذه الأدلة:
أَوَّلاً- الدليل الأول:
إنّ التكاليف مشروعة لصالح العباد ومصالح العباد، إمّا دنيوية أو أخروية، أمّا الأخروية فراجعة إلى مآل المكلَّف في الآخرة ليكون من أهل النعيم، ويدرأ نفسه أن يكون من أصحاب الجحيم، وأمّا المصالح الدنيوية؛ فإنّ الأعمال عند التأمل مقدّمات لنتائج المصالح، وأسباب لمسببات مقصودة للشارع. فهذه الأحكام إنما هي مجرد وسائل لتلك المقاصد، لأنّ الأحكام غير مقصودة لذاتها وإنّما لمعانيها التي هي المقاصد. (¬3) ويوضح ذلك الشاطبي بقوله: «لا سبب مشروعا إلا وفيه مصلحة لأجلها شرع، فإن رأيته وقد انبنى عليه مفسده فاعلم أنها ليست بناشئة عن السبب المشروع، وأيضا فلا سبب ممنوع إلا وفيه مفسدة لأجلها مُنِع». (¬4) فالأسباب المقصود منها مسبباتها، والوسائل المقصود منها مقاصدها وغاياتها الشرعية، والمسببات هي مآلات الأسباب، وهي معتبرة في جريان الأسباب، وهذا هو معنى النظر إلى المآلات.
ثانيا- الدليل الثاني:
إنّ المآلات إمّا أن تكون معتبرة شرعا أو غير معتبرة، فإن اعتبرت فلا إشكال وهو المطلوب، وإن لم تعتبر فإنّ هذا يستلزم أن تكون للأفعال مآلات مناقضة لمقاصد
¬__________
(¬1) - الشاطبي: الموافقات، 4/ 195.
(¬2) - الدريني: التعسف في استعمال الحق، ص: 12.
(¬3) - الشاطبي: الموافقات، 1/ 238.
(¬4) - الشاطبي: المرجع السابق نفسه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق