وقد تعاظم دور المذهب في عهد الدولة الرستمية، ورغم ما مرّ بها من محن على يد الشيعة ... (أبو عبد الله الشيعي)؛ فإن نشر المذهب تواصل في كتمان وسرية، ومما ساعد على هذا التواصل والانتشار هو ما امتاز به الإباضية من سلوك بلورة في نظام سياسي جامع للعلم والاجتماع والاقتصاد وهو نظام العزابة (65) الذي حفظ للمجموعة كيانها ونظم شؤونها، ويتمثل في تكوين هيئة محدودة العدد، لها صلاحية شاملة على شؤون المجتمع، تمثل مجلس الشورى عند الظهور، ومهام الإمام عند العمل السري.
بادر الإباضية بتأسيس مدينة لهم (مدينة العطف سنة1011م)، ثم تلتها غرداية سنة1086م، ومن مهام هذا النظام أن حافظ على وحدة المجموعة رغم تباعد أصقاعها من جربة إلى عمان فجبال نفوسة ووادي ميزاب ووارجلان، حيث مثلت هذه المناطق أقطابا تربوية ومنارات علمية حافظت على المجموعة وطورت مناهجها، ومثلت في الآن نفسه مناطق إشعاع على ما حولها من المدن داخل الجزائر وخارجها، ولا زال وادي ميزاب موطن شيخنا يؤدي هذه المهمة، إذ يعتبره بعض الدارسين المعقل الأبرز إلى جانب غرداية، للإباضية ببلاد المغرب.
إن ما قدمه علماء الإباضية من تأليف وشروح ودروس في مختلف الأماكن التي مرّوا بها، ... والتي استوطنوها، وما تميّز به عطاؤهم من دقة وشمول، واتسم به وضعهم الاجتماعي والأسري من ترابط وتواصل رغم مراحل الفتور أحيانا؛ إنما يمثل حلقة بارزة وشحنة إضافية في تطوير الحياة الفكرية والنشاط العلمي والديني والتربوي بصفة عامة ببلاد المغرب الإسلامي.
كما أن وعي علماء الإباضية ومفكروها جعلهم يشعرون بجسامة المسؤولية في الحفاظ على المذهب، بالتطوير والنقاش وفتح جسور التواصل مع بقية المسلمين، من فرق إسلامية أو مذاهب فقهية، والاستماع إلى الرأي الذي يهدي ولا يلزم، ينقد ويضيف لا ينتقد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق