الاستقامة ج 3 لأبي سعيد الكدمي مبوب - مكتبة أهل الحق والإستقامة

أحدث المشاركات

Post Top Ad

Post Top Ad

الاثنين، 10 يناير 2022

الاستقامة ج 3 لأبي سعيد الكدمي مبوب

 





الكتاب: الاستقامة - الجزء 1
المؤلف: الإمام أبو سعيد محمد بن سعيد الكدمي (حي في: 272هـ)
تحقيق: محمد أبو الحسن
كتب مقدمة تحقيقه: في الاثنين 19 مِن محرم الحرام سنة 1405هـ يوافقه 15 مِن أكتوبر سنة 1984م
تنسيق: الفاضل هلال بن مصبح الكلباني
hilalmusabah@gmail.com
المصدر: شبكة الدرة الإسلامية
www.aldura.net
الاسْتِقَامَة الجزء الأول
كلمة التحقيق
التعريف بالمؤلف
خطة وأسلوب تحقيق الكتاب
مقدمة المؤلف رحمه الله
باب: أحكام الحقيقة وأحكام ولاية الحقيقة
باب: وجوه الولاية والبراءة، وتصنيف ذلك
باب في: الولايات والبراءات، وتصنيف ذلك
باب: ولاية الشريطة وبراءة الشريطة
باب: ولاية الحقيقة وبراءة الحقيقة
باب: ولاية الحكم بالظاهر وبراءة الحكم بالظاهر
صفة من يكون عالما بالولاية والبراءة
باب: الفرق بين أحكام الدعاوى والبدع والقذف
باب: السعيد والشقي وأحكامهما في الولاية والبراءة
باب: الوجوه الجامعة للولاية في الظاهر، ومعرفة من هو حجة في الرفيعة في الولاية وصفته
باب: صفة من تجب له الولاية بسلامته من التدين بدين أهل الضلال، واستحقاق الولي الولاية من أهل الاقرار
باب: أحكام البراءة والشهرة ومعانيها وأحكامها والفرق فى ذلك بين شهرة الحدث والدعوى للحدث
باب: البراءة في الظاهر ووجوه الأحداث والشاك في ذلك والمتولى عليه والحكم في المصر والأسماء
باب: معرفة أحداث المحدثين وولاية الرأي وبراءة الشريطة ومعرفة وقوف الرأي والسؤال في جميع المحدثين ومعرفة أحداث المحدثين ومايلزم في ذلك من الأحكام
باب: الشهادة على الأحداث في وجوب البراءة
باب: التوحيد والشاك فيه وغير ذلك
باب: ذكر الإمامين سعيد بن عبداللّه وراشد بن الوليد
باب: الفرق في حكم الإمام في الأحداث وشهادته وما كان من التعزير والحبس بحكم الإمام وما يجب كفر من أقر بذلك ومن أنكر أو لم يصح عليه الإمام الحدث
باب: ذكر السلف ومذاهبهم في الحدث وذكر أهل العلم من أئمتنا من المسلمين ومذاهبهم في الحدث الواقع وولايتهم
باب: اختلاف أهل الدعوة والأحداث الواقعة في عُمان
(1/1)
كلمة التحقيق
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه ودعا بدعوته إلى يوم الدين .
وبعد :
فهذا كتاب الاستقامة للعلامة الجليل أبي سعيد محمد بن سعيد بن محمد الكدمي الذي يعتبر بحق من أجل العلماء بلا منازع ، فإذا قيل المتبحر فهو أبو سعيد ، وكتاب الاستقامة هو الجامع لأحكام الولاية والبراءة ، وقد قال عنه العلامة السالمي في كتابه "جوهر النظام " في الجزء الرابع في مقام المقارنة بينه وبين كتاب إحياء علوم الدين للغزالي:
ولم يكن كتاب الاستقامة يجمع ديننا ولا أحكامه
وقد قسمنا كتاب الاستقامة إلى ثلاثة أجزاء
جعلنا الجزء الأول خاصا بقواعد الولاية والبراءة .
والجزء الثاني خاصا بأحكام الولاية والبراءة .
والجزء الثالث خاصا بتطبيقات الولاية والبراءة
ونقدم اليوم الجزء الأول بعد أن اقتفينا فيه مناهج التحقيق التي اتبعناها في مثيله "المعتبر" لنفس المؤلف وكذلك المنهج الذي اتبعناه في "جامع أبي الحسن" من قبل.
(1/2)
التعريف بالمؤلف
سبق أن عرفنا بالمؤلف في مقدمة كتابه "المعتبر" الجزء الأول، ولا بأس من أن نعيد التعريف به هنا لزيادة الفائدة ، فأمثال هذا الزاهد الورع لا يمل ذكرهم ، ولا يثقل على الناس تكرار الحديث عن سيرتهم العطرة ، فهم مصابيح النور الإلهي في دياجير ظلام الجهالة ، بهم يجلو الله صفاء القلوب ، ويتأسى الناس بسيرتهم ويقتدون بهداهم.
كان أبو سعيد على جانب عظيم من الزهد ، عظيم الزهد في الدنيا ، وخصاله إذا أطلنا فيها لا تنتهي -على حد تعبير فضيلة الشيخ سالم بن حمود السيابي- وإن لله في خلقه ضنائن ، ولكل درجات مما عملوا.
أبو سعيد محمد بن سعيد بن محمد الكدمي، كان فقيرا لا مال له ، وكان يملك الشيء الضئيل من القوت .
كان قريبا للعلامة ابن بركة في بهلا ، وكان ابن بركة غنيا اشتهر بغناه ، وكان غناه ظهيرا للعلم ، ولذلك يقصده الطلبة من عمان وغيرها ، حتى قيل إن الطلبة المغاربة لا يفقدون من مقامه، فلمع اسمه وشاع ذكره.
وأما من ناحية العلم فكل العلماء يعترفون لأبي سعيد بالمنزلة العلمية ، وعليه يعولون ، وعلى أقواله يعتمدون ، ولقد اشتهر أبو سعيد بعد وفاته ، أكثر من شهرته في حياته ، لأنهم اطلعوا على مؤلفاته فأكبروها ،
وخصاله عديمة النظير ، ولهذا أطلق عليه العلامة السالمي أنه إمام المذهب .
وأما نسبه فناعبي ، ونسب النعب من قضاعة ، واختلف العلماء في قضاعة ، فمن قائل :
هما قضاعتان ، إحداهما قضاعة بن معد بن عدنان، والثانية قضاعة بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان .
وعليه قولهم :
رحم الله أبا سعيد رحمة واسعة ، فلقد حسم الموقف عندما ترامت إليه الخلافات التي كانت سائدة بين الصلت بن مالك وراشد بن النضر ، قال فيها ما رآه ، فكان فصل الخطاب .
(1/3)
ومن مؤلفاته القيمة ، كتابه "الاستقامة" ، - الذي نحن بصدده الآن - وهو يقع في ثلاثة أجزاء ، وكتابه (المعتبر، الذي أفردنا له تقديما خاصا به ، و "الجامع " المشهور بحامع أبي محمد ، المحتوي على فتاواه ، وكلها لها مقام عظيم عند أهل الفضل والعلم .
كما ذكر فضيلة الشيح أحمد بن حمد الخليلي أن أبا سعيد -رضي الله عنه - معدود من أجلة علماء المذهب الإباضي بعمان ، حتى إنه لقب بإمام المذهب ، ولد عاش في القرن الرابع الهجري ، وعاصر الإمامين العادلين سعيد بن عبدالله وراشد بن الوليد - رحمهما الله - كما عاصر الإمام ابن بركة البهلوي ..
وقد أخذ عن عالمين جليلين من علماء نزوى ، هما : العلامة الشيخ محمد بن روح الكندي ، والعلامة الشيخ أبو الحسن النزوي . وتتلمذ عليه جماعة من العلماء .
(1/4)
خطة وأسلوب تحقيق الكتاب
تقع نسخة وزارة التراث القومي والثقافة من كتاب الاستقامة في حوالي ألف صفحة من الحجم المتوسط ، وقد أفادنا في ذلك مقابلتها على ما جاء من الكتاب في "قاموس الشريعة" ، وإن كان ذلك قد استغرق وقتا وجهدا .
وقد اتبعنا الأسلوب التالي :
أولا : استعرضنا جميع الموضوعات الواردة في الكتاب ، فاستخلصنا منها كل موضوع يتصل بقواعد وأسس الولاية والبراءة عند أبي سعيد في كتابه هذا الأساس ، فوضعنا كل موضوع يتصل بالقواعد في هذا الجزء الأول ، وفي داخل هذا التقسيم توخينا - قدر الطاقة - اختيار القواعد العامة التي تفرد بها هذا الإمام الجليل فقعد بها القواعد للناس في الولاية والبراءة ، من أمثال :
- أحكام الحقيقة وأحكام ولاية الحقيقة .
- وجوه الولاية والبراءة .
- الولايات والبراء ات .
- ولاية الشريطة وبراءة الشريطة.
- ولاية الحكم بالظاهر وبراءة الحكم بالظاهر .
- صفة من يكون عالما بالولاية والبراءة. وغير ذلك كثير مما ورد في بابه .
ثانيا : أننا خصصنا الجزء الثاني لأحكام الولاية والبراءة ، وكيفية ربطها بالقواعد ، وفي داخل هذا الجزء ربطنا كل قاعدة من قواعد الولاية والبراءة بأحكامها، من أمثال :
-ما يسع جهله وما لا يسع جهله من التدين .
- الجملة ولوازمها .
- أحكام الدور وأحكام ولاية الظاهر .
- المعارضات على الضعفاء.
- البيعة لإمام الدفاع .
- الإمامة والقول فيها.
وغير ذلك كثير مما ورد في مناسباته .
ثالثا : أننا جعلنا الجزء الثالث في تطبيقات الولايه والبراءة . وقد ألحقنا في هذا الجزء التطبيقي ما أورده المؤلف -رحمه الله - من تطبيق لقواعده وأحكامه في كل الأمور المتصلة بالولاية والبراءة ، من مثل :
- ذكر ضمان الخطأ وضمان الفتيا .
- تصنيف المحللات والمحرمات .
- اختلاف الرجلين في التحليل والتحريم .
(1/5)
- ما جاء في الصيد والدماء و الأشربة .
وغير هذا كثير مما ورد في مواضعه .
ولقد بذلنا - قدر الطاقة - ما وفقنا الله إليه من استطاعة ، ويبقى قصور الإنسان وضعفه ، وافتقاره - دائما -،إلى حول الله وقوته وإلى عون الله في كل عمل ، وقد أدبنا ربنا سبحانه فعلمنا وهدانا للاستعانة به في كل أمر من أمورنا . (إياك نبد وإياك نستعين) . وقد تأدب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الخلق الكريم ،فكان يستعين بالله في أمره كله ، ثم أرشدنا إلى ذلك فقال : "وإذا استعنت فاستعن بالله " . فاللهم أكرمنا بفيض عونك .
وفي نهاية كلمتي لا بد لي من تقديم الشكر لكل من ساعدني وساهم في نشر هذا التراث الفقهي الفريد ، الذي أصبحنا اليوم في أشد الحاجة إليه لتستنير به الأجيال المؤمنة وتنطلق به إلى ما يحبه الله ويرضاه .
وأسال الله أن ينفع به ، وأن يجعله في أعمال صاحبه الصالحة ، وأن يأجره عليه ويثيبه ، إنه نعم المولى ونعم النصير .
في الاثنين 19 من محرم الحرام سنة 1405 هـ
موافق 15 من أكتوبر سنة 1984 م
محققه محمد أبو الحسن
(1/6)
مقدمة المؤلف رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
وبالله أستعين
الحمد لله الحميد المجيد ، القائم على خلقه الشهيد ، الرقيب على أمورهم العتيد ، الرحيم بهم - على ظلمهم - الودود ، الجواد عليهم بفضله الموجود ، العالم بجميع خلقه الخبير ، العالي عليهم القدير ، فإياه نستهدي ونحمد ، وبذلك نعترف له ونشهد ، وله نؤمن وإياه نعبد ، وعليه نتوكل وبه نستعين ، وبه نؤمن وله ندين ، وهو في جميع الأمور حسبنا ، وعليه اعتمادنا وبه عصمتنا .
ونشهد أن لا إله إلا هو إلها واحدا ، لم يزل بالوحدانية منفردا ، وبالألوهية والملكوت متوحدا ، وأنه لا يزال كما لم يزل أبدا ، لا غاية له في ذلك ولا مدا .
ونشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبدالله ورسوله ، وشاهد على جميع الخلائق مقبول ، أرسله الله - تعالى - بلسان عربي صادق ، وكتاب مهيمن على جميع الكتب ناطق ، ودين الإسلام الحقيقي الطاهر ، والعالي على جميع الأديان الظاهر ، وعلى أخلاق طاهرة كريمة ، وشريعة عادلة مستقيمة ، ونبوة لجميع النبوات خاتمة ، وسنن مصدقة للكتاب محكمة .
ونشهد أنه صلى الله عليه وسلم قد بلغ عن الله الرسالة ، وصدق أمته في جميع رسالته المقالة ، واجتهد لله في بذل النصيحة ، بالقول البالغ والبينة الصحيحة ،
وكان كما وصفه الله ، بالمؤمنين رؤوفا رحيما ، غليظا على الكفار والمنافقين ، شديدا عظيما ، وسبح بحمد ربه كما أمره ، وكان له من الساجدين ، وعبده بطاعته في جميع ما أمره حتى أتاه اليقين ، وصلى الله على سيدنا محمد ، خاتم النبيين والمرسلين ، وسيد المتقين من الأولين والآخرين ، وعلى جميع أوليائه وحزبه في الدين ، من ملاثكة الله الكرام المقربين ، وأنبياء الله ورسله وصفوته أجمعين ، وعلى جميع أولياء الله من جميع العالمين ، وسلم تسليما .
(1/7)
وبعد : فانه لما امتحن الضعفاء من المسلمين لفقد علمائهم في الدين ، عظمت عند ذلك المحنة ، وانفتحت عليهم أبواب الفتنة ، وانطلقت عليهم ألسنة كانت محجوزة ، وظهرت صغائر كانت مستورة ، وانتصبت رؤوس كانت منكوسة ، ومشت أرجل كانت مكبلة ، وانبسطت أيد كانت مغلولة ، وكثر المدعون للعلم بعد أن كان أهل العلم قليلا ، واستجد في الادعاء للعلم من كان لسانه عن النطق به كليلا ، وعز مع أهل العمى بادعاء العلم من كان عند العلماء ذليلا ، وظهر من بعض من ينحل نفسه العلم ولعهم في الحكم والحلم ، على ما يدل عليه بذلك لحن المقال ، ويبين عليه في ذلك في عائم الأحوال ، بأنه يحب لنفسه في ذلك الإظهار ، ويطلب لها الرفعة والإشهار ، ويذهب بها في ذلك إلى العلو والاستكبار ، ولا يجوز في ذلك على أحد من أهل الإسلام تحقيق الظنون .
والله - سبحانه - هو الشاهد على الضمائر والمكنون . غير أننا نكني عن ذكر كثير من تلك الأسباب التي يكثر بذكرها الخطاب ، ويطول بوصفها الكتاب ، ويورث بيننا الإحن والأعتاب ، ولا يبلغ بها إلى فائدة ولا شفاء .
وفي بعض ما قد ذكرنا منها ، وأوضحنا من أحوالها دليل ومكتفى ، ونأخذ في ذكر ما فيه الفائدة والمحصول ، وما تجرى عليه عامة تلك الأسباب من الأصول .
(1/8)
باب: أحكام الحقيقة وأحكام ولاية الحقيقة
هو ما جاء في كتاب الله من صفة موصوف فيها ، أو مسمى أهل ولاية الله ، مثل النبيين والمرسلين ، والمؤمنين والصالحين ، والأتقياء والأبرار ، وجميع أهل هذه الأسماء ، وأهل هذه الصفات ، لا يجوز أن يشك في هذه الأسماء وهذه الصفات الموصوفات ، لماذا صحت مع أحد من كتاب الله ، أو عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كتاب من كتب الله ، أو رسول من رسل الله ، لمن صحت فيه ومنه .
لا يجوز الشك في ذلك كله ، ولو لم يعرف ذلك بعينه الموصوف به ، مثل أصحاب الكهف ، وأبوي الغلام الذي قتله العبد الذي استصحبه موسى - عليه السلام - ، وأمثال ذلك ، على أن يعلمه مما علم رشدا ، وأبوي الغلامين صاحبي الجدار ، الذي أقامه العبد الذي استصحبه موسى - عليه السلام - ، وأمثال هؤلاء ، كذلك العبد أيضا الذي استصحبه موسى - عليه السلام - ، فكل هؤلاء لم يصح في الكتاب ، في ظاهر صحة أسمائهم ، وإن كانت سعادتهم وولايتهم قد ثبتت بالحقيقة في الصفة .
فصل : وكذلك قوم نوح وعاد وثمود ، وأصحاب الرس ، وأمثال هؤلاء ممن صح شقوته في الحقيقة ، وإن لم تصح في ناطق الكتاب تسمية أحد
(1/9)
من هؤلاء بعينه ، فإنه قد صح شقاء الشقي منهم في الجملة والصفة ، وسعادة السعيد منهم في الجملة والصفة ، وهو لاحق بأحكام الحقيقة في الشهادة والمعرفة ، ولا يجوز الشك في هؤلاء بجملتهم وصفاتهم ، كما لا يجوز الشك في هؤلاء بأسمائهم وأعيانهم ، ولا يجوز أن يحكم في أحد من هؤلاء باسم وعين ، إلا أن يصح ذلك في أحد منهم أنه منهم باسمه وعينه أنه من أهل هذه الجملة ، وأهل هذه الصفة ، بما لا يشك فيه من العلم والمعرفة من طريق الشهرة ، فإذا صح ذلك كان الحكم فيمن صح فيه ذلك علم حقيقة التعيين ، وزال الحكم فيه عن الجملة والصفة ، ولزوم من لزمه ذلك علم اليقين لذلك بالمعرفة وولاية الحقيقة وبراءة الحقيقة ، على ما وصفنا .
وعلم ذلك موضوع عن كافة المسلمين المؤمنين إلا من خصه علم ذلك أو علم شيء منه ، فمن خصه علم ذلك ، ونزلت به بليته ، فعليه أن لا يشك في علم ذلك ولا يرتاب فيه ، وليس له أن يتعاطى من علم ذلك ما لم يبلغ إليه ، ولا وقف عليه تقليد لأحد ، من غير من يجوز له التقليد ، من قول الله -تبارك وتعالى - ، وقول أنبيائه ورسله ، وما صح عندهم بسماع أو شهرة ، ولا يشك فيها عالمها ، وليس له أن يعنف ولا يخطىء من ادعى جهل ذلك ، أو جهل شيء منه ، إلا ما كان منه من ذلك ، ولا يسعه جهله في حال من الحال ، إذا بلغ إليه علمه ، فخطر بباله ، أو سمع ذكره ، أو دعي إليه ، وهو أن يتولى الله - تبارك وتعالى - على كل حال ، ولا يسعه الشك في ذلك .
ومن عرف أن الله ولي جميع الأمور ، ومقدر جميع المقدور ، وعرفه مما ألزمه أن يعرفوه ، فقد تولاه ، فولاية الله - تبارك وتعالى - واجبة على كل حال ، وولاية النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفته من جميع الخلائق واجبة ، والإيمان به واجب .
(1/10)
وإذا تولى المؤمن الله - تبارك وتعالى - ، وتولى رسوله صلى الله عليه وسلم وتولى المؤمنين في الجملة على الحقيقة ، فقد تولى من يجب عليه ولايته . وذلك قول الله - تبارك وتعالى - : (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) .
فلا يجب على أحد(1 ) ولاية أحد بعينه على كل حال إلا ولاية الله - تبارك وتعالى - ، وولاية رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وولاية من أطاعهما في الجملة ، وهم المؤمنون ، فولاية الله ورسوله خالصة على الحقيقة ، وولاية أهل طاعة الله في الجملة على الحقيقة ، لأهل الصفة ، لأنهم هم أهل ولاية الله ومرضاة الله .
وكذلك على كل أهل زمان ، ولاية الله -تبارك وتعالى- ، لا يسع جهل أحد،أو ولاية الرسول لأهل زمانهم الواجب عليهم الإيمان به في جملة الإيمان ، والذي لا يكونون مؤمنين إلا بالإقرار به ، وليس على الجميع ولاية أنبياء الله -تبارك وتعالى- ورسله في الجملة ، ولا في التعيين في أحد منهم بعينه إلا من علم ذلك وعرفه ، و إلا فلا فلا يضيق على أحد جهل علم أنبياء الله ، والإيمان بهم وولايتهم ، إذا أقر بالجملة ، لأن في إقراره بالجملة التي أقر بها ، ودان بها الإيمان بجميع أنبياء الله ورسله وملائكته ، وجميع ما خاطبه الله به في الجملة أن يدين به ، من قول أو عمل أو نية ، فإذا أقر بذلك كان ذلك كاف له عن تفسير ما هو داخل في الجملة ، حتى يبلغ إلى علم ذلك . أو يمتحن بشيء من ذلك وتنزل به بليته.
(1/11)
فصل : فإذا أقر بالجملة فقد تولى بذلك جميع أولياء الله ، و جميع المؤمنين من ملائكة الله وأنبيائه ورسله ، وجميع أوليائه ، وآمن بجميع ما عليه أن يؤمن به ، فليس عليه علم أحد من أولياء الله ، ولا ولاية أحد من أولياء الله بعينه ولا بصفته ، من ملائكة الله ورسله وأنبيائه والمؤمنين بأعيانهم وصفتهم حتى يبلغه علم ذلك ، ولو خطر بباله ، أو سمع بذكره ، أودعي إليه ، لم يضق عليه علم جهل ذلك ، ما لم يبلغ إليه علم ذلك ، أو تقم عليه الحجة بعلم ذلك ، وشكه في ذلك واسع له ، ما لم تقم عليه الحجة بذلك بعلمه ، من وجه ما يجب عليه من علم ذلك .
وأما أعداء الله فلا يجب عليه علم عداوة أحد منهم بعينه ، إذا خطر بباله أو سمع ذكره ، إلا على صفة ما يأتي من عداوة أعداء الله ، لأنه ليس ني ذلك موضع علم تقوم به الحجة من علم العقل ، لأنما يجب عليه من علم ذلك ما تقوم عليه به الحجة من علم العقول ، فلا نعلم أن أحدا من أعداء الله ، يجب على أحد من المؤمنين في أصل دين الله عداوته باسمه وعينه ، إلا حتى يبلغ إليه علم ذلك ، بما لا يشك فيه من معانيه لذلك ، أو صحت من تواتر الأخبار بذلك ، في عداوة الحقيقة ، وعداوة حكم الظاهر ، لأنما يجب على الجاهل عداوة أعداء الله في الشريطة ، في جمله أعداء الله ، وجملة أعداء الله العاصين له ، لا غير ذلك ، حتى تقوم عليه الحجة بعلم أحد من أعداء الله بما لا يشك فيه .
(1/12)
فصل : وجميع المؤمنين والمسلمين مؤتمنون في ذلك على دينهم ، إذا ادعوا جهل شيء من ذلك ، ولو علمه غيرهم من المسلمين والمؤمنين ، إلا من صح عليه علم شيء من ذلك ، بما لا يسعه الشك فيه ، أو يقر بذلك ، ثم لا يقوم بما يجب عليه من ذلك ، من ولاية أو عداوة ، فهنالك يضيق عليه بما ضاق عليه في دين الله ،وإلا فليس عليه في ذلك ضيق ، ولا كلك بجهل شيء من ذلك كله من طريق حجة العقل ، إلا بعد العلم بصفة من طريق حجة العقل ، يدرك بها علم أهل معصية الله ، أو أهل عداوة الله ، ونحو هذا ، أو قيام الحجة من طريق السماع ، ولا تكون الحجة من طريق السماع في الحقيقة ، إلا من تواتر الأخبار ، لا من طريق الشهادة ، أو من علم العالم بذلك من سماع أذنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أو وقوفه على علم ذلك من كتاب الله ، أو من الشهرة من صحة ذلك من كتاب الله ، أو عن الأخبارالمتواترة عن رسول، من رسل الله ، أو نبي من أنبياء الله ، ولو صح كفر أحد ممن قد صحت شقوته في كتاب الله ، أو عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم،أو عن أحد من رسل الله أو أنبيائه ، مع جميع العالمين إلا رجلا واحدا من المسلمين ، لم يصح معه ذلك فيه من علم الحقيقة ، ولكنه صح كفره من طريق صحة الأخبار المتواترة ، من صحة حدثه في ظاهر الأمور ، ما جاز له أن يبرأ منه بحقيقة ، لما صح مع غيره .
(1/13)
ولما قال غيره أنه قد صح معه من حقيقة شقوته ، أو حقيقة كفره ، ولكن كان عليه أن يبوأ منه بحكم الظاهر ، لما صح من كفره في حكم الظاهر ، وليس له أن يحكم عليه بحكم الحقيقة ، ولو عاين من ركوبه عبادة الأصنام ، والكفر بالإسلام ، وجميع المعاصي الظاهرة الشاهرة ، ولم يعلم منه توبة إلى أن مات على ذلك ، وكان على رأسه ، إلى أن مات أو قتله بيده ، ولم يسمعه تاب من ذلك ، فليس له أن يشهد عليه بالحقيقة أنه كافر ، ولا أنه شقي ، ولا أنه من أهل النار حكم حقيقة ، فإن شهد له بالنار على ذلك ، كان في شهادته تلك شاهدا بالغيب ، قائلا لما لا يعلم ، كافرا بذلك كفر نعمة لا كفر شرك ، إلا أن يتوب من شهادته تلك ويرجع ، وهذا من تعاطي علم الغيب ، والشهادة على الغيب ، ومن شهد على غائب فقد كذب ، ولو كانت شهادته تلك عند الله في علمه قد وافقت الحق في علم الله ، فإنه مبطل في حكم دين الله ، والله معاقبه ومعذبه على تلك الشهادة إلا أن يتوب .
فصل : وكذلك من صحت معه شهادة على الحقيقة من أحد الوجوه التي وصفناها أنها تؤدي إلى علم الحقيقة ، أو شهادة الحقيقة فشك في ذلك ، بعد علمه بذلك ، ولم يشهد بتلك الشهادة على من قد صحت عليه بعينه ، من أجل أنه رأى ذلك المشهود عليه ، وقد شهد عليه بالنار ، فرآه بعد ذلك مؤديا لجميع ما ألزمه الله ، تائبا من جميع ما لزمه فيه التوبة ، مستحقا لولاية الله في حكم الظاهر ، فشك في تلك الشهادة وارتاب ، كان بذلك هالكا ، إلا أن يتوب ، فحكم الظاهر لا يزيل حكم الحقيقة ، وحكم الحقيقة لا يوجبه حكم الظاهر ، وليس لأحد أن يخالف الحق في هذين الحكمين ، بعلم ولا بجهل برأي ولا بدين ، فمن خالف حكم ذلك كان من الهالكين إلا أن يتوب .
-----------------------
1- في نسخة "العبد".
(1/14)
فصل : فإن قال قائل : فيسع جهل معرفة إبليس عدو الله ، وفرعون وهامان وقارون ، وامرأة نوح وامرأة لوط ، وأبي لهب وأمثالهم ، ممن قد نزل بأخبارهم الكتاب ، وصح كفرهم بالحقيقة وشقوتهم ، وكذلك يسع جهل معرفة أبينا آدم صلى الله عليه وسلم ، وأبينا نوح ، وأبينا إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ، ويعقوب وموسى وهارون وعيسى والنبيين ، والرسل والصالحين الذين نزل بهم وبأخبارهم الكتاب ، على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت ذلك عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويجوز أن يقال إن ذلك يسع جهله ؟
قلنا له : نعم يجوز أن يقال إنه يسع جهلهم إلى أن يبلغ خبرهم من بلغ إليه ذلك ، أو خبر أحد منهم ، فإذا صح ذلك مع من بلغ إليه علم ذلك ، لم يسعه جهل ذلك ، ولا الشك فيه ، ولا الريب ، كما قد وصفنا وبينا ، وما لم يمتحن بذلك ويبلغ إليه علم ذلك ، فهو سالم بجهل ذلك ، وغير مسؤول عن ذلك أبدا ، حتى يبلغه علم ذلك .
فإن قال قائل : أفليس قد قيل : إنه لا يسع جهل ما جاء في كتاب الله ، وقد جاء هذا في كتاب الله ، فكيف قلتم يسع جهل ذلك ، وقلتم : إنه لا يسع جهل ما جاء في كتاب الله ، فكيف اختلف القول في هذا ؟
(1/15)
قلنا له : إنما قيل لا يسع جهل ما جاء في كتاب الله من أحكام الشريعة ، والأمر والنهي والحلال والحرام ، فلا يسع جهل ذلك حتى يضع الجاهل اللازم من ذلك لازما ، أو يركب منه محرما قد لزمه أداء ذلك اللازم ، ولزمه الانتهاء عن تلك المحارم ، وإلا فقد كان واسعا له جهل جميع ذلك ، ما لم يضيع فريضة لزمته ، أو يركب محرما أبدا ، لا غاية له قي جهل ذلك ، أو تقوم عليه الحجة بمعرفة ذلك بوجه من الوجوه ، التي تقوم بها الحجة عليه من معرفة ذلك ، فهذا في كل ما يكون الحكم فيه أنه من أحكام الشريعة ، ومن أحكام الأمر والنهي ، والذي يعتبر العباد به متعبدون .
وأما الحكم في هؤلاء أن معوفتهم ليس من طريق معرفة الشريعة ، لأنما يقع الحكم في معرفتهم ، حكم الأخبار وصحة الأخبار ، فالعلم بالأخبار واسع أبدا ، ما لم يصح مع أحد خبر من لا يشك فيه ، وغير متعبد في صحة الأخبار أحد ، ما لم يصح معه الخبر ، وإنما متعبد فيه ، إذا صح معه أن يصدقه ويشهد على صحته ، وينفذ لله حكم الشهادة عليه ، وإلا فليس لذلك غاية يلزمه فيه عمل ولا قول ، بمنزلة الصلاة والزكاة والحج ، وغير ذلك من الفرائض . ومما يخرج فيه الأحكام من أحكام الشريعة ، فكل ما خرج فيه القول ، من أحكام الأخبار لم يصح فيه القول إلا من طريق الشهرة ، لا من طريق الفتيا ، إلا أن تقوم الحجة بمعرفة الكتاب ، فإذا قامت الحجة بمعرفة الكتاب ، صح منه جميع ها صح فيه من حكم الشريعة ، وخبر ووعد ووعيد وأمثال ، وجميع ذلك من صحة الكتاب ، ولا يسع الشك في جميع ذلك من الكتاب .
(1/16)
فصل : وكلما كان الحكم يخرج فيه هن طريق الأخبار في الكتاب ، فلا تقوم الحجة فيه ، ما لم تصح معه معرفة الكتاب ، إلا من طريق نقل الشهادة من الشاهدين عليه ، ولا يصح من طريق الفتيا ، وإنما يصح من طريق الفتيا من الكتاب والسنة والإجماع ، ما كان مخرجه مخرج الدين من الشريعة ، فإن جميع ما يخرج من الكتاب والسنة والإجماع ، مخرج الدين ونقل الشريعة ، في الحلال والحرام من أحكام الولاية والبراءة ، والصلاة والزكاة والصوم والحج ، والأمر والنهي ، فكل ذلك يقع موقع الفتيا ، وتقوم به الحجة في الفتيا ، ويهلك جاهله بركوبه وتركه ، ولو جهله إذا ضيع لازما أو ركب محرما ، وذلك من الكتاب والسنة والإجماع ، ما خرج مخرج الأمر والنهي ، والناسخ والمنسوخ ، والوعد والوعيد ، فكل هذا يخرج مخرج الفتيا من الكتاب والسنة والإجماع ، وأما ما خرج مخرج الأمثال والأخبار ، فلا تقوم به الحجة ، بغير صحة الكتاب الذي ثبت منه ذلك ، إلا من طريق الشهادة عليه أنه كذلك من الكتاب ، ولا تقوم الحجة فيه بواحد .
(1/17)
وأحكام الحقيقة في الولاية والبراءة ، وجميع من صحت ولايته وعداوته بالحقيقة ، وإنما يخرج مخرج الأخبار ، لا يخرج مخرج الأمر والنهي ، ولا الناسخ والمنسوخ ، ولا الوعد والوعيد على صحة الموعود عليه ، والمواعد عليه من الطاعة والمعصية ، فذلك حكمه أحكام الأخبار ، ولا تصح الأخبار من طريق الفتيا ، إلا أن يكون الإخبار يصح منها ، ما يكون مخرجه مخرج الشريعة ونقل الشريعة ، فكل ما كان مخرجه مخرج الشريعة ونقل الشريعة ، فذلك تقوم به الحجة في الفتيا من الواحد ، كائنا من كان ، فيما لا يسع جهله ، ومن العالم الثقة المسلم المأمون ، فيما يسع جهله ، وكل ما خرج مخرج الأخبار والأمثال ، فلا يصح من طريق الفتيا ، ولا تقوم به الحجة ، إلا من طريق صحة الكتاب الذي صح منه ذلك الخبر ، أومن طريق صحة الخبر عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالشهرة التي لا تناكر فيها ولا يشك فيها ولا يرتاب ، أو من طريق الشهادة على غير صحة أحكام الحقيقة ، وإنما تقوم ني الشهادة مقام أحكام الظاهر من الأحكام في الولاية والبراءة ، والسعادة والشقاء والجنة والنار .
(1/18)
فإن قال قائل : يسع الناس جهل من جاء خبره في كتاب الله من أولياء الله وأنبيائه ورسله ، وأعداء الله من إبليس وفرعون وهامان وقارون وأبي لهب وأمثالهم ، ويكون مسلما أبدا إذا بجهلهم ؟ قلنا له : نعم يكون أبدا مسلما مؤمنا بجهل أنبياء الله آدم ونوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ، والنبيين من بعدهم ومن قبلهم ، وجميع المرسلين ، إذا آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وتولاه وعرفه ، فغير مسؤول عن سائر الرسل والنبيين مجملا ، ولا مفسرا بأسمائهم وأعيانهم ولا بجملتهم ، إلى أن تبلغ معرفته إلى ذلك ، أو إلى شيء منه ، فإذا بلغت معرفته إلى جملة ذلك ، أو شيء منه ، كان عليه علم ذلك ، الذي بلغ إليه معرفته ، كان مجملا أو مفسرا معينا أو موصوفا ، ولم يسعه الشك في ذلك ولا الريب ، وضاق عليه هنالك الشك في الكتاب ، إذا بلغ إليه علم شيء منه ، أن يشك فيه أو يرتاب فيه .
فصل : وكذلك يسلم ويكون مؤمنا بجهل معرفة إبليس عدو الله ، ومعرفة فرعون وهامان وقارون وأبي لهب ، وجميع من صحت سعادته أو شقاوته في كتاب الله ، ويكون الجاهل بذلك عند الإقرار بالجملة مسلما أبدا ، ما لم تقم عليه الحجة بمعرفة شيء من ذلك ، أو ينكرشيئا من ذلك بجهله ، أو يتولى عدوا لله بجهله ، أو يعادي وليا لله بجهله ، فمتى فعل شيئا من ذلك على غير ما يسعه ، هلك بفعله ذلك كان عالما أو جاهلا .
فصل : فإن قال قائل : لا يسع جهل هؤلاء أو أحد منهم ، غير ما قد قلنا ، واسثنينا من ذلك الإيمان والإقرار بالجملة ، وهو أن يؤمن بالله - تبارك وتعالى - ، أنه إله واحد لا إله إلا هو ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن جميع ما جاء به محمد عن الله ، فهو الحق ، فإن ادعى مدع أنه لا يسع أحدا جهل شيء غير هذا .
قيل له : فما تقول فيمن أقر بهذا الذي وصفناه ، أن يكون مسلما به عن علم ما سواه من الإقرار ؟ فإن قال : نعم .
(1/19)
قيل له : فإذا كان مسلما فكيف يكون مسلما لا يسعه جهل ما يكون مسلما بجهله ، إن هذا هو المناقضة في الأصول ؟
وإن قال : يكون مسلما حتى يضيع لازما ، ويركب محرما .
قلنا له : وأي لازم في هذا ، وأي محرم في هذا ؟ إذا آمن بالجملة ، وأقر بها ، وشهر له اسم الإقرار بها ، والتدين بها ، أليس قد خرج من أحكام الشرك بجملته ، ودخل في أحكام الإقرار بجملته ، ولم يبق شيء من الشرك ، إلا وقد برىء منه في الحكم من عبدة الأوثان ، واليهودية والنصرانية والصابئين ، وكل الجاحدين ، وصح له الإقرار بالإيمان ، وبرىء من المحنة عن جميع فنون الشرك بجملته ، وإذا برىء من الشرك بجملته ، لم يبق عليه محنة من الرد على أحد من النبيين والرسل والملائكة ، والإنكار لأحد منهم ، ولا أحد ممن عليه الإيمان به في الجهلة ، وممن يخرج أنه يخالف الإيمان فى إنكار النبيين والمرسلين والملائكة ، والادعاء في أمرهم بعير الحق ، فقد برىء المقر بالجملة ، من جميع ذلك في حكم الظاهر ، ولم يبق عليه محنة إلا بما يخالف فيه أهل الإقرار ، من صنوف أهل القبلة ، فقد برىء المقر بالجملة من الشرك ، ومن التهمة بشيء من الشرك ، ومن التهمة بالإنكار لشى من رسل الله وأنبيائه وملائكته ، ومع ذلك فإنه في الجملة مقر مؤمن بجميع ذلك ، إذا أقر بالجملة ، ولا نعلم في هذا اختلافا بين أحد من أهل القبلة .
(1/20)
ولو كان المقر بالجملة لا يكون سالما في الحكم ، في مخالفة الجملة ، حتى يقر بكل شيء من الإيمان ، باسمه أو بعينه أو بصفته ، ما جاز أن يكون مسلما بالجملة ، ولكان مشكوكا ، وما جاز أن يتولى أهل الإسلام ، مشكوكا فيه ، ولما وضع عنه أحكام الشرك ، حتى يعرف منه الإقرار بكل القرائن ، لأنه إذا أنكر شيئا من القرائن ، ولو آية واحدة ، أو معنى واحدا مما قد جاء في الكتاب ، كان بذلك مشركا ، فلو كان لا يكون الإقرار بالجهلة كافيا للمقر بذلك ، كان يكون أبدا مشركا ، حتى يقر بجميع ما يكون ، وإذا أنكره كان مشركا ، وكان في الشرك أبدا ، حتى يعلم منه الخروج من الشرك بالإقرار ، وبجميع ما إذا أنكره ، كان مشركا ،وإذا كان لا يصح لأحد إيمان ولا إقرار أبدا ، ولا يصح ذلك أيضا لنبي مرسل ، ولا لأحد من الملائكة ، ولا كان ذلك يصح أيضا لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولكان هذا خارج في حكم الله -تبارك وتعالى - ، من أحكام المعقولات ، وأن الله - تبارك وتعالى - يكلف العباد ما لايطيقونه ، وإذا ثبت هذا بطل حكم الحكمة ، من صفة الله -تبارك وتعالى - ، ودخل في صفة الله أنه غير حكيم ، تعالى الله - عز وجل - عن هذا علوا كبيرا ، وهذا باطل لا يدعيه أحد فيما علمنا من أهل القبلة .
فصل : فإن قال : يكون مقرا بإقراره بالجملة ، ولكن لا يكون مستكمل الإيمان ، إلا بمعرفة من جاء خبره في كتاب الله من سعيد أو شقي ، أو عدو أو ولي .
قيل له : فإذا لا تثبت الولاية لأحد إلا بالدعوة له ، إلى علم أولئك كلهم ، فمن لم يعرف ذلك منهم ، فما يكون حاله عندك بأحكام الإسلام ؟
فإن قال : يكون وليا إذا دعي إلى ذلك وعرف قوله فيه ، فإن عرفه كان ذلك أفضل في إيمانه ، وآكد لولايته ، وإن لم يعرف ذلك وجهله ، كان ذلك واسعا له ، وثبتت ولايته على ذلك .
(1/21)
قيل له : فهذا من هذا الداعي عيب في دينه وباطل ، وكان الاشتغال بالدعوة إلى غير هذا ، آكد وأبلغ( 1 ) إلى الدعوة إلى هذا ، والمحنة فيه والكشف عنه ، لأنه سواء في قولك ، عرفه أو لم يعرفه ، فهو مسلم مستحق للولاية ، وهذا نقض لقولك إنه لا يستكمل الإيمان إلا بمعرفة هؤلاء .
وإن قال : إنه إن لم يعرف كل من جاء خبره قي كتاب الله -تبارك وتعالى - ، من رسول أو نبي ، أو سعيد أو شقي ، أو عدو أو ولي ، كان بذلك منتقض الإيمان والإسلام .
فصل
قيل له : فإذا كان على هذا ، فلا يصح له الإيمان ، إلا بمعرفة ذلك
(1/22)
منه ، فمتى لم يعرف منه ذلك ، لم يستكمل الإيمان ، دعي إلى ذلك أو لم يدع ، عرف ذلك منه أو لم يعرف ، هذه جملة يحتاج كل واحد من العباد أن يدعى إليها ، ويعرف منه القول فيها ، وهذا ما لا يدعيه أحد ، ولا تحتمله العقول ، ألا يكون مؤمنا حتى يكون عالما بجميع كتاب الله ، وبأحكام كتاب الله ، وتنزيل كتاب الله ، لأنه على قياد قولك ، أنه لو جهل واحد مما قد صح في كتاب الله باسمه وعينه ، لم يثبت له الإيمان إلا به ، لأنه لا يصح له الإيمان إلا بمعرفة ما لا يثبت به الإيمان إلا بمعرفة ، وهو غير مؤمن حتى بعلم جميع ذلك ، وإذا لا يكون وليا إلا عالما ، ولا يكون مسلما إلا عالما بكتاب الله كله ، وهذا باطل من القول لا يدعيه أحله من الأمة ، ولا يجوز في حكم الشريعة ولا في صفة الله - تبارك وتعالى - أن يكلف العباد هذا ، تعالى الله - سبحانه - عن هذه الصفة علوا كبيرا ، وهذا خارج من أحكام الكتاب والسنة والإجماع ، ومن حجج العقول ، وهو هدر من الكلام ، لا يساغ القول به ولا فيه ، ولكن لم يكن بد من أن يجري فيه قولا يبني عليه من عورض فيه من المتمسكين ، ويكون حجة للمسلمين على من ألزم معرفة أحد من الخليقة من بار وفاجر ، بغير ما يلزمه فيه الحجة ، ممن لم يصح ذلك فيه من الكتاب ، ويكون الحجة لمن احتج أنه يلزمه معرفة من جاء في الكتاب خبره ، وصحت فيه سعادته ، أو شقاؤه آكد ، ولا ممن لم يأت في الكتاب خبر سعادته ولا شقائه ، من الأئمة الجبارين أو العادلين ، وأنه إذا ثبت أنه لا يلزم معرفة من ثبتت سعادته أو شقاؤه في كتاب الله ، ومن كتاب الله ، فأحرى وأجدر أن لا يلزم معرفة من ثبت كفره أو إيمانه أو ولايته أو عداوته ، مع أحد من المسلمين في أحكام الدين الظاهر . وهذا ما لا يحتاج العاقل فيه إلى كلام ، لأن عليه أهل الاستقامة من أهل الإسلام ، ولا نعلم أن أحدا يدعيه في شيء من الأحكام ، إلا باتباع الهوى ، ومخالفة آثار التقوى ، نعوذ
(1/23)
بالله من ذلك ، ومن جميع المهالك .
-------------------------------------
1 - في نسخة "أنفع من".
(1/24)
باب: وجوه الولاية والبراءة، وتصنيف ذلك
إن الولاية والبراءة على كل حال من الأحوال كانت مما يسع جهله أو مما لا يسع جهله .
وهذان الأصلان هما أصلا جميع دين الله ، لأن جميع دين الله - تبارك وتعالى - ، لا يخرج في حال من الأحوال ، من أحد هذين الأصلين ، وهذين الأمرين أصل يسع جهله ، وأصل لا يسع جهله . كذلك جميع دين الله في خاصه وعامه لا يخرج من أحد هذين الأصلين أصل يسع جهله في حال ، وأصل لا يسع جهله في حال ، كذلك الولاية والبراءة أصلهما في دين الله أصلان فأصل يسع العبد جهله ، وأصل لا يسع العبد جهله ، وقد بينا في ذلك ، وفي مجمل ما ذكرنا من حمل ما لا يسع جهله ، ومن حمل ما يسع جهله ، خارجة من جميع أحكام الولاية والبراءة ، من ثلاثة وجوه :
وجه من ذلك براءة الحقيقة وولاية الحقيقة .
والوجه الثاني ولاية شريطة وبراءة شريطة .
والوجه الثالث براءة الحكم بالظاهر ، وولاية الحكم بالظاهر ، ولا تعدو الولاية والبراءة على كل حال من الأحوال ، أحد هذه الوجوه الثلاثة التي ذكرناها .
(1/25)
باب في: الولايات والبراءات، وتصنيف ذلك
أكثر ما تجرى فيه المعارضات من أهل التلبيس المتكلفين لضعفاء المسلمين المتمسكين في ذكر الولاية والبراءة ، بضلال التأويل لأصول الولاية والبراءة ، بغير بصيرة ولا علم .
وذلك أنه يلقى الواحد منهم المتسمي بالفقه والعلم ممن قد اتزر بالجفوة ، وارتدى بالعمى ، وأنزل نفسه على الضعفاء منازل الفقهاء والعلماء على الواحد من الضعفاء المسلمين ، فيقول له : إن الولاية والبراءة فريضتان ، ولا يسع العبد دون أن يوالي في الله ، أو يعادي في الله ، ويتولى ويبرأ ، وعليه أن يتولى من تولاه المسلمون ، ويبرأ ممن برىء منه المسلمون ، ولا يسعه دون ذلك ، والمسلمون قد برئوا من فلان بن فلان ، وفلان بن فلان يعني بذلك عليا وعثمان ، ومن تقدم ذكره من المحدثين في ذلك العصر والزمان ، وقد تولوا فلان بن فلان ، وفلان بن فلان ، من أهل ذلك العصر والزمان ، ولا يسعك إلا أن تبرأ ممن قد برىء منه المسلمون من هؤلاء ، وتتولى من تولاه المسلمون من هؤلاء الموصوفين المذكورين ، وإلا فأنت هالك بدون ذلك ، فإن لم تعرف ذلك فعليك السؤال ، والبحث عن ذلك ، ولا يسعك دون ذلك .
ولوسئلوا عما برىء به المسلمون من فلان بن فلان ، لما أتوا على ذلك ببرهان ، وما كان قولهم في ذلك إلا ما شاء الله ، إلا كما قال المشركون إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون "_( 1 ) .
كذلك قولهم إنا برئنا من فلان بن فلان ببراءة المسلمين منهم ، ولأجل براءة المسلمين منهم ، ولأنهم برىء منهم المسلمون .
(1/26)
ولا نعلم مع الملبسة في الولاية والبراءة شيئا يزيد على هذه البدعة وهذه الضلالة ، فلو لم يتولوا ولم يبرأوا على هذا الوجه ، لكان خيرا لهم ، و لكانوا قد وافقوا الولاية والبراءة من حيث لا يعلمون ، وهم قد خالفوا أحكام الولاية والبراءة من حيث ظنوا أنهم لها موافقون ، وكذبوا على الله وعلى رسوله وعلى المؤمنين ني دينهم ، من حيث ظنوا أنهم في ذلك صادقون .
وكذلك قولهم في موسى بن موسى وراشد بن النضر ، نحو من قولهم في علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان ، وإن لم يكن قولهم في موسى بن موسى وراشد بن النضر أشنع وأقبح ، والحكم في ذلك واحد ، والقول فيه واحد ، من خاص ذلك وعامه ، لمن لم يمتحن بأمر ذلك وشأنه ، ولم يكن من أهل عصره وزمانه ، ولم تقم عليه الحجة ببلوغ علم ذلك إليه ، بما لا شك معه فيه ولا ريب ، من بعيد عن ذلك العصر والزمان أو قريب ، ولو كان من أهل ذلك العصر ، إذا لم يصح عنده علم ذلك ، ولم تقم عليه الحجة بذلك ، من أي الوجوه قامت .
(1/27)
والعجب العجيب كيف خص الحكم في علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان ، وموسى بن موسى وراشد بن النضر ، والبراءة منهم دون غيرهم من المحدثين والجبابرة ، والمفسدين وأهل البدع والخلاف في الدين ، من المقرين من أهل القبلة والجاحدين ، وغيرهم ممن لا يحصى عدده ، ولا يبلغ أمده ، ولا ينقضي عدده ، إلا ما شاء الله . والمعنى في الجميع من أولياء الله وأعداء الله واحد ، والقول فيهم واحد ، والحكم فيهم واحد ، قد أوجب الله وفرض وأمر بعداوة جميع أعدائه ، وأوجب وفرض وأمر بولاية جميع أوليائه ، فهل يقدر أحد من الخليقة أن يقول : إن الله -تبارك وتعالى - قد كلف عبدا من عبيده من الأولين والآخرين أن يوالي جميع أولياء الله من الأولين والآخرين بأسمائهم وأعيانهم ، أو يعادي جميع أعداء الله بأسمائهم وأعيانهم . أو هل حكم بذلك كتاب الله المستبين ، أو ادعى ذلك محق أو مبطل على رسول من رسل رب العالمين - صلى الله وسلم عليهم أجمعين - ، أو في إجماع المسلمين ، أو يقوم ذلك في حجج العقول من العاقلين ، أن يكون الله -تبارك وتعالى - قد كلف العباد في الولاية والبراءة ج أن يعادوا له جميع أعدائه بأسمائهم وأعيانهم ، أو يوالوا له جميع أوليائه بأسمائهم وأعيانهم ، هذا ها لا تحتمله العقول ، ويتنافى عن الله -تبارك وتعالى- في أحكام الأصول ، وليس له أساس ، ولا منه محصول ، والله وكيل على ما نقول .
---------------------------------
1- جزء الآية (23) سورة الزخرف .
(1/28)
باب: ولاية الشريطة وبراءة الشريطة
اعلموا أن ولاية الشريطة وبراءة الشريطة هما أصلان من أصول دين الله - تبارك وتعالى - وحكمان من أحكام دين الله - تبارك وتعالى - وبهما يسلم العباد عن الهلكة ، من تضييع ما لزمهم من أحكام الولاية والبراءة ، وبهما يسلم العباد من ولاية أعداء الله في الحكم بالظاهر وفي الحقيقة ، وبهما يسلم العباد عن عداوة أولياء الله ، في حكم الظاهر وحكم الحقيقة ، وبهما من الله على عباده بالسلامة ، من كلفة ولاية أولياء الله بأسمائهم وأعيانهم ، ومن كلفة عداوة أعداء الله بأسمائهم وأعيانهم ، وهو أن يوالي العباد لله جميع أوليائه ، ويعادوا له جميع أعدائه في الجملة ، أو يوالوا له جميع أهل طاعته ، ويعادوا له جميع أهل معصيته في الجملة ، أو يوالوا له جميع المؤمنين ، ويعادوا له جميع الكافرين ني الجملة .
فإذا كان من العبد هذه الولاية لله ، والعداوة لله في عباده ولعباده ، فقد تولى لله جميع من كلفه ولايته ، وقد عادى لله جميع من كلفه عداوته في جملته ، وكانت هذه الجملة كافية للعبد عن جميع تفسير الولاية والبراءة ف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

تواصل معنا

أكثر من 600,000+ يتابعون موقعنا عبر وسائل التواصل الإجتماعي إنظم إلينا الآن

عن الموقع

author مكتبة أهل الحق والإستقامة <<   مكتبة أهل الحق والإستقامة..موقع يهتم بنشر الكتب القيمة في مختلف الجوانب (فقه..عقيدة..تاريخ...الخ) عند المذهب الإباضية من نتاج فكري.

أعرف أكثر ←

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *