وإذا كان حكم المراعين للمآل ونتائج تصرفات المكلفين في مسألة التحليل هو الأقرب للصواب لموافقته مقاصد الشريعة في الأحكام؛ فإن هناك مسألة تستدعي منا التوقّف عندها وهي أثر العلم بالتحليل وعدمه في الحكم على عقد التحليل.
فقد ذكر المالكية (¬1) والحنابلة (¬2):أن نكاح المحلل باطل، سواء أشرط ذلك أم نواه، وسواء أعلم الزوجانبذلك أم لم يعلما. لأنّ التّحليل لا يكون بنكاح رغبة، فقد حكموا على عقد التحليل بالبطلان علم القصد السيئ من العقد أو لم يعلم. فإنك ترى أن حكم قصد التحليل ومباشرته من طرف المحلل وحده دون علم للزوج الأول المحلل له ولا للزوجة أو دون تواطئهما في ذلك هو البطلان جزاء لهذا الزواج المبني على القصد السيئ, اعتمادا على الذاتية المبنية على النية وحدها دون دليل آخر موضعيأمر غير مقبول، لأن البطلان جزاء مدني غير التحريم, فالأول حكم قضائي يُحكم به استنادا على أدلة مادية موضوعية ترجّح البطلان على الصحة. أما الثاني فحُكمٌ دينّي مبنّي على سلامة وصدق القصد, وحكمه التحريم والتأثيم الأخرويان ولا علاقة لهما بالبطلان كجزاء قانوني.
فالجمهور قد حكموا على عقد التحليل في حالة عدم علم الباعث غير المشروع بالبطلان دون أي دليل موضعي يعطي للقاضي صلاحية التدخل لإبطال العقد والحيلولة دون تنفيذه.
والذي يبدو للباحث هو أنّه إذا كان الباعث في عقد التحليل غير معلوم للعاقدين. ولم يكن هناك أي دليل يدل على وجوده. فإنّ الحكم هو صحة ذلك العقد قضاء, وثبوت جميع آثاره، ومنها حل الزوجة للمطلق الأول إذا طلقها الزوج الثاني.
ودليل ذلك
1) قوله تعالى: {فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنم بَعْدُحَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]، فإنّ الله قد أحلّ المطلقة لزوجها الأوّل بعد أن تنكح زوجا غيره. والجمهور متفقون على
¬__________
(¬1) -ابن رشد: بداية المجتهد، 2/ 44، سحنون: المدونة الكبرى، 2/ 211.
(¬2) - محمد بن مفلح: الفروع، 5/ 215، ابن قدامة: المغني،7/ 573.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق