282 دروس مستفادة من حياة العلاَّمة اطفيش القطب الجزائري الصفحة

الإلغاء المطلق لكل ما كان موجودا فكريا، رغم نزعته المتحفظة ضد سلطة التيار المحافظ الذي ما فتئ يناقض أفكاره التجديدية، ومن المهم الإشارة هنا إلى أن اطفيش لم يكن عالما يعيش على هامش الواقع، بل كان ملمّا بكل ما يحدث حوله سياسيا واجتماعيا وثقافيا، فجلّ خطابه الديني والفكري يعبّر عن الوضع المتأزّم الذي كان يعيشه العالم الإسلامي، محاولا تشخيص الأسباب التي أدت به إلى ذلك، فلقد تسنّى لهذا العالم الجليل -بوصفه عضوا من السلطة الدينية والمعرفية- أن يقدم نموذجا فكريا وعمليا في محاربة الاستعمار الفرنسي، الذي عمل جاهدا من أجل طمس الثوابت الدينية والثقافية وإلغاء وجودها الحضاري، وقد حاول قطب الأيمة في إطار حركته التجديدية من أجل النهضة بالأمة ا?سلامية أن يؤسس الأرضية الخصبة لتشكيل الوعي بالهوية الوطنية والدينية للفرد الجزائري مهما كان انتماؤه المذهبي، مُظهِرا نزعته الثورية الصريحة ضد هذا الآخر المهيمن.
وفي سياق هذه المساهمة المعرفية يسعى الكاتب اعتمادا على المنهج التاريخي التحليلي والنقدي أن يلقي الضوء على بعض المحاور الرئيسية في الخطاب ا?صلاحي لاطفيش الهادف إلى تحرير الأرض والعباد من السلطة الاستعمارية الفرنسية؛ فقد قدّم نموذجا فكريا يظهر لنا معالم تعامله مع ظاهرة الاستعمار، فهو لا يعالج إشكالية المستَعمَر والمستعمِر من زاوية دينية محضة فقط، وإنما يحاول تحليل الأسباب التي أدت إلى تلك الوضعية التاريخية. فما هو موقف اطفيش من المستعمر الفرنسي؟ وكيف كان ينظر إلى ظاهرة الاستعمار؟ وما هي الأسباب -حسب رأيه- التي أدّت إلى استعمار المسلمين ورسخت فيهم منطق "قابلية الاستعمار"؟ وإذا اعتبرنا أن أفكاره الإصلاحية كلها هي نصيحة للمسلم من أجل خدمة الإسلام فما هي إذن النصائح التي يقدمها قطب الأيمة من أجل التحرر من هيمنة المستعمر الفرنسي؟ ألم تكن نصائحه الهادفة إلى الحرية هي النواة الأولى لتأسيس خطاب الوعي بالهوية وبالوطنية الجزائرية التي استفادت منه مدرسة الإصلاح السني في شمال الجزائر، ولاحقا الحركة الثورية الجزائرية؟ وأخيرا: كيف تعامل الاستعمار مع قطب الأيمة وكيف كان موقف السلطة الفرنسية من خطابه التحرري؟