كان الاهتمام الفرنسي بالصحراء الجزائرية نابعا من مخططاتها الهادفة إلى السيطرة على المنطقة لما تحتويه من ثروات طبيعية هائلة، وبالتالي فقد استفادت من هذه الدراسات في تجسيد سيطرتها على المنطقة واستغلال مواردها.
وإذا سلمنا بأن منطقة مزاب فقيرة من حيث الموارد الطبيعية التي تسعى فرنسا لاستغلالها، فإن اهتمام هذه الأخيرة بالاستحواذ على المنطقة يدخل ضمن استراتيجيتها التوسعية التي تشمل الفضاء الجغرافي والإنساني.
وتجدر الإشارة إلى أن المزابيين كانوا من أوائل الجزائريين الذين قاوموا الاستعمار الفرنسي منذ دخوله صيف 1830، في سيدي فرج واسطاوالي، وانضم الكثير منهم إلى الأمير عبد القادر في حربه ضد الاستعمار وتفانوا في الدفاع عن الوطن، كما قاوموا الحملة التي وجهت لاحتلال قسنطينة1837، واستماتة أهل مزاب في الدفاع عن حرية وسيادة الجزائر يدخل ضمن شعورهم الوطني بوحدة هذا الشعب والوطن.
وبعد سقوط الأغواط في يد الفرنسيين في ديسمبر1852، توقع سكان وادي مزاب وأعيانها تقدم الفرنسيين نحوهم لأسباب متعددة، منها دورهم الكبير في مقاومة التوسع الاستعماري بشمال البلاد، وتقديمهم يد المساعدة للشريف محمد بن عبد الله للهروب من الأغواط باتجاه وارجلان مما جعل فرنسا تفرض عليهم حصارا اقتصاديا (¬2).
بعد هذه الحادثة التي كانت بمثابة الإنذار المسبق لمزاب؛ قررت جماعة من الأعيان ممثلين للمدن السبعة لقاء الحاكم العام راندون (¬3) " Randon"، وعرضوا عليه معاهدة تجارية لكنه رفضها في رسالة وجهها إلى كونفدرالية بني مزاب كما سماها " Confédération des Beni Mezab" موقعة بتاريخ 24/ 01/1853 (¬4)، وعرض راندون في المقابل على المزابيين قبول معاهدة الاستسلام بما تحويه من ضمانات لهم، أو المواجهة مع فرنسا.
لقد أحدثت هذه الرسالة نقاشا حادا في غرداية، حيث انقسم سكانها إلى فريقين؛ الأول يرى ضرورة توقيع المعاهدة مع فرنسا لأن ذلك يحفظ عاداتهم وتقاليدهم، والقيام
¬__________
(¬1) عمراوي احميدة، 2004، ص 93 - 95.
(¬2) ابراهيم حاج محمد، 2010، ص80.
(¬3) شغل راندون " Randon" منصب حاكم عام على الجزائر بين 11 ديسمبر 1851 و24 جويلية 1858.
(¬4) مصطفى حمودة، 2009/ 2010، ص22.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق