من هنا تظهر أهمية الاجتهاد التنزيلي في أنّه لا يقلّ أهمية من الاجتهاد في الفهم والاستنباط، لأنّ أهمية الاجتهاد تظهر فيما ينتجه ذلك الاجتهاد، من ثمرات على أرض الواقع، فهو اجتهاد يحقِّق مقاصد الشريعة وحكمتها التشريعية في جميع مناحي الحياة.
لكل ذلك وجب على المجتهد أن يكون متبصِّرا بشؤون الحياة وظروفها -خاصة الاستثنائية منها- عالما بما يقوم عليه الناس من أوجه النشاط والعادات والأعراف، (¬3) لأنّ كل ذلك له أثر كبير في التشريع وإصدار الأحكام، بل إنّ تلك الأمور هي متعلَّق الحكم. حتى إذا لاحظ المجتهد ظهور تلك الظروف الاستثنائية في فعل المكلَّف أو قصده، أو العرف الذي وقع فيه؛ كيَّف الحكم بالنظر إليها، لأنّ وحدة مآل التطبيق في الأحكام تفترض التشابه في الظروف المؤثِّرة، فيستلزم من ذلك تباين الحكم مع تغيير الظروف، وإن لم نفعل وقعنا في التناقض بين الحكم والغاية من تشريعه، (¬4) لأنّه تقرّرلدى الفقهاء أنّ لكلّ حُكم حِكمته التّشريعية وغايته التي شرع من أجلها وهي المقاصد، فالأحكام مغيّاة بتلك الغاية ومحددّة بها، ومقترنة بحكمتها التشريعية، ومن هنا لا يجوز بتر الحكم عن حكمته، أو أن يُقصد بالفعل غير ما شرع له من حِكَمٍ وغايات. وإلاّ فإنّ ذلك الحُكم سيكون مناقضا للشريعة ولقصد الشارع من تشريعه، ونتيجة إهمال النظر إلى المآل هي تلك المناقضة. يقول الشاطبي: «من
¬__________
(¬1) - الشاطبي: الموافقات، 2/ 331.
(¬2) - الشاطبي: المرجع السابق، 4/ 195.
(¬3) - الشاطبي::الموافقات، 4/ 195.
(¬4) - فتحي الديني: المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي، ص: 05.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق