جعل قطب الأيمة من النصيحة نموذجا فكريا وعمليا لتجسيد خطابه الإصلاحي في العالم الإسلامي، إذ يعتبر "الإصلاح" و"النصيحة" كلمتين مترادفين لا يمكن الفصل بينهما، فالنصيحة هي المنهجية في كيفية تقريب مضمون الإصلاح من طرف الناصح للمنصوحين، لهذا السبب تؤدي النصيحة دورا مهما في خطابه الإصلاحي (¬1)، واعتمادا على نهج النصيحة – بوصفها وسيلة معرفية وتواصلية- حاول اطفيش نشر أفكاره التجديدية، جاعلا منها هدفا أساسيا للحفاظ على الدين الإسلامي، وإحيائه عند الابتعاد عن أحكامه وأوامره.
فالمصلح بالنسبة إليه ليس إنسانا آخر، وإنما هو رجل دين يجسد سلطة النصيحة على أرض الواقع، هذا ما جعل قطب الأيمة يشبّه العلماء المصلحين بالمصابيح للاهتداء بهم في ظلمة الجهل، كما يهتدى بها في ظلمة الليل، ومن جهة أخرى، لولا جهود هؤلاء المصلحين الدائبين على تبيين الدين وشرحه بالتأليف والتعليم والمبالغة في النصيحة لانتشر الجهل، واندرست العلوم الشرعية لعدم اهتمام طلاب العلم بها، وعدم سعيهم في إحياء علوم الدين وما يتصل بها من العلوم الأخرى دراسةً وتعليما وتدوينا، إن وظيفتهم تشبه من يبعث الحياة في الجسم الميت: «ولولا ذلك لانطمست آثار المذهب وانمحت، وصارت بمنزلة الأموات التي بليت أجسادها، واختلطت بالتراب وصارت تثيرها الرياح وتطيرها وتذهب بها في الجو بحيث لا يرى من آثارها شيء، والله أعلم» (¬2).
إن الخطاب الإصلاحي في تاريخ الفكر الإباضي لم ينشأ مستقلا عن الظروف التاريخية والاجتماعية التي كانت سائدة إبان تلك الفترة، في وادي ميزاب بصفة خاصة وفي الجزائر بصفة عامة، بل كان نتاجا فكريا يحاول فهم وتحليل الواقع الذي فرضه الابتعاد عن مبادئ الإسلام وتخلف الفكر الإسلامي، كما أن الحضور الاستعماري في الجزائر عجّل من بلورة معالمه الفكرية وتجسيده عمليا على أرض الواقع.
لم يَعمد اطفيش –بصفته أحد أهم رواد المدرسة الإصلاحية في تاريخ الإسلام- إلى
¬__________
(¬1) اطفيش: شرح مخمسة أبي نصر فتح بن نوح النفوسي، مكتبة الشيخ الحاج صالح لعلي، بني يزقن (مخ)، (أ. ز-7): 47، ص7.
اطفيش: شرح كتاب النيل وشفاء العليل، تحقيق جمعية التراث ج 16، جدة 1985، ص 179. اطفيش: تيسير التفسير، تحقيق إبراهيم طلاي، ج 3، غرداية 1998، ص 53.
(¬2) اطفيش: شرح القصيدة الحائية، (طبعة حجرية)، القاهرة 1339، ص 17 - 18.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق