الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ حَفِظَ حُجَّة» (¬1).
المبحث الثاني: الخبر المردود وأنواعه.
الحديث الضعيف: عرفه اطفيش بأنه: «ما لم تجتمع فيه صفات الصحيح أو الحسن»، ثم قال «قاله ابن الصلاح» (¬2)، وعرفه في كتاب وفاء الضمانة بتعريفين فقال: «والضعيف ما لم يجتمع فيه شروط الصّحة والحسن»، ثم قال: «وإن شئت فقل الضعيف ما قصر عن درجة الحسن» (¬3).
ويذكر القطب اطفيش أنّ من أنواع الضعيف: المهمل، ويحدّ المهمل بأنه: «ما روى من غير العدل» (¬4)، قال: «ويسمّى المردود» (¬5)، وأكد على أن الضعف تارة يكون في السند وتارة يكون في الكلام المرويّ (¬6)، وكذلك يذكر السالمي واطفيش المضَّعَف، ويعرفانه بأنه ما لم يُجتمع على ضعفه، بل في متنه أو سنده تضعيف لبعضهم وتقوية للبعض الآخر (¬7)، قال اطفيش: «وهو أعلى من الضعيف» (¬8).
الحديث المنكر وحكمه: أصل معنى الإِنْكارُ هو الجُحُودُ، والنَّكِرَةُ: إِنكارك الشيء، وهو نقيض المعرفة أو خلاف المعرفة، وتقول نَكِرَ الأَمرَ نَكِيراً و أَنْكَرَه إِنْكاراً و نُكْراً: جهله (¬9)، وفي الاصطلاح نجد رأيا من الآراء الاصطلاحية التي ذكرها علماء المصطلح في حدّ المنكر عند اطفيش إذ حدّ المنكر بقوله: «والمنكر الصواب فيه أنّه بمعنى الشاذّ» (¬10).
وهذا يتوافق مع أحد الأقوال الشهيرة لدى علماء المصطلح وهو إطلاق النكارة على التفرد مطلقا، وخلاصة حّده الذي حدّه أبو بكر أحمد بن هارون البرديجي في تعريفه له بأنه الحديث الذي انفرد به راويه، ولا يعرف متن ذلك الحديث إلا من ذلك الطريق الذي رواه به فقط. وعلى إطلاق النكارة للتفرد جرى بعض المحدثين ومنهم أحمد بن حنبل وأبو داود والنسائي (¬11)، وقد تعددت إفادات العلماء في هذه النظرة وإن اعترض بعض الباحثين بأن هذه النظرة ليست صحيحة (¬12).
الحديث المدلس والمنقطع والمعضل والمعلل:
التدليس: ورد لفظ دَلْس بمعنى الخديعة، ويقال: دَلَّسَ لي سِلْعة سَوْءٍ، والتَّدْليسُ:
¬__________
(¬1) اطفيش، شرح النيل، 12/ 256، عند تعليقه على حديث ضالة الغنم أو الإبل وإيراده قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَأْوِي ضَالَّةَ الْإِبِلِ إلَّا ضَالٌّ). والمحفوظ في كتب الرواية بلفظ: (لا يأوي الضالة إلا ضال). ر: أبو داود، السنن، 2/ 139 (1720)، الطحاوي، شرح معاني الآثار، 4/ 134.
(¬2) اطفيش، كتاب جامع الشمل، ص415. وانظر: ابن الصلاح، علوم الحديث، ص41، وجرى على تعريف ابن الصلاح كثير ممن دونوا في علم المصطلح من علماء الحديث كابن جماعة في المنهل الروي والطيبي في الخلاصة والعراقي والنووي والسيوطي وغيرهم. ابن جماعة، المنهل الروي، ص38، الطيبي، الخلاصة، ص48، العراقي، التقييد والإيضاح، ص62، السيوطي، تدريب الراوي، 1/ 179.
وقد عَدّ السيوطي شروط الصحيح والحسن ستة وعبر عنها بصفات القبول الستة و"هي الاتصال والعدالة والضبط والمتابعة في المستور وعدم الشذوذ وعدم العلة". ر: السيوطي، تدريب الراوي، 1/ 179.
(¬3) اطفيش، وفاء الضمانة، 1/ 11، ومن المحدّثين من عرّف الضعيف بأنه ما لم يجمع صفات الحسن، وقد حدّه بذلك ابن دقيق العيد ومال إليه السيوطي في التدريب. ر: السيوطي، تدريب الراوي، 1/ 179.
(¬4) اطفيش، كتاب جامع الشمل، ص 427.
(¬5) م. س، ص427.
(¬6) م. س، ص415.
(¬7) السالمي، شرح طلعة الشمس، 2/ 50، اطفيش، كتاب جامع الشمل، ص414.
(¬8) اطفيش، كتاب جامع الشمل، ص414.
(¬9) ابن منظور، لسان العرب، مادة نكر، 5/ 233.
(¬10) اطفيش، كتاب جامع الشمل، ص417.
(¬11) ر: الذهبي، الموقظة في علم مصطلح الحديث، ص42، ابن حجر، نخبة الفكر، 1/ 229.
(¬12) صرح عدد من العلماء وفي مقدمتهم ابن حجر بوجود هذه النظرة للمنكر وأنها تساوي التفرد عند عدد من المتقدمين؛ وإلى القارئ عددا من النقول تؤكد ذلك:
أشار الحافظ ابن حجر إلى هذا الأمر في مواضع عدة منها:
1 - ... "روى الآجري عن أبي داود عن أحمد أنه قال: منكر الحديث، قلت: هذه اللفظة يطلقها أحمد على من يغرب على أقرانه بالحديث، عُرف ذلك بالاستقراء من حاله؛ وقد احتج بابن خصيفة مالكٌ والأيمة كلهم" ر: ابن حجر، هدي الساري، ترجمة يزيد بن عبد الله بن خصيفة، ص453.
2 - بعد ذكره لقول أحمد فيه "يروي أحاديث مناكير": (قلت: المنكر أطلقه أحمد بن حنبل وجماعة على الحديث الفرد الذي لا متابع له، فيُحمل هذا على ذلك، وقد احتج به الجماعة". ر: ابن حجر، هدي الساري، ترجمة محمد بن إبراهيم التيمي، ص437).
3 - قال ابن حجر: قال البرديجي: منكر الحديث؛ قلت: أوردت هذا لئلا يُستدرك علي، وإلا فمذهب البرديجي أن المنكر هو الفرد، سواء تفرد به ثقةٌ أو غيرُ ثقة، فلا يكون قولُه "منكر الحديث" جرحاً بيناً، كيف وقد وثقه يحيى بن معين). ر: ابن حجر، هدي الساري، ترجمة يونس بن القاسم الحنفي، ص455.
4 - قال ابن حجر: موجهاً بل مؤولاً هذا التعليل من الحافظ البرديجي: (لم يبين -أي البرديجي- وجه الوهم، وأما إطلاقه كونه منكراً فعلى طريقته في تسمية ما ينفرد به الراوي منكراً، إذا لم يكن له متابع). ر: ابن حجر، فتح الباري، 12/ 134.
5 - قال ابن حجر: "ومراد القطان بالمنكر الفرد المطلق"؛ قال ذلك عقب نقله عن يحيى بن سعيد القطان قوله في قيس بن أبي حازم (منكر الحديث). ر: ابن حجر، تهذيب التهذيب، 8/ 389.
ولا يفوتنا هنا تعريف البرديجي نفسه للمنكر إذ قال:"المنكر هو الذي يحدث به الرجل عن الصحابة، أو عن التابعين عن الصحابة، لا يُعرف ذلك الحديث، وهو متن الحديث، إلا من طريق الذي رواه، فيكون منكراً"؛ ويعلق ابن رجب الحنبلي على التعريف بقوله: (ذكر -أي البرديجي- هذا الكلام في سياق ما إذا انفرد شعبة أو سعيد بن أبي عروبة أو هشام الدستوائي بحديث عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كالتصريح بأنه كل ما ينفرد به ثقة عن ثقة ولا يعرف المتن من غير ذلك الطريق فهو منكر، كما قاله الإمام أحمد في حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن بيع الولاء وهبته". ر: ابن رجب الحنبلي، شرح علل الترمذي، 1/ 450.
إن كل هذه النقول تؤكد وجود هذه النظرة في الحديث المنكر.
Post Top Ad
الأحد، 7 مارس 2021
الرئيسية
دروس مستفادة من حياة العلاَّمة اطفيش القطب الجزائري
97 دروس مستفادة من حياة العلاَّمة اطفيش القطب الجزائري الصفحة
97 دروس مستفادة من حياة العلاَّمة اطفيش القطب الجزائري الصفحة
التصنيف:
# دروس مستفادة من حياة العلاَّمة اطفيش القطب الجزائري
عن MaKtAbA
دروس مستفادة من حياة العلاَّمة اطفيش القطب الجزائري
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
Post Top Ad
عن المحرر
مرحبا! أنا أسمي محمد أعمل هنا في مدونتي وأشارك معكم كل جديد على الانترنت لتعم الفائدة على الجميع وإثراء المحتوى العربي، يسرني دائمًا تلقي ملاحظاتكم وإستفساراتكم من خلال نموذج الأتصال :)

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق