هذا وعلى الرغم من قول كثير من العلماء بعدم قبول الإرسال وانقطاع وعضل وشذوذ وشبهها؛ بل ادعى من ادعى أن أحدا لم يذكر أن المعضل والشاذ والمنقطع صحيح؛ وهذا قول غير صحيح؛ فعند التحقيق وتدقيق المسألة نجد أنهم احتجوا بمرسل الصحابي؛ بل هناك من احتج بالمرسل، سواء من قال يقبل إذا تعضد بما يقويه أو قبل المرسل مطلقا؛ أرسله التابعي أو أرسله أتباع التابعين؛ بل واحتج به وهو عنده صحيح وإن كان معضلا؛ ثم إن من يحتج بالمرسل يحتج بالمنقطع "بل المنقطع والمرسل عند المتقدمين واحد" (¬1)، وقال أبو يعلى الخليلي في الإرشاد إن الشاذ ينقسم إلى صحيح ومردود" (¬2).
ولا يفوت القطب اطفيش وهو الفقيه المجتهد أن يذكر نظرة الفقهاء للصحيح فيقول: «الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي عُرْفِ الْفِقْهِ مَا لَمْ يَكُنْ مَوْضُوعًا وَلَوْ كَانَ فِيهِ ضَعْفٌ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الْحَسَنِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَبْلُغَ دَرَجَةَ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ» (¬3).
ولا ريب أن الصحيح وحتى الحسن يتفاوت في الدرجة، وإلى هذا التفاوت أشار القطب اطفيش: «فلو قيل هذا حديث حسن الإسناد أو صحيحه فهو دون قولهم حديث حسن صحيح أو حديث حسن؛ لأنه قد يصحّ أو يحسن الإسناد لاتصاله وثقة روايته وضبطها دون المتن كشذوذ أو علّة» (¬4).
و يذكر اطفيش مسألة أصحّ الأسانيد إذ يرى أنّ المختار عدم الجزم في سند بأنه أصحّ الأسانيد مطلقا غير مقيّد بصحابيّ، وذلك لعسر الاطلاع، إذ يتوقّف ذلك على وجود درجات القبول في كل فرد ممن روى ذلك السند المحكوم له، لكنّه إن قيّد بصاحبها جاز ذلك، فيقال أصحّ أسانيد ابن عباس رضي الله عنه: الربيع عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس (¬5)، وهذا الذي ذهب إليه القطب من اختيار عدم الجزم بالأصح مطلقا قد
¬__________
(¬1) سنتعرف ذلك لاحقا عند الحديث على الشاذ.
(¬2) العراقي، التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح، 1/ 21.
(¬3) اطفيش، شرح النيل، 3/ 258.
(¬4) اطفيش، جامع الشمل في حديث خاتم الرسل، ص 413 - 414.
(¬5) م. س، ص 412.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق