الخلود في النار - مكتبة أهل الحق والإستقامة

أحدث المشاركات

Post Top Ad

Post Top Ad

الثلاثاء، 20 أبريل 2021

الخلود في النار

 الخلود في النار



اختلف المسلمون في الخلود في النار فقال الإباضية، والمعتزلة وغيرهم بأن من دخل النار لا يخرج منها أبداً، وقال آخرون من أهل المذاهب الأربعة عدة أقوال بعضهم يقول بانتهاء العذاب نهائياً وبعضهم يقول يخلد المشركون في النار وأهل الكبائر يعذبون بقدر أعمالهم ثم يخرجون وتعلقوا ببعض الأدلة.

أدلة القائلين بانقطاع العذاب:

هما طائفتان كما ذكرنا سابقاً، طائفة تقول بانقطاع العذاب بكل من في النار موحد ومشرك وطائفة تقول بانقطاعه عن الموحدين بخروجهم من النار وتعلقوا بآيات من القرآن الكريم:

1- قوله تعالى: }فأما الذي شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعّال لما يريد{ هود الآيات16،17، فاحتجوا بالآية بأمرين:

أ‌- استثناء مشيئة الله للخلود.

ب‌- تعليق بقائهم ببقاء السماوات والأرض وهما فانيتان.

وأجيبوا عن الأول:

أن استثناء مشيئة الله يرد في كلام الله للتنبيه على أن المخبر عنه كائن بمشيئة الله فلو شاء خلافه لكان وذلك كما في قوله تعالى: } سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله{ الأعلى الآية 6، مع القطع بعدم نسيانه صلى الله عليه وسلم شيئاً مما أوحاه الله إليه والآيات المصرحة باستمرار العذاب كثيرة وصريحة والعقيدة تؤخذ عن الصريح.

وأجيبوا عن الثاني:

أن السماوات المقصودة هي التي أظلتهم والأرض التي أقلتهم وهي سماء وأرض الآخرة ولا فناء لهما.

2- قوله تعالى: } لابثين فيها أحقاباً{

قالوا والأحقاب متناهية فيكون لبثهم متناه أيضاً.

وجوابه:

1- إذا كانت الأنفاس في الدار الآخرة غير متناهية فكيف تنتهي الأحقاب؟

2- إن لفظة الأحقاب مأخوذة من أحقب إذا أردف فهي أدل على الترادف.

3- الآية ناصة في المشركين فليس للقائلين بخروج أهل الكبائر من النار دليل فيها وذلك بدلالة قوله تعالى: }إنهم كانوا لا يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذابا{ النبأ 27،28.

أدلة القائلين بخلود جميع مرتكبي الكبائر في النار:

وهي قسمان بعضها من الكتاب وبعضها من السنة:

الأول: قوله تعالى: }وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة قل اتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون{ البقرة 80،81.

فالآية دالة على الخلود في النار من وجوه:

1- أن هذه العقيدة يهودية المنبت كما هو ظاهر من النص وقد ذكرت في مساق التنديد بهم والتشهير بضلالهم.

2- ما فيه من استنكار لهذه العقيدة وأنها غير مستندة إلى عهد من الله.

3- صرحت أن من ارتكب سيئة وأحاط به -يعني لم يتخلص منها بالتوبة- فهو مخلد في النار.

* واعترض هذا الاستدلال بأمرين:

1- أن السيئة في الآية يقصد بها الشرك.

2-أنه يراد بالخلود ليس التأبيد وإنما المكث الطويل.

والجواب عن الأول:

   -أن كلمة }سيئة{ نكرة مطلقة تشمل أي سيئة، وحملها على الشرك خروج عما يقتضيه اللفظ.

-أنه يلزم من يفسر الخلود بالمكث الطويل أن يفسر كذلك الخلود الموعود به أهل الجنة.

الثاني: قوله تعالى: }ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون{آل عمران الآية24 .

والاستدلال بالآية من وجهتين:

1- هذه العقيدة من عقائد اليهود كما ذكرناه سابقاً.

2- أنها جرأتهم على معصية الله وقادتهم للإعراض عن كتابه.

فلو كان قوله الخروج من النار حقاً لما جرأ هم على معصية الله.

الثالث: قوله تعالى:}ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين{. النساء  الآية 14.

الآية جاءت بعد تبيان أحكام المواريث لا يعني بها الشرك وتوعدت المتعدي بالخلود في النار والمتعدي في المواريث مرتكب كبيرة.

الرابع: قوله تعالى:}للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون، والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون{ يونس الآيات26 -27.

والاستدلال بالآية من وجوه:

1- أن الله حصر أهل الجنة في الذين أحسنوا بقوله أولئك أصحاب الجنة.

2- أخبر الله عن  أهل الجنة أنهم لا يصيبهم قتر ولا ذلة ولا يعقل أن يصلى أحد النار ولو لمدة ثوان فلا يرهقه قتر ولا ذلة.

3- أنه توعد الذين عملوا السيئات بالنار مخلدين فيها وهذا الحكم على من أتى أي سيئة ولم يتب منها ما عدى الصغائر التي استثناها الله بقوله: }إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم{ النساء الآية 31 .

الخامس: قوله تعالى: }والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً{ الفرقان الآية 65،وجاء في لسان العرب الغرام اللازم من العذاب.

السادس: قوله تعالى:}والذين لا يرجون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً، يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً{الفرقان الآيات 68-69، فقد توعد الله قاتل النفس بغير الحق والزاني بالخلود في النار مثل المشرك.

· واعترض القائلون بخروج أهل الكبائر من النار بأن هذا الوعيد خاص بمن جمع بين  الكبائر الثلاث.

والجواب:لو كان كذلك لكان المشرك لا يصدق عليه هذا الوعيد إلا إذا جمع بين الكبائر الثلاث.

السابع: قوله تعالى:}ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً{  الجن الآية 23.

- فالله توعد بالخلود لمن اقترف أي معصية سواء كانت شركاً أو غيره.

* فإن قيل أن هذا الوعيد خاص بالشرك.

قلنا: إن لفظ الآية دال على كل عاص ولا داع لمخالفته.

* فإن قالوا الداعي ما جاء من وعيد المشركين بهذا الجزاء.

قلنا كما توعد المشركين بهذا الجزاء في نصوص توعد أيضاً أهل الكبائر في نصوص أخرى.

الثامن: قوله تعالى:}إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين{سورة الانفطار  الآيات 13-16، فالآية قسمت الناس إلى أبرار وفجار وتوعدت الفجار بالنار وعدم الغياب عنها.

* واعترضوا بأن الفجار المقصودين هم الكاملين للفجور من كفر وغيره.

والجواب: أنه يلزمكم أن تصنفوا الزناة واللواط واكلة الربا من الأبرار لأن الآية لم تذكر إلا قسمين أبراراً وفجاراً.

 

ب- الأدلة من السنة:

1- روى البخاري ومسلم وغيرهما من طريق ابن عمر رضي الله عنه أن النبي r قال ((يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم يا أهل النار لا موت ويا أهل الجنة لا موت كل خالد فيما هو فيه)) وروي مثله البخاري عن طريق أبي هريرة والطبراني والحاكم وصححه من طريق معاذ رضي الله عنه. والحديث دال دلالة لا غبار عليها على خلود أهل النار جميعاً.

2- أخرج الطبراني وأبو نعيم وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي r قال: ((لو قيل لأهل النار إنكم ماكثون في النار عدد كل حصاة في الدنيا لفرحوا، ولو قيل لأهل الجنة إنكم ماكثون فيها عدد كل حصاة لحزنوا ولكن جعل لهم الأبد)).

3- روى أحمد والبزار والحاكم والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي r قال: ((لا يدخل الجنة عاق ولا مدمن خمر)) وفي رواية ((ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة مدمن الخمر والعاق لوالديه والديوث، وهو الذي يقر السوء في أهله)).

4- روى الشيخان عن رسول الله r  قال: ((من شرب الخمر في الدنيا يحرمها في الآخرة)) وهو كناية عن حرمانه من دخول الجنة لأن أهل الجنة لهم فيها ما تشتهيه أنفسهم وتلذ أعينهم فلا يحرمون من شيء.

5-أخرج البخاري عن رسول الله r  أنه قال: ((من استرعاه الله رعيه ثم لم يحطها بنصحه إلا حرم الله عليه الجنة)).

6- روى الربيع في مسنده الصحيح عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن أنس بن مالك رضي الله عنهم عن رسول الله r  أنه قال: ((من اقتطع حق مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار)) فقال رجل وإن كان قليلاً يسيراً يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وإن كان قضيباً من أراك)) ورواه مالك في موطئه ومسلم والنسائي من حديث أبي أمامة رضي الله عنه.

7- أخرج الشيخان وغيرهما من طريق أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله r : ((من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً فيها أبداً ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً فيها أبدا ومن نزل من جبل فقتل نفسه فهو ينزل في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً)).

8-روى مسلم في صحيحه عن رسول الله r  أنه قال: ((صنفان من أهل النار لم أرهما،قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها توجد من مسيرة كذا وكذا)).

9- روى البخاري ومسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي r  قال: ((لا يدخل الجنة نمام، وفي رواية ((قتات))

10- روى الشيخان عن سعد وأبي بكرة رضي الله عنهما عن النبي r  قال: ((من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام)).

والروايات في ذلك كثيرة تارة تعبر بالخلود والتأبيد وتارة تعبر بالحرمان من الجنة وكلها دالة على الخلود في النار لأهل الكبائر لأن الحرمان من الجنة ونفي دخولها لا يعني إلا الخلود في النار..

 

وقفـــة تأمــــل


عندما نتأمل آيات القرآن الكريم الخاصة بالخلود في النار نجد:

1- أن القرآن نسب قول الخروج من النار إلى اليهود.

2-أنه اعتبر هذا القول يجرئ على معصية الله.

3-القرآن صرح بالخلود في آيات كثيرة ولم يذكر الخروج من النار ولا مرة واحدة.

4- القرآن قسم الناس إلى أبرار وفجار وقال عن الفجار:}وما هم عنها بغائبين{ الأنفطار الآية16، فإذا كانوا لا يغيبون عنها فكيف يخرجون منها؟!!.

والمعروف أن كلمة فجار تشمل أهل الكبائر لأننا لو أخرجناهم عن قسم الفجار لصنفناهم في قسم الأبرار ولا يمكن أن يصنف الزناة واللواط والسكارى من الأبرار.

5-كذلك قسم الله الناس إلى قسمين الذين سعدوا ووعدهم الجنة،واللذين شقوا توعدهم بالنار، ولم يذكر قسماً ثالثاً فلم يقل الذين شقوا ثم سعدوا حتى ينطبق على الذين يخرجون من النار كما يدعون.

كذلك الأحاديث النبوية الصحيحة التي رواها الشيخان وغيرهم صرحت بالخلود لجميع أهل النار وصرح بعضها بخلود أهل الكبائر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

تواصل معنا

أكثر من 600,000+ يتابعون موقعنا عبر وسائل التواصل الإجتماعي إنظم إلينا الآن

عن الموقع

author مكتبة أهل الحق والإستقامة <<   مكتبة أهل الحق والإستقامة..موقع يهتم بنشر الكتب القيمة في مختلف الجوانب (فقه..عقيدة..تاريخ...الخ) عند المذهب الإباضية من نتاج فكري.

أعرف أكثر ←

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *