وقد كان موقف الشيخ اطفيش (¬1) من هذا البيع هو التحريم ديانة والبطلان قضاء، إعمالا لقاعدة النظر إلى المآل في هذين العقدين، إذ أن المتعاقدين لم يريدا بهذه البيعة لا بيعا ولا شراء، وإنما أرادا النتيجة من مجموع العقدين معاً، وهي الزيادة مقابل الانتظار والأجل وهو الربا، فظاهر العينة بيع صحيح، لكن المآل هو المفسدة الواقعة أو المتوقعة، لذلك سميت عند الإباضية ببيوع الذرائع لما يتذرع بها إلى الربا.
وهذا الموقف الذي رجّحه الشيخ هو موقف المذاهب الإسلامية الناظرة إلى المآل، والتي تأخذ بقاعدة الذرائع لمعالجة الأثار الضررية عندما يكثر التوسل بالأمور الجائزة للوصول إلى محظورات شرعية، وذلك كالمذهب المالكي (¬2) والحنبلي. (¬3)
وقد استدل الشيخ اطفيش لما ذهب إليه من تحريم وبطلان العينة بما روي عن عائشة أم المؤمنين لماّ قالت لها أم ولد زيد بن أرقم: «إني بعت غلاما من زيد بثمانمائة دراهم إلى العطاء، ثمّ اشتريته بستمائة دراهم نقداً» فقالت عائشة: «بئس ما اشتريت وبئس ما شريت، أبلغي زيداً أن جهاده مع رسول الله قد بطل إلا أن يتوب». (¬4)
وهذا الموقف من الشيخ اطفيش في تحريم العينة يعود إلى أصل من أصول الاجتهاد عند الإباضية وهو أصل إعمال قاعدة سد الذرائع.
وإذا كان السبب في تحريم العينة بالنظر إلى المآل ودرء المفاسد الواقعة أو المتوقعة سدا للذريعة، فإن الشيخ اطفيش (¬5) يربطها فقط في حالة وجود القصد السيئ والباعث غير المشروع، ولا يتعدّى الأمر عنده إلى الصور التي لا يُتذرع فيها إلى الربا، ولو عادت السلعة إلى البائع الأول بأقل ممّا باعها من دون حيلة أواتفاق مسبق، ذلك أن سبب تكييف حكم المسألة واستثناء حكم لها عن نظائرها والعدول فيها عن الحكم بالجواز إلى التحريم إنما هو وجود ذلك الباعث غير المشروع في العينة، وهو قصد الحصول على زيادة في المال مقابل الأجل وهو الرباغير موجود في الصورتين السابقتين، ومن هنا يظهر اختلاف الشيخ مع
¬__________
(¬1) -امحمدأطفيش: شرح النيل8/ 75.
(¬2) - ابن رشد: البيان والتحصيل7/ 86.
(¬3) -البهوتي: كشاف القناع3/ 185، ابن قدامة: المغني4/ 45.
(¬4) -امحمدأطفيش: شرح النيل8/ 75.
(¬5) -امحمدأطفيش: المرجع السابق نفسه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق