ولعل كثيرا من الأحكام الاجتهادية التعسفية التي تصدر من بعض الفقهاء، والتي تجانب الحق والصواب والعدل، مرجعها إلى عدم النظر إلى مآلات أفعال المكلفين، مكتفين بالتطبيق الآلي للنصوص الظاهرة، دون اجتهاد تنزيليّ، من تحقيق مناط الأحكام في الأنواع والأفراد. وقد أرجع الشاطبي ذات يوم مثل هذا الاجتهاد المختل إلى جهل أولئك الفقهاء بمقاصد الشريعة، وجهلهم بالاجتهاد التنزيلي التطبيقي في تحقيق المناط.
فالنظر إلى المآل يأتي كتوجيه مقاصدي للمجتهد في النظر إلى الوقائع عند تطبيق الأحكام، بما يوافق طوارئها ويحقق مقاصد الشارع؛ مما ينتج تنزيلا صائبا للأحكام، يعصم المجتهد من دواعي الإفراط والتفريط في الاجتهاد وإصدار الأحكام.
ولَمَّا كان علم مقاصد الشريعة هو الأساسُ الذي تنبني عليه قاعدة النظر إلى المآل، التي هي قاعدة من قواعد مقاصد الشريعة الإسلامية، فالعلاقة إذا وطيدة ووثيقة، فالنظر إلى المآل منهج لتطبيق المقاصد، فالناظر إلى المآل لا بد أن يكون له علم بمقاصد الشريعة. (¬1)
ومن هنا فإنّ الفهم الجيد للمقاصد، يساعد المجتهد على الموازنة السليمة بين المصالح والأحكام، فيرجِّح ما كان قريبا وموافقا لمقاصد الشارع، وينأى عن الأحكام البعيدة والشاذة التي تصادم المقاصد. ذلك أنّ اعتبار المآل أصل معتبر شرعا لتأسيسه على أصل العدل والمصلحة، وهما أساس التشريع ومقصود الشارع. «فالواجب على المجتهد أن يوازن بين الحِكم وبين الغايات والمقاصد من تشريع ذلك الحُكم، لأنّ الحُكم وحِكمته التشريعية مقترنان كلاهما من وضع الشارع فلا يجوز أن يكون الحكم في واد والمقاصد في واد آخر». (¬2)
¬__________
(¬1) - ... قطب سانو: أدوات النظر الاجتهادي المنشود، ص: 84.
(¬2) - ... فتحي الدريني: التعسف في استعمال الحق، ص: 13.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق