يعتبر اطفيش أن المسلمين بعد نزول الوحي في القرن السابع الميلادي كانوا أهل مجد ثقافي وقوة حضارية يُضرب بها المثل على وجه المعمورة، ولكن مع الوقت أصبحوا أمة ضعيفة ومغلوبة على أمرها، لأنهم بدؤوا يتغيرون، فكانت النتيجة أن غيّر الله تعالى أوضاعهم، وهذا ما أكد عليه في تفسيره للآية الكريمة (11) من سورة الرعد، فلقد تم استعمار المسلمين بسبب تصرفاتهم وما كسبت أيديهم من أعمال وتصرفات، ولهذا السبب فهم مَن ساهموا فعلا بذلك بما هم عليه، لأنهم ابتعدوا عن نهج القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فكانت النتيجة أن كان عقاب الله تعالى المسلط على المسلمين استعمارهم من طرف الآخر (¬1). إذاً فعلى المسلمين أن يتحملوا مسؤولية ظروفهم، فهم من ظلموا أنفسهم بتغيير أنفسهم وانحرافهم عن كتاب الله تعالى وهدي السنة النبوية الشريفة (¬2).
إن ما يلفت الانتباه في علمية طرح اطفيش المعرفي وموضوعيته هو اعتماده على المنهج التاريخي النقدي، الذي يرجع الفكر أو الظاهرة إلى تاريخ بداية تأسسه ومحاولة فهم تطوره وانعكاساته على الواقع، فالمد الاستعماري هو صورة من صور تاريخ نكسات المسلمين، والتي كان سببها التفرق والشقاق ما بين أفراد الأمة الإسلامية الواحدة، فالتفكك التاريخي بدأ ظهوره أثناء أحدات فتنة الصحابة بسبب اختلافهم حول الحكم السياسي (¬3). فتشخيص قطب الأيمة للخلاف أو "الزلل" -كما يسميه- هدفه هو الدعوة إلى "الحميّة الإسلامية" الواجبة، والتي تتجسد في إعانة المسلم للمسلم على دين الله عز وجل (¬4)، لأن المصلحة واحدة وهي خدمة الإسلام وتحرير المسلمين من الاستعمار المنتهِك للحرمات المقدسة.
في هذا السياق يمكن الإشارة إلى نصيحة قدّمها قطب الأيمة بطريقة غير مباشرة ليس لأهل الاستقامة فقط وإنما إلى جميع المسلمين الذين يعيشون تحت وطأة المستعمر، ولكن ينبغي الإشارة إلى أن هذه النصيحة تلقي الضوء أولا على الوضع السياسي والاجتماعي والديني الذي كان سائدا في تلك الفترة بالجزائر، ويمكن قياسه على العالم الإسلامي، والأمر
¬__________
(¬1) اطفيش: هميان الزاد إلى دار المعاد، نشر وزارة التراث القومي والثقافي، عمان 1980، ط2، ص 158، انظر كذلك ج 13، ص 202.
(¬2) المصدر نفسه، 135، ص355 - 356.
(¬3) اطفيش: تيسير التفسير، ج5، ص339 - 340.
(¬4) المصدر نفسه، ج 13، ص 340. فتحي بوعجيلة: المذهبي والتاريخي والنقدي في تيسير التفسير الإباضي، تونس 2013، ص.574.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق