يقف الإباضية من الخوارج مواقف مختلفة، فهم يعلنون البراءة منهم، ولا يخالطونهم في مجالسهم، ويمنعون أتباعهم في الاقتداء بهم، وقد برز هذا عند علماء الإباضية الأوائل على غرار جابر بن زيد الأمام المنظر للمذهب الإباضي الذي ناظر الخوارج وخالفهم، ونجد كذلك عبد الله بن إباض الإمام الحركي للدعوة الإباضية يوجه رسالة إلى عبد الملك بن مروان يصرح فيها بأنه وأصحابه يبرؤون من الخوارج ممثلين في نافع بن الأزرق رأس الخوارج (63).
ونجد في كتب التاريخ تلازما متضادا بين الإباضية والخوارج تتراوح فيه العلاقة بين المدّ والجزر، ولكنها دوما محكومة بالشدّة والتوتر إلى درجة التناقض، وقد لخصها الشيخ اطفيش بقوله: «والخوارج -قبحهم الله- قالوا: إن نصب الإمام غير واجب، وأنه يجب على أن يقيموا كتاب الله فيما بينهم» (64). كما كتب كتابا إلى إخوانه في عمان ضمنه ردّا على الصفرية والأزارقة ومن نحا نحوهم، حيث بيّن فيه حقيقة الخوارج، وكشف فيها عيوبهم وفساد ما ذهبوا إليه، بل تجاوز ذلك أحيانا إلى لعنهم خاصة في مخالفتهم لإجماع الصحابة والتابعين، وسبهم لعائشة رضي الله عنها ...
وعلى الرغم من أن الإباضية يتفقون والخوارج في قضيتي رفض القرشية، واعتبار التحكيم خطأ؛ فإنهم يخالفونهم في غير ذلك خلافا جوهريا، فالإباضية لا يحكمون على أهل التوحيد بالشرك لارتكابه معصية، ولا يستخدمون سيفا على أحد من أهل القبلة كما هو حال الخوارج، وعليه فإنه بالرغم من النشأة المشتركة للمذهبين تاريخيا، فإن الأمر لا يجوّز التسوية بينهما ولا حتى الانتساب لبعضهم بعضا، وقد عدّ أحد الدارسين الخلافات حتى بلغت أكثر من عشرة مفارقات، تدعم ما ذهبنا إليه من أن لا رابط اليوم بين الفريقين.
المطلب الثاني: دور المذهب الإباضي في إثراء الحركة الفكرية والدينية ببلاد المغرب:
إن ظهور المذهب الإباضي في زمن مبكر (ق2هـ) ببلاد المغرب وتعاقب العلماء ورجال الفكر على هذه المناطق وتواصل حركة الإشعاع؛ مكنّ هذا المذهب من الانتشار والتواصل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق