الكتاب: الإيمان بالغيب لأحمد الخليلي
[ترقيم الصفحات آلي غير موافق للمطبوع]
المحاضرة العشرون في العقيدة
لسماحة الشيخ العلامة الكبير
أحمد بن حمد الخليلي أبقاه الله
المفتي العام للسلطنة
افتتاحية
الحمد لله رب العالمين ، أحمده واستعينه واستهديه ، وأعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يظلل فلا هادي له ، واشهد أن لا اله إلا الله وحده لاشريك له واشهد ان سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله . صلوات الله وسلامه عليه وعلى أله وصحبه أجمعين ، وعلى تابعيهم بإحسان الى يوم الدين .
أما بعد :ـ
*من علمه أخبار الغيب ؟
فلا يزال حديثنا في أعجاز كتاب الله تعالى وفي هذا الدرس نتقل الى نوع أخر من الاعجاز وهو الاعجاز الخبري ، فإن القران الكريم ينطوي على الأخبار الكثيرة ، على المغيبات التي لم تكن تدور ببال أحد من الناس عندما انزل الله سبحانه وتعالى هذا القران على عبده ورسوله محمد عليه أفضل الصلاة والسلام في تلك البيئة التي تكاد تكون معزولة عما يجري في العالم المعاصر أنذاك.
(1/1)
والغيب الذي تطرق اليه القران ،إما أن يكون غيباً غابراً ، وإما أن يكون غيباً معاصراً ، وإما أن يكون غيباً مستقبلاً . فقد أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم عن كثير من الأنباء الغابرة التي لم تكن تدور بخلد أحد في ذلك المجتمع الذي نزل فيه هذا القران على الرسول صلى الله عليه وسلم . كما أن الله سبحانه وتعالى أخبر أيضاً عن غيوب معاصرة لنزول الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم . وأخبر عن أمور مستقبله لم يكن يتصورها أحد من الناس . وفي كل ذلك كان الواقع مفسراً لما جاء به كتاب الله سبحانه وتعالى . إذا لم بأت أمر من الأمور لينقض ما جاء به القران الكريم . وفي هذا ما يبّين بياناً واضحاً ان هذا القران من عند الله تعالى إذ ليس بإمكان أحد من الناس أن يخبر عن مثل هذه الغيوب التي لم تكن في حيطة علمه بحيث لم يكن واقعها حاضراً ، ولم يكن واقعها ملموساً ، فيأتي الواقع مصدقاً لما يخبر به . لقد أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم عن أخبار النبوات , وقد كان نزول القران مسبوقاً بنزول كتابين من عند الله سبحانه وتعالى ، كانا لايزالان باقيين رغم ما لحقهما من التحريف والتبديل وهما التوارة والانجيل . وكثير من الآنباء التي قصها الله تعالى في كتابه الكريم كانت مذكورة في الكتابين ، وعند أهل الكتابين علم بهذه الاخبار.
(1/2)
والقران نزل كما تعلمون على أمّي لم يكن يقرا كتاباً ولا يخطه بيين ، وفي بيئة أمية لم تكن تعنى بقراءة الكتاب , فالمجتمع الذي نزل فيه القران على الرسول صلى الله عليه وسلم كان مجتمعاً وثنياً , وكان بعيد العهد بالنبوات ، ولم تكن أخبار النبوات من الانباء التي تتلى في المحافل والمجامع عندهم ، بل كانوا لا يعرفون هذه الاخبار . وإذا كانوا يحتكون احياناً بنصارى العرب وغيرهم من أهل الكتاب الموجودين في جزيرة العرب فإن هذا الاحتكاك لا يؤدي بهؤلاء الوثنين الى ان يحيطوا علماً بما في ذلك الكتابين من اخبار النبوات . كيف ؟ واهل الكتاب الذين كانوا موجودين في جزيرة العرب أنذاك كانوا في عداد الاميين لقلة وجود العلماء الذين كان لهم المام واسع بعلم الكتاب . وان وجد قله من العلماء منهم قله نادرة وما يعرفونه من علم الكتاب لا يتجاوزهم الى غيرهم فضلاً عن ان يتجاوزهم الى الآميين الذين كانوا على الوثنيه فما كانت هذه العلوم الكتابية تتجاوز اولئل الأخبار القلة فضلاً عن ان يتجاوزهم الى غير ابناء ملتهم من العرب الوثنيين , والمجتمع المكي كان مجتمعاً يعني بالتجارة ، ولم يكن يعني بقضايا الدين كما تعلمون فمنهما كان إتصال النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الانباء الغيبية ، كان أمراً غير مألوف لأنه عليه أفضل الصلاة والسلام من ناحية في بيئة أمية ، ومن ناحية اخرى فإنه لم يكد يخرج عن تلك البيئة إلا مرتين , عندما ذهب اولاً مع عمه أبي طالب الى اطراف بلاد الشام مما يلي جزيرة العرب ، والمرة الثانية أيضاً عندما ذهب في تجارة للسيدة خديجة رضى الله عنه ، وذلك قبل بعثته صلوات الله وسلامه عليه . وعندما ذهب في المرة الاولى قيل كان عمره تسعة أعوام ، وقيل كان عمره أثنى عشر عاماً .
(1/3)
وعندما ذهب في المرة الثانية كان عمره صلى الله عليه وسلم خمسة وعشرين عاما , ولم يتحدث عند رجوعه من هاتين الرحليتن عن شيء من أخبار النبوات , ولم يكن عليه أفضل الصلاة والسلام يعني قبل أن يرسله الله سبحانه وتعالى بجمع القصص والاخبار ليقصها على الناس , فإذناً عليه هو أفضل الصلاه والسلام كان ابعد ما يكون عن الاحتكاك بأهل الكتاب ومعرفة ما عندهم من النبوات حتى بمكنه أن يقص ذلك على الناس الذين كان صلى الله عليه وسلم يدعوهم الى الاسلام ويتلو عليهم القران . والله سبحانه وتعالى يخبر في كتابه العزيز بأن قوم الرسول صلى اله عليه وسلم لم يكونوا على علم بالاخبار التي قصها القران الكريم ، والله عزوجل يقول ( تلك من انباء الغيب نوحيها اليك ما كنت تعلمها انت ولا قومك من قبل هذا فاصبر ، إن العاقبة للمتقين) ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا , لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يحيط بها علماً ، ولم يكن قومه ايضاً يحيطون بها علما.ويقول الله عزوجل ( ذلك من أنباء الغيب نوحيه اليك ، وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ، وما كنت لديهم إذ يختصمون) ويقول سبحانه وتعالى ( ذلك من أنباء الغيب نوحيه اليك ، وما كنت لديهم إذ اجمعوا أمرهم وهم يمكرون ) فإذن هذه الآخبار هى أخبار مغيبّة ، وما استطاع أحد من أهل الكتاب بعد ما وصلتهم هذه الدعوة في ايامه صلى الله عليه وسلم وبعد أيامه ، وعلى كثرة ما يضرونه من الكراهيه لها وعلى كثرة ما يكنونه من الحقد للرسول صلى الله عليه وسلم ، ما استطاع أحد منهم أن يقف في وجه هذه الدعوة ويفنّد ما اخبر به القران الكريم من اخبار النيوات وغيرها ليدعي ان شيئاً منه لم يكن كما انزله الله على الرسول (ص) فإذن هذا دليل واضح على ان هذا الذي أخبر به القران الكريم هو من عند الله ، وأن القران من عند الله .
(1/4)
ولا يمكن للرسول صلى الله عليه وسلم ان يتوصل الى هذة الاخبار إلا بوحي الله سبحانه وتعالى . أما ان يتوصل اليها بعلم مكتسب من البشر في تلك الظروف التي كان يعيشها عليه أفضل الصلاة السلام فذلك أمر مستحيل . على أن كفار قريش الذين كانوا يصفون هذة الاخبار باساطير الاولين ارادوا أن يشككوا في صحتها ، وان يدعوا بان الرسول صلى الله عليه وسلم يتلقاها من قبل بشر . ولكن من هو هذا البشر ؟
!ـ هود 49
2ـ آل عمران 44
3ـ يوسف 102
القران يبين لنا وضعيه هذا البشر التي لا تسمع له بان يعلم الرسول صلى الله عليه و سلم مثل هذه الأقاصيص. يقول الله تعالى ( وقالوا إنا يعلمه بشر ، لسان الذي يلحدون اليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين). من هو هذا البشر لم يكن هذا البشر الذي ادعى كفار قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم يكتب هذه المعلومات منه من أصحاب الاقدام الراسخه في علم الكتاب . قيل كان قيناً رومياً وقيل كان أعجمياً عاملاُ في المجتمع المكي هو من الموالي وأختلف في أصله ، هل هو من الروم أو هو من العجم . وعلى كلا الحالين فإن لسانه لم يكن لسانً عربيا. وإذا كان قد اكتسب من مخالطته لآهل مكة شيئاً من اللغة العربية فإن ذلك لا يعدوان يكون من حيث المجاملات التي تدور بين الناس كإلقاء التحية واستقبالها والسؤال عن الحال والرد على السائل.فلسانه كان لسانً أعجمياً كما أخبر الله سبحانه وتعالى ، واختلف في أسمه فقيل كان أسمه ... وقيل أسمه جبر وقيل غير ذلك. فان يمكن لهذا البشر الأعجمي ان يلقن النبي (ص) هذة المعلومات بالدقة . ويعلم هادة بالتفصيل حتى يؤديها عليه أفضل الصلاة والسلام بهذا اللسان العربي المبين بهذه البلاغة التي أخرست ألسنه البلغاء واسككتت اصواتهم فلم يستطيع أحد ان يأتي بمثلها.
*الحقد والتشكيك
(1/5)
وكما ادعى اولئك الكفار الحاقدون بأن هذا الذي يبلغه الرسول صلى الله عليه وسلم من انباء الامم واخبار النبوات هو من تعلم بشر ، وهذا البشر كما قالوا هو ذلك القيم او ذلك العامل الاعجمي الذي كان في المجتمع المكي ، فإن أخلاق اولئك من الحاقدين على هذة الدين ، الذين كادت قلوبهم تزيد حقداً وكراهية على هذه الدعوة وإنتشارها ، رددوا أيضاً مثل هذه المقالة. فنجد من المستشرقين من لم يزعم بأن النبي صلى الله عليه وسلم تلقى ما في القران من أخبار وعلوم وغيرها من نسطورا راهب النصارى الذي التقى كما يقال بالرسول صلى الله عليه وسلم قي رحلته الثانية الى الشام عندما كان عمره خمسة وعشرين عاماً ، أومن بحيري الراهب الذي التقى به الرسول صلى الله عليه وسلم وعمره تسعة اعوام اواثنا عشر عاما.
وقد ركزّ هذا المستشرق اكثر ما يكون على بحيري زاعماً أنه هو الاستاذ الذي تلقى منه النبي صلى الله عليه وسلم هذه العلوم . لقد أراد هذا المستشرق أن يجعل من هذه القصة ، قصة التقاء النبي صلى الله عليه وسلم بالراهب، ولا ندري في صحتها من عدم صحتها ، فإن في ذلك أقوالاً للعلماء الخبراء بالروايات . حاول ان يجعل من هذه القصة سلماً ليصل به الى غرضه وهو التشكيك في هذا القران وما أنزله الله على النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ولكن هذا السّلم وقع به ، فإن بالقران من الإجابة على سؤال الناس ما لم يكن معهوداً في وقت بحيري ولا في وقت نسطورا . وفيه من الإخبار عن المغيبات المستقبلة التي لم تكن في ذلك الوقت تدور بخلد أحد من الناس ، فوقعت كما أخبر بها القران الكريم وأنى نسطورا أن يحيط علماً بهذه المغيبّات أن يحيط علماً بالملابسات التي ستلابس هذه الدعوة التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو اليها ما بين العرب الاميين؟
(1/6)
وما كان أولئك العرب يواجهون به هذه الدعوة من أنواع التحديات . أنى البحيري اونسطورا ان يلقّن النبي (ص) سورة الفتح وما فيها من البشائر بالفتح المبين وما فيها من الإخبار بأنه عليه أفضل الصلاة والسلام سيدخل مع أصحابه البلد الحرام أونسطورا أن يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن الاجابة التي سيواجهها عليه أفضل الصلاة والسلام الى المنافقين والذين في قلوبهم مرض الذين سروا سروراً عظيماً بذهاب الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمينن الى مكة المكرمة لأجل عمرة الحديبية ، بسبب ما كانوا يتوقعون من إبادة قريش لهذه المجموعة الاسلامية عن بكرة أبيها. هذه الملابسات كلها لا يمكن لاحد أن يحيط بها ، وهل يمكن لبحيري أو نسطورا أن يتنبأ أحدهما بما سيجري للرسول صلى الله عليه وسلم مع المنافقين ؟ مع ان النفاق في ذلك الوقت لم يكن أحد يحسب له حساباً إذ كان نتيجة ظروف كانت في المدينة المنورة ولم تكن حتى في مكة المكرمة عندما بدا النبي صلى الله عليه وسلم يعلن دعوته بين الناس ، وهل يمكن لبحيري اونسطورا في ذلك الوقت أن يتحدث عن قصة انهزاو بني الآصفر أمام الزحف الساساني ويخبر النبي (ص) أن
(1/7)
الروم المنتصر عليهم سينقلبون الى منتصر بعد سنين مع أن هذه الحادثة ربما حدثت ، وكل واحد من الراهبين رميم في التراب ؟ بهذا كله يتبين أن هذه التكأه التي حاول ان يتكى عليها هذا المستشرق الذي حاول ان يشك في كتاب الله سبحانه وتعالى ما لبثت أن سقطت به ، ومثل هذا الكلام ما وجدته في بعض الكتب الأمريكية نقلاً عن بعض خبراء الروم الذين درسوا هذا القران دراسة فحص وتمحيص ، فكانت النتيجة التي ، توصلوا اليها حسب ما يزعمون بأن هذا القران لا يمكن أن يكون بحال من الأحوال وليدنكره واحدة ونتيجة دراسة من شخص واحد . وانما قالوا بان هناك مجموعة من الناس لفت بالكرة الأرضية ودرست اوضاع البشر النفسية والاجتماعية ، ودرست طبيعة الكون ، ثم جمعت هذه الحصيلة وبعد تجميعها لفقّت هذا الذي يسمى بالقران وخرج به محمد (ص) على الناس مدعيا ان ذلك وحياً اوحاه الله تعالى إليه هذا من العجيب ، ولا يصدر مثل هذا الكلام الا عن جهله لا يحيطون علماً بوضع العرب في ذلك الوقت الذي نزل فيه القران على النبي (ص) . العرب في ذلك الوقت كانوا متقوقعين في جزيرة العرب لا يشتغلون بما يدور حولهم من الأحداث ولا يعرفون ما عند غيرهم من وسائل التعمير والتدمير ، فانى لهم ان يلغوا بالكرة الارضية وهم ما كانوا يتصورون أن الارض كرة ويجمعوا هذه المعلومات ويدرسوا طبيعة الكون ويدرسوا اوضاع البشر النفسية والاجتماعية ويرجعوا بهذه الحصيلة ويقدموها لرجل يزعم أمام الناس انه رسول من عند الله سبحانه وتعالى.
(1/8)
العرب كانوا مع مطالعتهم لأطراف الامبراطورية الرومانية والامبراطورية الفارسية ما كانوا يحيطون علماً بما يدور في هاتين الامبراطورتيين وما عليه الناس هناك حتى انهم تعجبوا عندما اشار سلمان الفارسي على رسول الله (ص) بان يحفر خندقاً عند المدينة ، لأجل صد غارة الأحزاب على المدينة تعجب كل من الطرفين العرب والمشركون ما كانوا يدركون ان هناك وسيلة للدفاع امثال هذه الوسائل ، والمسلمون ايضا ما كانوا يعرفون ذلك لولا ان الله سبحانه وتعالى هيىء سلمان الفارسي الذي جاء من بلاد فارس وعرف هناك وسائل الدفاع ليخبر رسول الله (ص) بهذه الوسيلة ويقترح عليهم ان يتخذوها كذلك كتب احد مستشرفي النصارى في كتاب له ان هذا الاخبار ، اخبار النبوات انما استفادها النبي (ص) من خلال مجالسته لليهود في المدينة المنورة بعدما هاجر الى المدينة وانه(ص) عندما كان بمكة لم يكن يحيط شيئاً بهذه الأخبار وهذه حجة داحضة ومقولة مفتضحة .
فان القران الذي نزل بمكة يشتمل على اخبار النبوات اكثر من القران الذي نزل بالمدينة . فالسور المكية السور الحافلة باخبار النبوات واخبار الامم السابقين كما تجدون ذلك في سورة الاعراف ،وهى سورة مكيه وسورة ابراهيم ، وسورة يونس ، وسورة يوسف وسورة الاسراء ، وسورة مريم ، وسورة طه ، وسورة النمل ، وغيرها من السور الكثيرة التي تشتمل على ، هذا الأخبار . وعندما كانت هذه الاخبار تعرض فى السور المدنية فانها تأتي عوضاً فقط لاتفصيلا لأجل قصد اقامة الحجة على أهل الكتاب الذين كانوا على علم بهذه الأخبار. اخبار النبوات بينما في السور المكية يفصل تفصيلا هذه الأخبار عن الامم الماضية وعن النبوات.
? نصر يوافق نصرا
(1/9)
? جاءت في كتاب الله سبحانه وتعالى معجزة واضحة لأن الرسول (ص) لم يكن يحيط علماً بهذه الأخبار قبل ان يوحيها الله اليه . والمجتمع الذي كان يعيش فيه (ص) لم يكن على علم بها فكان من اعسر العسير ان يكون في مثل ذلك المجتمع ان يطلع على هذة الأخبار من غير ان يوحي الله سبحانه وتعالى اليه بها . وقد جاءت هذه الأخبار في كتاب الله عزوجل لأجل حكمة بالغة لأن القران الكريم كتاب دعوة وفي اطار هذه الدعوة تلتفى الأخبار التي يقصها والاحكام التي يشرعها والوعد الذي يعد به ، والوعيد الذي يتوعد به الى ما وراء ذلك من انواع الاغراض التي تأتي في كتاب الله ، قد كان سبحانه وتعالى يثبت بهذه الأخبار . يثبت قلب عبده ورسوله محمد (ص) وقلوب المؤمنين معه ... وكلاً نقص عليك من انباء الرسل ما نثبت به فؤادك ) والأخبار الغيبية المعاصرة هى اخبار كثيرة جاءت في كتاب الله من بينها ذلك النبأ الذي لا يملك العقل امامة الآ ان يقف خاشعاً لعظم النبأ الذي انبأبه القران قبل وقوعه في وقت ما كان احد يتخيل وقوعه ، فاذا بهذا الخبر يتحول الى حقيقة يشاهدها كل أحد ويعايشا كل من عاصرها . اخبر الله سبحانه وتعالى نبيه(ص) في السنة الخامسة من بعثته عليه افضل الصلاة والسلام بأن الروم هزموا أمام الجيش الساساني الفارسي، وان هذه الهزيمة ستنقلب الى انتصار في بضع سنين لا يستطيع أحد أن يتصور عظيم المعجزة في هذا الخبر الآ بعد ان يحيط علماً باخبار الدولتين الكبريين اللتين كانتا تتقاتلان في ذلك الوقت . فان هذا الأمر لا يمكن ان يصدر الآ ممن
1. هود 120
(1/10)
يعلم والسر وأخفى ، الذي تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن ، الذي يولج في النهار ويولج النهار في الليل ) ويحول المهزوم الى منتصر . ويحول الغالب الى مغلوب . اما الانسان الذي حجب الله سبحانه وتعالى عنه الأخبار الغيبية والحقائق الغيبية لا يمكن ان يخبر بمثل هذا ابداً. كانت الدولتان الكبريان في ذلك الوقت تتقاسمان العالم المتحضر فكانت كل طولة من هاتين الدولتين أخذة بجانب كبير من السيطرة على هذه الأرض . فالدولة الرومية وهى ، كما يقول عنها الغربيون دولة الرومان يسمى العرب هؤلاء الرومان بالروم . هذه الدولة كانت تحكم في ذلك الوقت بلاد البلقان واليونان والشام ومصر و شمال افريقيا. كانت دولة الفرس كما يقول بعض المحققين في التاريخ في ذلك الوقت هى اقوى من دولة الروم . كانت هى الامبراطورية الأولى في العام بسبب انقسام الدولة الرومانية الكبرى الى شرقية وغربية ، وان كانت الدولة البيزنطية الشرقية كانت اكبر وأقوى وهى التي تبسط نفوذها على جزء كبير من العالم المتمدن , وكانت الدولة الفارسية تحكم إيران والعراق واليمن وجانباً كبيراً من الهند ويمتد نفوذها في الشمال الى سيبيريا وفي الشرق الى حدود الصين . وفي عام590 للميلاد أي عندما كان عمر الرسول (ص) 18 عاماً على التحقيق خلافاً لما يقوله الكثيرون من أن عمره (ص) كان أنذاك عشرين عامًا . في ذلك العام . احتلى عرش الامبراطورية الفارسية الامبراطور خسرد الامبراطور الفارسى القوى القاهر الذي كان يمجد فى اوساط شعبه تمجيداً يصل الى حد العباده حتى انهم كانوا يرددون نشيداً في مدحه فكانوا يقولون فيه:ـ
في الآلهة انسان غير فان ... ... ... في الناس الة ليس له ثان
تعالى اسمه وارتفع مجده ... ... ... ... يطلع مع الشمس بضيائه
وينير الليالى المظلمه بنوره
(1/11)
وعندما توج هذا الامبراطور بنى قصرا جديدا ونقل الميزانية الأحتياطية من قصره القديم الى قصره الجديد وكانت اربعه مليون وستمائة مليون من الدنانير (4.600,000) فضلاً عن الفضة وفضلاً عن المجوهرات مع ان العملة التي كانت تتداول في الامبراطورية الفارسية هى الدراهم الفضية لا الدنانير الذهبية . ولم تمض الآ فترة قصيرة حتى كانت الميزانية.
(1/12)
الاحتياطية عنده ثمائمائة مليون وثمانية مليون من الدنانير الفضية فضلاً عن بقية الممتلكات و شاء الله سبحانه وتعالى ان تولد في نفس بعض قادة جيش هذا الأمبراطور كراهية له وكانت في مقدمه هؤلاء (يهرام) فاذا به يطيح بهذا الامبراطور. فيولي الامبراطور هارباً نحو الغرب ويلقى بنفسه في يدموركوس امبراطور الروم أنذاك . والامبراطور الرومان امده بالجنود الجرارة لأجل القضاء على الثورة داخل امبراطوريته. فقضى على الثورة وتمكن من الرجوع الى عرش مملكته والسيطره الى امبراطويته . مد سيطرته على اطراف امبراطوريته وهدأت الأوضاع وشاء الله سبحانه وتعالى في مقابل ذلك بعد فترة من الوقت ان يثورفوكس (حد قاده الجيش الرومي على الأمبراطور الروماني ويقضى عليه قتلاً. واذا بهذا ( الفوكس) بتبوأ عرش الأمبراطوريو الرومانية . وهنا ثارت تائرة الامبراطور الفارسي لأن فوكس فضى ولى نعمته الذي رده الى مملكته فرأى من الواجب عليه ان يثأر لولى نعمته وأن يحاول القضاء على سيطرة ( فوكس ) فاصطدم القتال ما بينه وبين جيش بنى الأصفر الروم ، وجيش بني ساسان الفرس , وأخذ الجيش الفارسي يكتسح الجيش الروماني فوقع في نفوس كثير من بطارقته الروم بأن الروم ما كانوا يملكون الحماس للدفاع عن شرفهم لأنهم تحت قيادة من لا يرضون قيادته وهو حسب ما يرون رجل نزل ، جاء واغتصب العرش من غير استحقاق له فرأ وان يدعوا ( هرقل) وهو شاب ناشيء وكان ناشاً وكان والده الحاكم الروماني في الشمال الافريقي . وقد نشأ في قرطاجنه , رأدا ان يدعوه ليقضى على ( فوكس ) ويتبوأ عرش الامبراطورية حتى يصد هذا التيار الفارسي الكاسح , وفي سنة (610م) ستمائة وعشر للميلاد، جيء بهرقل وقضى على فوكس وتببوأ عرش الأمبراطورية ولكن الجيش الساساني لم يتقهقر .
(1/13)
فقد ضاق وخسرو لذه الانتصار وراى أن يوالي توجيه الضربات الى الامبراطورية الرومانية حتى يقضى عليها ، ويضم اطرافها الى امبراطوريته فيتوسع ملكه ، خّيب هرقل أمل الروم فاذا به يميل الى البدعه والجواري والسكر , ويترك المهمة الملقاه على عاتقه واخذ الجيش الساساني يكتسح هذه المملكة الرومانية ممكلة تلو مملكه او قطر تلو قطر ، حتى وصلوا اعتاب العاصمة ، بل طوق العاصمة القسطنطينية من كل ناحية وفي سنة 616م أي في السنة الخامسة (ص) ما بقى من الامبراطورية الرومانية الاّ العاصمة وحدها وبقى امبراط ورها محصورأ في هذة العاصمة.
(1/14)
ولم يستطع الجيش الفارسي أن يضم هذا العاصمة لحصانتها بالجبال ، ولأجل حصانتها بالأسوار وبقى ضارباً عليه طوقاً من الحصار ، في هذا الوقت وصلت الأخبار الى مشركي قريش لما وصل اليه الروم ممن الضعف ، وما وصل اليه الفرس من القوة ، فشمتوا بالمسلمين من حيث أن الروم نصاري ، يجمعهم بالمسلمين جميعاً يؤمنون برسالة سماوية بخلاف الفرس ، فاشتد الامر على المسلمين من هذة الشماته التي كانت من قبل كفار قريش فأنزل الله سبحانه وتعالى على عبده ورسوله محمدًا (ص) ( الم غلبت الروم في الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في ، بضع سنين . لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله , ينصر من يشاء) وبما أن ايمان المسلمين بربهم سبحانه وتعالى ووعده ايمان جازم لا يحرم حوله شك، ردوا على قريش بأن الروم المهزومين سوف ينتصرون في بضع سنين ، درأت قريش ذلك امراً مستحيلا اذ من يمكن ان يتصور من البشر بأن المهزوم المغلوب سيتحول فجأه الى غالب منتصر فاتح . فلو تحدث احد مثلاً عند انهزام هنلي ومن معه على جيش الأحلاف ، بأن هؤلاء المهزومين سوف ينقلبون الى منتصرين وسيهزمون عددهم لعد عابداً . لا يمكن لأحد أن يتنبأ مهزوماً سينقلب الى منتصر ، فان الإنتصار قد يكون مفتاحاً لباب انتصار متوال ، بحيث تتوالى الانتصارات فمن انتصر وكثيراً ما يقع ذلك . ونحن في العصر الحاضر وجدنا اصحاب الخبرات في الأمور العسكرية والشئون الدولية والأوضاع البشرية، يتحدثون فينقلب الأمر الى ضده . عندما كان شاه إيران يعاني من المعارضة في إيران. أدلى كارتر بتصريح .
(1/15)
مع أن كارتر درس الأحوال الدولية وأوضاع البشر ، وعرف ما عند الشاه الايراني من القوة اولى بتصريح يقول فيه ( بأن المؤشرات تدل على أن الشاه سينتصر على المعارضة , ولكن لم يمض الا شهر على تصريحه هذا حتى خرج الشاه من ايران بنفسه حاملاً معه صندوقاً من تراب ايران ليأنس به في غربته ، فكيف يمكن لبشر ما خرج الى هاتين الأمبراطوريتين ليقيس مدى قوة كل واحدة منهما . وما درس أوضاع الجيشين وما وصل في اطراف هاتين الدولتين الا الى بصرى وهى في اطراف الروم ، وصلها مرتين كما قلت من قبل .
1. الروم
(1/16)
احدى المزنين كان عمره يتراوح ما بين تسع سنوات واثنتى عشر سنة والمرة الثانية كان عمره خمسة وعشرين عاماً . كيف يستطيع وهو في العمر الخامسة والأربعون ان يجزم بأن هؤلاء المهزومين سينقلبون الى منتصرين ، وأن المنتصرين سينقلبون الى مغلوبين !!! ولكن خبر من لا تخفى عليه خافية في الارض ولا في السماء . وبسبب ايقان المسلمين بوعد الله سبحانه وتعالى راهن ابو بكر الصديق رضى الله عنه ـ قبل أن يحرم الرهان في الأسلام احد المشركين على هذا الخبر الإلهي . وكان مبدأ امرهما انهما تراهنا على اربع قلائص الى مده سبع سنوات ولكن النبي (ص) أمر ابا بكر رضى الله عنه ـ أن يمدد الفترة الى تسع سنوات . ويزيد على ذلك قلوصين . وشاء الله سبحانه وتعالى . ان تتحول نفسيه هرقل الامبراطور الروماني لمجرد نزول هذة الايه الكريمة . فبمجرد ما نزل قول الله سبحانه وتعالى ( الم غلبت الروم في ادنى الارض . وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضغ سنين . لله الأمر من قبل ومن بعد . ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله . ينصر من يشاء ) تحولت نفسيه هرقل عن ذلك الوضع الذي كان عليه . وفكر جدياً في الأمر وانقلب من حالة الكسل والدعه واللهو الى الجد والنشاط والدأب على العمل . وكان اول ما عمله أنه طلب التفاوض مع خصمه الامبراطور الفارسي . وقال له : في تفاوضه هذا بانك طوقتني ولم تبق لي باقيه فحطم هذا الطوق طوق الحصار الذي ضربته عليّ . قال له : لن أفعل ذلك الا اذا اعطيتني ما أريد . قال له : وماذا تريد ؟ قال له : وماذا تريد ؟ قال له : اريد كذا وكذا . اشترط عليه مالا يطبقه من الأموال . اشترط عليه امراً هائلاً من المجوهرات وشيئاً هائلا من الفضة . وعدد كبيراً من الغلمان وعدداً من الجواري. قال له :كيف لى ان أتيك بما تريد وانت ضربت على هذا الطوق من الحصار فّرج عني واتركني اخرج من هذا الحصار لآجمع لك ماتريد.
(1/17)
قال له : كم تريد من المدة ؟ قال : ثلاث سنوات قال : اذن بيني وبينك ثلاث سنوات ، وأنا اتربص هنا فإن جئتني بما اشترطه عليك فذاك والاّ فانني اجدد الحصار من جديد. مخرج هرقل الى اطراف مملكته المتخنه بالجراح . وأخذ يلملم من
1. الروم
رعاياه المنكوبين شتاتهم وجمع منهم جيتاً لم بأت به الى القسطنطينية ليقاوم به خسرد . ولكن ذهب به رأساً الى المدائن ودخل به المدائن قلب العاصمة الفارسية . واكتسح القوه الفارسية في المدائن . وغرز اعلام النصر على قصور المدائن . واخذ ابن كسرى وحلق رأسه وكانت هذه تعتبر اهانه ما بعدها اهانه فهنا اشتد غيض كسرى وشدد الحصار على القسطنطينية ولكنه لم يستطع أن يدخلها لأنها كانت حصينة . وانهار جيشه نفسياً ، بسبب هذه الهزيمة الذي لحقته من جراء دخول هرقل أرض المدائن . وعندما جاء هرقل عائداً الى مملكته عائداً الى امبراطوريته . عندما عاد عائداً ولى خسرد هارباً ولاذ بالجبال لئلا يقضى هرقل عليه، ثم ذهب بعد ذلك الى من يتوسط بينه وبين هرقل ، حتى يتم الصلح بينهم ولمن الحانيين على أن يعود كل جانب الى حدوده الدولية المعروفة من قبل ودخل هرقل بلاد القسطنطينية عام 625للميلاد دخول القائد المظفر المنتصر وصادف ذلك العام عام 625م. السنة الثانية للهجرة الرسول (ص) . وكان هذا الانتصار الكاسح الذي انتصره الروم على الفرس مواكبا للانتصار الذي انتصره المسلمون على المشركين في غزوة بدر الكبرى . وكان قول الله سبحانه وتعالى ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء ) مشيرا الى النصرين نصرة المسلمين اولاً على أعدائهم المشركين ونصرة الروم الكتابيين على الفرس الوثنيين . هذا من اعجاز كتاب الله سبحانه الذي لا تأيتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
(1/18)
اما ان يتصور احد من تلقاء نفسه بأن المهزوم سينقلب الى منتصر فذلك امر بعيد عن العقول اللهم الا اذا كان احد يهدى بما لا يمكن ان يتقبله احد وأن يستسيغه فهم .
* من أسرار الغيب في سورة الفتح.
وعلى أي حال فأن الله سبحانه وتعالى قد اخبر في كتابه العزيز باخبار كثيرة . فجاءت طبق ما اخبر بها من اخبار معاصرة في كتاب الله عز وجل في محكم كتابه عبده ورسوله (ص) ( إنا فتحنا لك فتحاً مبينا . ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً وينصرك الله نصراً عزيزاً.
(1/19)
هذة السورة بما فيه من الغيوب بما فيه من العجائب . بما فيه من البشائر، نزلت على الرسول (ص) وفي ظرف من احرج الظروف ، واحلكها وأدقها . وكان المسلمون يعانون من أثار ما يرون انه مصيبة عليهم . امراً عجبا عندما نزلت هذه السورة الكريمة بهذه البشائر . فالرسول(ص) رأى في منامه (ورؤيا الأنبياء . حق لأن الشيطان لا يتمثل لهم . رأى النبي(ص) في منامه انه خرج مع اصحابه الى مكة معتمراً وطاف بالبيت العتيق مع اصحابه ، تم تحللوا من عمرتهم . فمنهم من تحلل بالحلق ومنهم من تحلل بالتقصير . فأخبر اصحابه رضى الله تعالى عنهم بهذه البشارة العظيمة . وكانوا لرسوخ ايمانهم وقوه ايمانهم لا يترددون في تصديق رؤياه عليه افضل الصلاة والسلام . لأنهم موقنون انه من عند الله سبحانه وتعالى وأن الشيطان لا يمكن ان يتمثل له. فهم الرسول (ص) وهم اصحابه بالعمرة . واستعدوا لذلك فأحرموا بعمرتهم وانطلقوا متجهين الى ناحية الحرم الشريف . وهنا انطلقت ألسنة الحاقدين الذين كان النفاق يملأ قلوبهم باشماتة بالمسلمين . لن هؤلاء لم يكونوا الاّ أكلة سائغة لقريش ، فإن قريشاً غزت رسول الله (ص) والمسلمين في عقر دارهم ، فكيف تسمح لهم بأن يطئوا ترابها , وان يقضوا وطرهم من الطواف بالبيت العتيق الذي هو في قلب مكة المكرمة التي تملأها القوى القرشية من كل جاني. فأنى لهم أن يفلتوا رسول الله (ص) وهو قد خرج من بين ظهرانيهم من ذلك المكان وبعضهم أوى اولئك المهاجرين اليهم . أنى لهم أن يفلتوا من قبضتهم بعدما تمكنوا منهم . وكانت لواعج الشوق تدفع بالمسلمين ، دفعاً الى بيت الله العتيق لما وقر في نفوسهم من تعظيم البيت . ومن حب أداء الشعائر المقدسة من حوله . وما كان المسلمون يستنشقون عرق تربه الحرم الشريف . حتى وقفت قريش امامهم ، بقضها وقضيها وعدها وعديدها وصدتهم بكل وسيلة عن بيت الله الحرام.
(1/20)
وبركت ناقة الرسول(ص) القصواء وكانت كما امر الرسول (ص) انها حسبها حابس الفيل . فما كان لها ذلك بخلق . ولكنه امر الله سبحانه وتعالى نافذ واعلم النبي(ص) ان قريشا لن تطلب منه خطة الا وسيسمع بها من أجل المهاونه والصلح.
وهنا اشتد الأمر على المسلمين الذين ليس بينهم وبين حرم الله تعالى الاّ خطوات , وليس بينهم وبين بيت الله العتيق الاّ بضعة أميال . اشتد الأمر عليهم ورأدا أن تلك اهانه ما بعدها اهانه . وحرصوا أن يدفعوا ضريبه الدم حتى يتمكنوا من بعثتهم ، وصلوا الى مرادهم ولكن الرسول (ص) عقد صلح ، ظاهرة فيه الأنتصار لقريش على المسلمين والفضاضة على المسلمين ، وباطنه ـ ما علم الله سبحانه وتعالى من نصره للحق وظهور كلمته وعلو عباده الذين قاموا بواجب الدعوة اليه وخالطت بشاشة الايمان قلوبهم وكان من بنود هذا الصلح ان
(1/21)
كل لاجيء الى المسلمين من قبل قريش ليس لهم ان يلجو. وكل من يفر من المسلمين الى ناحية قريش فلهم حق الجائه ، وعندما امر النبي (ص) اصحابه بأن يتحللوا بالحلق أو التقصير ، شق ذلك عليهم ، ومع مسارعتهم في طاعة الرسول (ص) ترددوا في هذا اللأمر ، ولم يحلق احد منهم . فدخل النبي (ص) على ام المؤمنين ـ زوجة أم سلمة رضى الله تعالى عنها مغموماً لهم ما لقي . فأشارت اليه بأن يخرج لأصحابه ويحلق رأسه امامهم حتى يقتدوا به . فكان الرسول (ص) اول من تحلل من عمرته تلك وحلق رأسه اما المسلمين ، فأقيل المسلمون يتحللون من عمرتهم . وكاد بعضهم يقتل بعضاً من الفم الذي في نفوسهم . ثم انزل الله ان سبحانه وتعالى هذه البشارة على الرسول (ص) ( انا فتحنا لك فتحاً مبينا ليغفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته علي ويهديك صراطا مستقيما) فجاء احد المسلمين فقال له : اهو فتح يا رسول الله؟ قال له النبي (ص) نعم فتح واي فتح الله سبحانه وتعالى يخبر عنه انه فتح مبين ، فكيف لا يكون فتحاً ، وقد جاء في هذه السورة الكريمة الإخبار عما سيحدث عنه اولئك الذين تخلفوا عن رسول الله (ص) وعن المؤمنين . وهم من الاعراب من اسلم اغفار الذين كانوا حول المدينة المنورة .كما جاء في هذه السورة ايضا عما كانت تحدث به نفوسهم . فقد قال سبحانه وتعالى ( سيقول لك المخلفون من الاعراب شغلتنا اموالنا وأهلونا فاستغفر
1. الفتح
(1/22)
لنا . يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ) إلى أن قال الله سبحانه وتعالى ( بل ظننتم ظن السوء وكنتم قوماً بوراً ) . فقد وقع في نفوسهم ان المسلمين لن يعودوا الى اهلهم ابدا ، انهم سيكونون طعمه لقريش . ولكن الامر كان على عكس ذلك. ثم اخبر الله سبحانه وتعالى ايضاً في هذه السورة ، أن المسلمين عندما ينطلقون بعد وقت قريب ، عندما ينطلقون الى فتح بلاد اخرى كثيرة ، سيحاول اولئك الذين تخلفوا عنهم ان يلحقوا بهم لأجل كسب المغانم والنيل من هذه الخيرات . قال الله تعالى ( سيقول المخلفون اذا انطلقتم الى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله ) وقد وقع ذلك كما اخبر الله سبحانه وتعالى . ثم اخبر الله سبحانه وتعالى ايضا في هذه السورة بأن اولئك الذين تتخلفوا سيواجهون معركة شديدة مع قوم ادلو بأس شديد) وهذا وقع بعد حين. والله تعالى قال : قل للمخلصين من الاعراب ستدعون الى قوم اولى بأس شديد تقاتلنونهم أويسلمون ) فقد وقعت معركة حامية الوطيس بين المسلمين واعدائهم المرتدين من بني حنيفة وغيرهم في عهد الى بكر الصديق رضى الله عنه وبشر الله سبحانه وتعالى المؤمنين في هذه السورة الكريمة بشائر الانتصار ونيل المغانم الكثيرة عما قريب يقول الله سبحانه وتعالى ( لقد رضى الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة على قلوبهم وأثابهم فتحاً قريبا ومغانم كثيرة تأخذونها معجل لكم هذا وكف ايدى الناس عنكم ولتكون أية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيماً ) وفعلاً حصل فتح عظيم وحصلت مغانم كثيرة للمسلمين عما قريب بعد ما نزلت السورة الكريمة بفترة قصيرة اذ لم يمضي بين وقت ألاّ شهران فقط حتى فتح المسلمون خيبر وكانت لهم مغلنم كثيرة.
1. الفتح
2. الفتح
3. الفتح
4. الفتح
5. الفتح
? مزيد من مفاتح الغيب .
(1/23)
ثم أخذ المد الاسلامي ينتشر في جزيرة العرب ، في شمالها وجنوبها ، وفي شرقها وغربها . ووصلت الدعوة الاسلامية الى اقصى جزيرة العرب، ودخل الناس في دين الدين الله افواجاً في تلك الفترة بعدما عقد صلح الحديبية . فإن الرسول (ص) بعث بعوثه في ذلك الوقت الى اطراف جزيرة العرب وبعث بعوثه ايضا في ذلك الوقت الى ملوك الارض، فكتب الى هرقل الامبراطور الروماني ، وكتب الى خسرد الامبراطور الفارسي ، وكتب الى نجاشي الحبشة ، وكتب الى حاكم مصر في ذلك الوقت . ذلك كله كان في خلال هذه الفترة فطرق صوت الاسلام والدعوة اليه مسامع اباطرة الأرض ، وقد هز هذا الصوت كيان الامبراطور الروماني المنتصر . ذلك الامبراطور المنتصر الذي كان في اوج ظهوره في ذلك الوقت . وكان قد خرج من عاصمة بلاده . القسطنطينية الى الشام لينفى نذره فانه قد نذر ان يعيد الصليب المقدس الى بيت المقدس ، وذهب الى الشام في سنة 629 للميلاد وخرج من حمص الى بيت المقدس ماشياً على الاقدام حاملا الصليب المقدس بيديه. وكانت الفرش تفرش له في الطرق ونتثر عليه الرياحين طول الطريق . وعندما استقر بعد هذا النصر المظفر المؤزر ، اصبح في يوم من الايام مصابا بهم عظيم ، فسألته بطارقته عما أقمه حتى صار حزينا مع هذا النصر الذي يدعو الى الفرحة والاستبشار . فأجابهم : انى رأيت ملك الختان قد ظهر . فردوا ، عليه يأيها الأمبراطور لا يختتن في ممالكل الاً اليهود . ولا يهولئك أمرهم فابعث كل يهوي يقتل . بينما هو كذلك . اذ أقبل عليهم رسول النبي (ص) دحية الكليبي الذي حمل كتاب الرسول (ص) الى امبراطور الروم . وهنا ضاق ذرعاً بهذا الأمر الذي نزل به خصوصاً عندما علم بأن دحيه مختتن . وطلب قوماً من رهط النبي (ص) ليسألهم عن امره . فوجد ابا سفيان ومن معه في غزة وحملوا اليه . لما مثلوا بين يديه اخذ يسأل أبا سفيان اسئله . ويرد عليها .
(1/24)
ثم قال لهم بعد ذلك: لقد كنت اعلم انه خارج ، ولكن لم اكن اعلم انه فيتكم . ولئن كنت صادقاً فيما تقول ليدركن موضوع قدمىّ هاتين . ولو كنت اعلم انى اخلص اليه لتجشمت اليه حتى اغسل عن قديمه . ذلك من الفتح الذي يشير اليه القران الكريم . ( انا فتحنا لك فتحاً مبينا)
كيف لهذا الصوت الذي ينطلق من المدينة المنورة ما بين ذاتين المدينة ينطلق الى عرش هرقل امبراطور الروم .فيهتز هذا العرش من هذا الصوت مع أن النبي (ص) في ذلك الوقت لم يفتح مكة مسقط رأسه ، وهكذا شاء الله سبحانه وتعالى ـ أن يحقق لرسول (ص) ما وعده به من الفتح المبين ( انا فتحنا لك فتحاً مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيماً وينصرك الله نصراً عزيزاً) ولم يمض عام الاً وفتح الرسول (ص) بمن معه من المؤمنين الى عمرة الحديبية ما كان عددهم يتجاوز 1500 0(الف وخمسمائة) . وعندما دخلها، وعندما دخل رسول الله (ص) مكة المكرمة بعد سنتين كان عد جيشه 000و10 مقاتل . وقد وعد الله سبحانه وتعالى هؤلاء الذين كانوا يتشوقون الى الطواف بالبيت الحرام والى استنشاق عبير الحرم الشريف وعدهم الله سبحانه وتعالى ( أن يحقق لهم هذه الأمنية فقال في هذه السورة ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق) الرؤيا التي رأها لأن النبي (ص) ما اخبرهم انه دخل مكة المكرمة هو وأصحابه في عام معين . حتى انهم عندما سألوه : الست بشرتنا بذلك . قال له : بلى ولكني ما اخبرتكم بأننا سندخلها في هذه الرؤيا . لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله أمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخانون فعلم مالم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاً قريبا) ما مضى الا عام واحد حتى دخل النبي(ص) ومن معه من المؤمنين الذين خرجوا معه الى عمرة الحديبية ، دخلوا جميعاً مكة المكرمة معتمرين العمرة المشهورة في السيرة النبوية .
(1/25)
بعمرة القضية وذلك في ذي العقدة للسنة السابعة للهجرة . وكانت عمرة الحديبية في نفس الشهر سنة سته للهجرة . فتم وعد الله سبحانه وتعالى للمؤمنين دخلوا مكة المكرمة معتمرين ، وطافوا بالبيت العتيق ، وحلقوا رؤوسهم ، ومنهم من قصر ، وما كانوا يخافوا شيئاً ، وقد إخلت قريش مكة للرسول (ص) لمدة ثلاثة
1. الفتح
2. الفتح
3. الفتح
هذه هى بشائر هذه السورة التي لا يمكن أن يكتنفها فكر وعقل بشر ، ولا يمكن أن تكون وليده تفكير انسان ، وانما هى مجرد وحى اوحاه الله سبحانه وتعالى الى عبده ورسوله عليه الصلاة والسلام . وهكذا نجد في كتاب الله سبحانه وتعالى من الأخبار الكثرة التي لم تكن فكانت كم اخبر الله عز وجل من ذلك قول الله عز وجل في قصة تحويل القبلة من البيت المقدس الى البيت الحرام قال الله سبحانه وتعالى قبل أن يأمر المسلمين بتحولهم الى البيت الحرام ( .. سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ) حتى يوطن المسلمين لاستقبال هذا القول من اليهود ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها . ويلقنهم الجواب في قوله ( قل لله المشرق والمغرب يهدى من يشاء الى صراط مستقيم ) وسوف نتعرض ان شاء الله في درس الأتي لبعض القضايا التي اخبر عنها القران الكريم فكانت كما أخبر . ذلك بأن الله سبحانه وتعالى أوحاه بعلمه وأنزله سبحانه وتعالى بعلمه . فهو المحيط بكل شىء علماً . وكل ما في القران من خبر انما هو من الحقائق التي يعلمها الله ولا تتبدل ابداً ( لا تبديل لكلمات الله ) نسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا الرشد وأن يملأ قلوبنا اينماناً ويقينا وأن ينور بصائرها ، ويطهر سرائر ويهدينا الى الصراط المستقيم ) وصلى الله على سيدنا محمد وأله وصحبه اجمعين).
1. البقرة
2. البقرة
3. يونس 64
? الحوار والمناقشة .
سؤال : ما حقيقة قصة هاروت وماروت؟
(1/26)
قصة هاروت وماروت تحدثت عنها في درس مستطل في تفسير الاية الكريمة ( يعلمون الناس السحر وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت) وهى مدونه في الجزء الرابع من التفسير وعند اكتمال هذا الجزء سيطبع ان شاء الله وسيظهر لكم وارجو أن اكون بتوفيق الله مصيبا فيما قلته في قصة هاروت وماروت.
سؤال : كيف بلغت الاية الكريمة ( الم غلبت الروم 000) الى مسامع هرقل ؟
انا ما قلت انها بلغت أبداً. ما قلت بأن الاية الكريمة بلغت الى مسامع هرقل . وانما قلت ان نزول هذه الايه الكريمة كان مؤذنا للانتصار وشاء الله سبحانه وتعالى . لا بسبب انه قرأ هذه الاية الكريمة . تحولت نفسيته عما كانت عليه بمشيئة الله سبحانه تحقيقاً لهذا الوعد . واذا اراد الله امراً . هياً له الأسباب وقد اراد الله أن ينجز هذا الوعد ، فهيأ له اللأسباب تحول قرهل عما كان عليه حتى أن المؤرخ الانجليزي الذي ارّح لسقوط الدولة الرومية . (وهوجبون) الكاتب الانجليزي ذكر وضع هرقل الذي كان عليه . وقال ما معناه بانه كم ايتلاشي الضباب أمام أشعة الشمس المحرقة كانت تتلاشي تلك اللأحول التي كانت تلابس نفسية ذلك الأمبراطور الوادع الماجن الذي يقف على اقدام ( ار كاديوس ) أحد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق