الحياة العلمية في وادي ميزاب عبر التاريخ - مكتبة أهل الحق والإستقامة

أحدث المشاركات

Post Top Ad

Post Top Ad

الأحد، 18 أبريل 2021

الحياة العلمية في وادي ميزاب عبر التاريخ

الحياة العلمية في وادي ميزاب عبر التاريخ



إن للحياة العلمية في وادي ميزاب جوانب مرموقة عبر التاريخ لا يمكن استيعابها ولا التحدث عنها بإسهاب لان ذلك يخرجني عن نطاق موضوع التاريخ السياسي، بما أن للثقافة بوادي ميزاب حساسية في الماضي السحيق وفي الحاضر فمن الواجب أن ألم من بعيد بشيء إلماما ولو كان مخلا.


ان الاباضية لما انتقلوا إلى وادي ميزاب لاستيطانه من سجلماسة ونفوسة وجربه وتيهرت وسدراته وغيرها من العواصم الإسلامية نقلوا معهم معالم حضارتها إلى تلك الربوع من علوم وفنون وآداب فطبعوها بالطابع الحضاري الإسلامي الأصيل.


لما قدم إليها أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الريغي موفدا من رجال الاباضية بوارجلان لتنظيم الحلقة وسير العزابة ونشر المذهب الاباضي بها وجد سكان وادي ميزاب على جانب كبير من الجهل والأمية والانحراف وهم من الواصليين المعتزلة وعادة التدخين والوشم متمكنة فيهم فاستطاع بنشر الدروس الدينية والإصلاحية ان ينتزع من بين جنوبهم تلك العوائد السيئة وكانت له رحلتان في الصيف والشتاء بتلاميذته من وادي اريغ فاستقر في مدينة العطف وبنى مسجده الموجود إلى يومنا هذا ويروى عنه انه لما وصل الوادي نادى في الناس من يعلمني في سبيل الله فلم يجبه أحد ثم نادى من يتعلم في سبيل الله فوجد إقبالا حسنا من البعض كون منهم أول نواة لمهمته فعلم وصابر وثابر فكلل الله مساعيه بنجاح باهر وكون نظام الحلقة (العزابة) في جميع مدن ميزاب ونظم سيرها في إدارة تكفل للأمة نجاحها وسعادتها في الدارين فانكب الطلبة على العلم والتعليم واليه يرجع الفضل في تركيز سير العزابة الغراء في الوادي التي كانت السبب المتين في بقاء الدين الإسلامي بأصالته ونصاعته وجوهره إلى الآن في هذه الربوع.


ومما زاد في ازدهار العلم وانتشاره بالوادي وفود كثير من فطاحل العلماء إليه من مختلف العواصم الإسلامية اغلبهم من نفوسة وتيهرت وجربة وسدراتة فاستقروا في مدنه للتذكير والإرشاد والفتوى ونشر علوم الشرعية واللغة العربية وبلغوا رسالتهم بصدق وإخلاص فجنى بهم الوطن يمنا وبركة وخيرا كثيرا أورثوه لمن بعدهم خلفا عن سلف منذ أواخر القرن الرابع الهجري وأوائل القرن الحادي عشر الميلادي.


من العلماء الوافدين على غرداية الشيخ بابه السعد سنة 438 هـ 1046 م هو مؤسس مدينة بابه السعد و الشيخ بابه والجمه اسمه إبراهيم بن يونس سنة 542 هـ 1148 م والشيخ بابه عيسى علواني أتى من درنه من طرابلس سنة 548 هـ 1153 م والشيخ بامحمد بوسحابة أتى من قصر البخاري والشيخ أبو الحجاج داود أتى من جبل نفوسة سنة 697 هـ 1298 م والشيخ عمر سعيد بن على أتى من جربة سنة 854 هـ 1450 م ومجلس عمى سعيد الذي يحمل اسمه أسس يوم 13 شوال 855 هـ 17 فيفري 1452 م والشيخ بامحمد بن الناصر من سدراته 778 هـ 1377 م ثم تتابعت المشائخ عليها.


ومن الوافدين على مليكة الشيخ باي أحمد بن سليمان سنة 395 هـ 1004 م والشيخ عيسى وأخوه الشيخ أوعيسى سنة 437 هـ 1045 م و الشيخ عبد الله بن أحمد بن محمود بن سيدى امعمر بالعالية سنة 506 هـ 1112 م والشيخ أبو مهدي عيسى بن إسماعيل بن موسى سنة 551 هـ 1164 م ثم تتابعت المشائخ عليها.


كما توافدت على مدينة بن يزقن والقرى البائذة حولها مثل بوكيا وواقنوناي وتريشين وعلى مدينة العطف وبنوره مشائخ علماء إجلاء من مختلف العواصم الإسلامية منذ أواخر القرن الرابع الهجري وأوائل القرن الحادي عشر الميلادي.


إذا كانت مدينة من مدن ميزاب في حاجة أكيدة إلى علماء أو إلى سد نقص لجانب علمي فيها فان المدن التي تتوفر لديهم الإمكانيات العلمية يمدونها بما يقيم أودها ويرفع مستواها العلمي كما وقع ذلك بين مدينة العطف وغرداية من انتقال الشيخ التشاشيي النفوسي بولده بابا وبربيبه يونس إلى غرداية بطلب من أهلها فتفرع من الأخوين لام أولاد النشاشبة وأولاد يونس ذلك لنشر العلم وكانت طريقة التعليم والتدريس لهؤلاء العلماء في المساجد تكوين حلقات بها تدرس مختلف العلوم النقلية والعقلية والعلوم العربية على غرار حلقات الأزهر والزيتونة والقرويين في أوقات خاصة قبل الصلاة وبعدها.


وبهذه الطريقة أنجبت المساجد علماء إجلاء وأقطابا في الشريعة الإسلامية ألفوا مآت المجلدات في كل علم وبالأخص في التفسير والشرعيات كالنيل للشيخ عبد العزيز الثميني وشرحه في مجلدات ضخمة لقطب الأئمة الشيخ اطفيش الحاج محمد بن يوسف الذي اصبح من المراجع الهامة في العالم الإسلامي وشامل الأصل والفرع والورد البسام في الأحكام والتفاسير العديدة النفسية والشروح المستفيضة لكثير من كتب المذهب الاباضي.


فلما تقلصت هذه الحلقات شيئا فشيئا من التدريس في المساجد في هذا العهد الأخير في أواخر القرن الرابع عشر الهجري سبب ذلك نقصانا كبير في تخريج علماء الشريعة بعدما كان وادي ميزاب يزخر بالعشرات من الأفذاذ منهم وينعم بوجودهم فلم يبق من ذلك الطراز العالي من خريجي المساجد إلا النزر القليل من علماء فطاحل مراجع الفتوى والاجتهاد لا تسد بهم كل الثغور الحالية في بلاد ميزاب مثل الشيخ إبراهيم بيوض والشيخ يوسف خلفاوي والشيخ عبد الرحمن بكلي و الشيخ سليمان داود بن يوسف والشيخ الحاج محمد ببانو والشيخ عدون بن بالحاج الشريفي وغيرهم فاصبح لبعضهم حلقات للتدريس في دور خاصة يحضرها بعض الطلبة من الشباب والمشيب.


هذا وقد اصبح الطلبة في السبعينات من القرن العشرين منكبين على التعليم الجامعي اكبر همهم الحصول على الشهادات الموهومة في مختلف العلوم المادية فقط نابذين لعلوم الشريعة في ركن الرجعيات ونفايات القرون زاهدين في الشهادات المرقومة على أصالة الشرع الإسلامي وعلى واقع نبالة الأخلاق بما أدى طبعا إلى تمييع الوسط وارتمائه في أحضان المادية الرعناء يكاد ينفصم عن الدين الإسلامي ويقطع صلاته بماضيه العزيز الحافل باليمن والبركات.


اعتقد كما يعتقد كل ذي بصيرة أن الرجوع بالمساجد إلى سالف عهدها من تدريس علوم الشرع بها في حلقات من أوجب الواجبات ذلك بان تنتدب الأمة نخبة من أبنائها تكفل لهم من يتولى لهم التدريس في المساجد على نفقة الأمة وفي الأمة خير كثير لتلافي ما يترتب على ذلك الإهمال والأعراض عن واجب الشرعي المقدس بالسعي الحثيث وراء المادة في مجالات الوظيفة والمكتب من اخطار وانحرافات في عهد اصطلح فيه الإلحاد والمدنية الغربية والتقليد الأعمى للغرب على الفتك الذريع بمعنويات المسلمين في عقور ديارهم.


فمدار صلاح المجتمع وسعادته في الدارين على العلماء المسجديين الروحيين لا على خريجي الكليات والجامعات العليا الماديين الذين جعلوا الهدف الاسمى من تعلمهم والغاية القصوى من التخصص في الدراسات العليا إلا الحصول على الوظيفة يقضون في المكاتب ليلهم ونهارهم في حياة روتينية جوفاء لا تتجاوز غالبا ثمرات معلوماتهم ومحاصيل أفكارهم عتبات دورهم ومكاتبهم المودوعة في بوتقة خاصة لهدف خاص فهذا الصنف وان كانت ميزته لا تنكر في التسيير الاجتماعي. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

تواصل معنا

أكثر من 600,000+ يتابعون موقعنا عبر وسائل التواصل الإجتماعي إنظم إلينا الآن

عن الموقع

author مكتبة أهل الحق والإستقامة <<   مكتبة أهل الحق والإستقامة..موقع يهتم بنشر الكتب القيمة في مختلف الجوانب (فقه..عقيدة..تاريخ...الخ) عند المذهب الإباضية من نتاج فكري.

أعرف أكثر ←

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *