بعض فقهاء المالكية (¬1) والحنابلة (¬2) الذين ذهبوا إلى تحريم كلّ صور البيع التي يعود فيها المبيع إلى البائع الأوّل بأقلّ ممّا اشتراه، سواء أكان ذلك من المشتري الأول أم من غيره ولو من دون قصد أو تحيّل إلى الوصول بالبيع إلى الربا المحرّم. ذلك أن التحريم كان على أساس من إعمال قاعدة سدّ الذرائع التي تستند إلى أمرين اثنين: الأول ذاتي، وهو وجود الباعث غير المشروع والقصد السيئ إلى الربا، والأمر الثاني، وهو موضوعي، وهو وجود ربح مقابل الأجل وكثرة الوقوع وتذرّع الناس إلى الربا بعقد البيع، ومن هنا جعل الإمام الشاطبي هذا الأمر من النوع السابع من القسم الذي يلزم عن الذريعة إضرار بالغير، يقول رحمه الله: «الوجه السابع أن لا يقصد المكلّف ضررا ولا يلحقه بالمنع من التصرّف ضرر ويكون حصول المفسدة كثيرا لا غالبا وذلك كبيع الآجال أو بيع العينة فالأصل فيها هو الصحة والجواز ... إلا أنّ الإمام مالك اعتبره من سدّ الذرائع، (¬3) أماّ شيخنا اطفيش فقد قصر الأمر فقط على حالة الباعث غير المشروع دون سواها من الصور التي يحصل فيها زيادة مقابل الأجل، كمن اشترى سلعة ولم تعجبه وأراد التّخلّص منها فباعها للبائع الأوّل، أو باعها لغيره فاشتراها منه البائع الأوّل، فالشيخ يرى إلى المآل، ويكيّف المسألة على وجود القصد المحرّم حتى إذا ما اطمأن الفقيه إلى عدم وجوده؛ رجع الحكم إلى أصله من الجواز والمشروعية، إذ قاعدة الذرائع إنما يُلجأ إليها استثناء للضرورة من أجل الوقوف دون المفاسد الواقعة أو المتوقّعة. ومن هنا لا يمنع الشيخ رجوع السّلعة إلى بائعها الأوّل ولو بزيادة إن لم تكن مقصودة، كما لو اشترى غرضا ثمّ لم يعجبه وأراد بيعه فاشتراه البائع الأول منه بأقل مما باعه له. أو في صورة ما لو وجد البائع الأول البضاعة عند شخص ثالث يبيعها فاشتراها منه بأقل مماّ باعها في البيع الأول.
ثانيا: نكاح التحليل.
نكاح التحليل هو أن يتزوج الرجل امرأة قد طلقت من زوجها للمرة الثالثة قصد أن يحلها لزوجها الأول.
¬__________
(¬1) - ابن رشد: البيان والتحصيل7/ 86
(¬2) -البهوتي: كشاف القناع3/ 185، ابن قدامة: المغني4/ 45.
(¬3) -الشاطبي: الموافقات،2/ 245.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق