وقد اختلفت وجهات نظر الفقهاء المسلمين في حكم هذا النكاح، فذهب الحنفية (¬1) إلى تصحيح العقد وعدم اعتبار الباعث غير المشروع، حتى لو ظهر القصد السيّئ في العقد بأن قال لها: تزوجتك من أجل إحلالك لزوجك الأول، فالعقد صحيح مع الكراهية لوجود أثر في النهي عن التحليل وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لعن المحلل والمحلل به). (¬2)
أما الشافعية (¬3) فإن الإماملم يذكر مسألة التحليل في كتابه "الأم"، إلا أن جمهور الشافعية قد نصوا على وقوع العقد باطلا إذا ذكر الشرط في العقد، أما إذا لم يذكر فإن العقد يقع صحيحا؛ لأن العقد إنما يبطل بالشرط وهو غير موجود فيه، كما لو اشترى عبدا وشرط عليه بيعه لم يجز، أما لو اشتراه بنية بيعه جاز.
وشيخنا اطفيش (¬4) يذهب مذهب المعتدين بالباعث غير المشروع، والمعتبرين للقصد والمقاصد في الأحكام، والناظرين إلى مآل الحكم ونتائجه في الواقع العملي البعيد، فقد وافق اجتهاده موقف المالكية (¬5) الذين ذهبوا إلى أن عقد التحليل يقع باطلا، ولا ينتج آثاره الشرعية من إحلال المرأة لزوجها الأول، حتى ولو كان قصده خيرا من إصلاح ذات البين.
وهو موقف مذهب الحنابلة (¬6) نفسه في تحريم وبطلان عقد التحليل إذا ظهر شرط التحليل في العقد أو نواه في قلبه ولم يظهره فالتحليل حرام ديانة باطل قضاء.
ومن خلال موقف الشيخ اطفيش من نكاح التحليل يظهر اجتهاده المقاصدي، ونظره إلى المآل، وتكييف المسائل بنتائجها عندما تدل قرائن أو تحتف بالمسألة أمور تنبئ وتخبر بوجود مفسدة واقعة أو متوقعة، أو ضرر يربو وتزيد على المصلحة، فدفع المفاسد أولى من جلب المصالح؛ بل إن تحريم التحليل لا يقتصر عند الشيخ اطفيش على طرفي العقد وهما المحلل والمحلل له، وإنما يتجاوزه إلى كل من ساهم في هذا العمل الشنيع من الولي والشهود، فإنّه يحرم عليهم أن يباركوا هذا الزواج بشهادة أو مباشرة للعقد، (¬7) لأن مآله هو مناقضة قصد الشارع في الأحكام بأن تتخذ آيات الله وأحكامه هزؤا فتُسخّر لغير ما شرع لها، فالله جعل
¬__________
(¬1) - الكاساني: بدائع الصنائع،3/ 187، ابن الهمار: شرح فتح القدير، 3/ 173، الزيلعي: تبين الحقائق، 2/ 258.
(¬2) - سنن أبي داود 2/ 227، النسائي: سنن النسائي، 6/ 187، الترمذي: سنن الترمذي، 1/ 437.
(¬3) - النووي: المجموع، 16/ 249.
(¬4) - امحمدأطفيش: شرح النيل7/ 370.
(¬5) - ابن رشد: بداية المجتهد، 2/ 44، سحنون: المدونة الكبرى، 2/ 211.
(¬6) - محمد بن مفلح: الفروع، 5/ 215، ابن قدامة: المغني، 7/ 573.
(¬7) -امحمدأطفيش: شرح النيل7/ 370.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق