ومن بين الوسائل التي اعتمدتها الخطة الاستعمارية كانت الحركات التبشيرية للمسيحية في الجزائر كلها بهدف طمس معالمها الثقافية وهويتها الدينية، ففي سنة 1872م تمكن الآباء البيض أولا من الإقامة في متليلي، وبعد فترة قصيرة استطاعوا كراء بيت في بني يسجن، فكان رد فعل اطفيش صارما إذ أمر بسد باب البيت ببناء حائط عليه، فلا يجدون للخروج منه سبيلا! (¬2)، وكذلك من بين المعلومات التي تؤكد على الموقف الصارم للقطب هو شهادة أحد الآباء البيض "لويس دافيد" الذي أشار إلى جهاده الدفاعي ضد الوجود الاستعماري في وادي ميزاب، ففي سنة 1884م سكن الآباء البيض بالحي اليهودي بغرداية وأسسوا مدرسة لتعليم الأطفال، فيشير هذا الكاهن أن اطفيش كان يحرض ضدهم الناس ويبين خطورتهم على المجتمع الجزائري وقوة تأثيرهم على الأفراد، لأن هؤلاء -حسب رأيه- بمقدورهم أن يصوّروا اللون الأبيض أسودا عن طريق بلاغتهم اللغوية، إلا أن "لويس دافيد" يؤكد أن بعض التلاميذ المزابيين كانوا يأتون سرا إلى المدرسة من أجل التعلم وهذا بموافقة أولياء أمورهم (¬3). كما أن "لويس دافيد" يشير إلى حدث آخر لعب فيه اطفيش دورا فعالا يظهر موقفه النابذ للاستعمار، حيث إن أحد المزابيين منع ابنه من مواصلة الدراسة في المدرسة الفرنسية، لأن أحد المعلمين ملحد ينفي وجود الله تعالى، فكانت ردة فعل اطفيش
¬__________
(¬1) أبو القاسم سعد الله: تاريخ الجزائر الثقافي، ج 7، بيروت 1998، ص 15.
(¬2) يعتمد اطفيش في تبرير موقفه هذا على قرار مجلس عزابة بني يسجن الصادر في سنة 1776 الذي يمنع إطلاقا أي مزابي إباضي من كراء بيته، أو قطعة أرضية لإنسان غير إباضي، وفعلا يعتبر إلي يومنا هذا قصر بني يسجن المكان الوحيد -بالمقارنة مع القصور الأخرى- الذي لا يقطنه أي إنسان ليس مزابيا.
A.- M. Goichon: La vie féminine au Mzab, Tome II, Paris 1927 - 1931, S. 8; Aix-en-Provence (AOM): Dossier 12H17.
(¬3) David: Le cheikh, S. 25.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق