يخلف بن يخلف وعلي بن يخلف - مكتبة أهل الحق والإستقامة

أحدث المشاركات

Post Top Ad

Post Top Ad

الثلاثاء، 20 أبريل 2021

يخلف بن يخلف وعلي بن يخلف


ومنهم يخلف بن يخلف وابنه علي رحمهما الله، أما الشيخ فعلامة نسابة، ذو خشوع وإنابة، وأجوبة في فنونه معلنات الإصابة، وأدعية سريعة الإجابة، وفتوة على ذي الجنابة والغرابة، يستطيب بذل المعروف كل الاستطاب إن كهم قلمه فاللسان قد حدث الآداب غرابة، وأما الابن ففصيح اللسان، ذكي الجنان، كثير الإصابة والبيان، ممن يقلد في فنون الآداب وعلوم الأديان.



مكانة الشيخ يخلف لدى أهل الدعوة وغيرهم:



وحدثني من لا اتهم أنه كانت جماعة البربر وجماعة العرب من قبائل مختلفة، ومذاهب مفترقة يقصدون الشيخ يخلف، فيجتمعون عنده أفواجاً يقضي بينهم في الجراحات وغيرها، كلهم راضون بحكمه، لا يرغب عنه أحد لمخالفة مذهبه، ولا يرد عليه قوله، وأما سكان الحاضرة فكانوا مفتقرين إلى علمه، وحدثني أبو عبدالله بن بهلول النفطي قال: ورد بعض الزوار على شيخنا أبي علي حسنون بن محمد النفطي، قال: فأخذ جلساؤه من أهل بيته نفطة في ذكر مناقب يخلف العزابي وبنيه وأهل بيته، فأوسعوا في القول والزائر الغريب يستحسن ويستغرب، حتى قال أحد الجلساء للشيخ: أترى يا سيدي أنهم يرجى لهم الخير عند الله لهذه الأوصاف؟ وهم على ذلك المذهب فلم يجبه بغير الصمت؟ فقال الزائر للشيخ: يا سيدي وما مذهبهم؟ قال الصلاح، وانقطع الكلام.



وحدثني أبو الربيع عن أبيه قال: قبلنا يوماً أنا والشيخ يخلف من جنته بغابة نفطة فلقينا محمد بن عمرن والد أبي علي المرابطي فسلم، وسأل عن الحال، ثم قال: يا يخلف ما منزلتي عندكم جملة العزابة؟ قال: منزلة مشمش ومفشفش يعني جلوازين حسينين كان بين يدي قاضي نفطة، فاستعظم ذلك لما سمعه وكرهه، ثم قال: بماذا؟ قال: لأنك تقول تدخل النار ثم تخرج منها، وهما يقولان أنهما يدخلان النار ثم يخرجان منها، فانبسط بعد الانقباض، فقال: أهاهنا عدت؟ قال: نعم، قال: والله إنكم لمعذورون وإن حجتكم لقاطعة.



وقوع الشيخ والركب الذي معه في ضائفة عند رجوعهم من الحج:



وحدثني أبو الربيع عن أبيه قال: لما قفلنا من أرض الحجاز بعد قضاء الحج ووصلنا الإسكندرية وقد قل ما بأيدينا فأجمع الرأي على الخروج من زي هؤلاء المشاة، لأنا لا نقدر على ركوب البحر، ولا نجد ما نشتري به أبعرة، فنحمل عليها، فاقتضى نظر الشيخ أن اشترينا بثمن ما بعناه من ثيابنا ومن فضلة ما بأيدينا سقط المتاع كالإبر والمسلات وما خف من عطر، ثم خرجنا متوجهين إلى المغرب ونحن نسير في قبائل الأعراب كل يوم، فإذا كان في آخر النهار بعنا فيما والانا من الأحياء بما نقتات به من ذلك السقط، فما خرجنا من برقة إلا وقد نفذ الزاد، وانقطع الأحياء من طريقنا، وليس لنا رفيق ولا دليل إلا الله تعالى، وقال لنا الشيخ يخلف: توكلوا على الله واستخيروه وسيروا، قال: فسرنا في مهامه لا شيء فيها، فربما وجدنا من المباح ما نقتات به مما تنبت الأرض، وسلكنا جزراً لا نبات بها وليست بمسلك معتاد لسالك، فسرنا يومين أو ثلاثة، وليس منا من ذاق طعاماً، فلما كان في ضحى الثالث أو الرابع قام إمامنا شيء لونه مخالف للون الحمرة، فتيممناه حتى وقفنا عليه، فإذا هو لبنة من جنب عجيب، قال العزابة: ما ترى في هذا؟ فقال الشيخ يخلف: ما هذه بأرض عمارة، ولا بطريق فنقول لعل لـه رباً، وما هذه إلا كرامة أكرمكم الله بها، فاقبلوا كرامته، ثم تناول ذلك الجبن فقسمه بخنجر كان عنده على عددنا، ثم تقدم يقطع الأرض، ونحن نتبعه، وقد اقتات كل واحد منا بنصيبه، ثم تمادينا نجد السير إلى الغد، وقد كدنا نهلك جوعاً فشكونا إليه ما أصابنا فأخرج من جيبه ما كان أخذ بالأمس فإذا هو لم يذقه، فقسمه على عددنا وأكل معنا سهمه من هذه القسمة الثانية، ثم سرنا غير طويل فلطف الله بنا ووصلنا ما والانا من البلاد على أحسن حال، والحمد لله.

وسمعت جماعة ممن أدركه وممن أدرك من أدركه يروون عنه ألفاظاً من منثور الحكم هو منشئها لو قيدت صارت دواوين كلها نافعة للدنيا والدين، وكان ابنه قد أسرع التنقل عن سلوك طرقة المتفحصين إلى النظر في علوم الدين، وبقي أصحابه جاعلين شعارهم الأشعار، فربما عاتبهم على ذلك وبين أن في الاستغراق في الغر والعار، وهم يصدون عنه، ولا يسمعون منه فمنهم الخلف بن الخلف المنبوز بالزناد الوارجلاني، وعظه يوماً فقال: أقلع عن هذه الأشعار فقد أكثرت، واشتغل بالفقه، فقال مرتجلاً:



اشتغال الشيخ بالفقه وميل بعض أصحابه إلى الأشعار:



دعني بفقهك يا ابن يخلف إنني رجل غدا بفوائد الأشعار



إن التفقه والتنسك والتقى أنساك ذكر الخرد الأبكار



ولا أقول إن هذا في الزناد مجون أو نقلته مما عبر عنه لسان شجون، بل إنما حنينه إلى الأدب فجعل لـه صفات الحجون.



مقابلة مع ابن العمودي المتصوف:



وكان القاضي عمر بن غزوة النفطي يقول لـه: ما رأيت مثل علي بن يخلف من الناس، فمن عجيب ما رأيته منه أن أبا القاسم بن العمودي كان من مشائخ المتصوفين قدم من توزر ومعه طلبته، فأكرمه طلبة نفطة وصوفيتهم وبالغوا في إكرامه، فقلت: لا ينبغي أن يغيب أبو الحس علي بن العزابي عن مثل هذا الحضور، فأحضرته وقد حضروا، فلما رآه ابن العمودي قال لي من هذا الجالس معنا؟ قلت: هذا الفقيه أبو الحسن ابن العزابي، فقال: أهو من الذين يبغضون علياً؟ فلما قال ذلك رأيت ظلمة حالت بين وبينه وندمت على الاشتغال بإكرامهم أو إذا اشتغلت بإكرامه، لم جنيت على نفسي وعلى صاحبي فما أغناني وإياه عن هذا الحضور، فلما سمع علي منه هذا قال لـه: من أنباك هذا يا شيخ؟ قال: كذا يذكرون عنكم، قال: فهل رأيت أحداً يسمي وليه باسم عدوه؟ قال: لا، قال: كان أبي من فقهاء الوهبية وقد سماني علياً، قال: ثم أخذ معه في مذاكرة تشفي الصدور، حتى استمال قلبه ومالك لبه، فجعلت تلك الظلمة تنجلي حتى صرت في ابتهاج عظيم، ولم يفترقا حتى قال أبو الحس: أريد أن لا تفارقني مدة إقامتي بهذا البلد، وانفصل ابن العمودي يحمده ويحمد مذهبه.

سفرة الشيخ إلى غانة ودخول الإسلام إليها على يده:



وحدث جماعة من أصحابنا أن علي بن يخلف سافر إلى غانة سنة خمس وسبعين وخمسمائة، فانتهى إلى مدينة »مالي« فأكرمه ملكها غاية الإكرام، وكان هذا الملك مشركاً وتحته مملكة عظيمة كل أهلها مشركون، وتحته اثنا عشر معدناً يستخرج منها الذهب التبر، فكان الملك قلما يجلس مجلساً إلا أجلسه معه إكراماً لـه، وكان يتعجب من خلقه وخلقه، وكثرة عبادة ومحافظته على دينه، حتى عقد النيلة على الانفصال، وقد قضى حاجته، وكان ذلك في سنة قحط شديد فشكت الرعية ما أصابهم إلى ملكهم، فأمرهم بالاستسقاء فجعلوا يستسقون ويتقربون بقربانهم التي يعتادونها في ملتهم، وذبحوا أنواع الحيان من البقر والغنم والحمير، حتى الأناسي والسنانير، فلم يسقوا، فقال الملك: لعلي ألا تدعو إلهك الذي تعبده أن يسقينا؟« فقال لـه: لا يسعني ذلك وأنتم تكفرون به وتعصونه، وتعبدون غيره، فإن آمنتم به وأطعتموه فعلت ذلك ورجوت أن يسقيكم، فقال لـه الملك: علمني الإسلام وفرائضه حتى أتابعك عليه، وتستقي لنا، فعلمه كيف يقر بالشهادتين فعلمهما.



ثم قال اصحبني إلى نهر النيل ففعل، فعلمه كيف يتطهر فتطهر، ولبس ثياباً طاهرة ورقى به ربوة فوق النيل* فعلمه الصلاة فصلى، ثم قال إن أنا صليت فافعل ما تراني أفعل، وإذا دعوت فقل آمين، فباتا ليلتهما في عبادتهما وضراعة إلى الله عز وجل، فلما كان بعد صلاة الصبح أنشأ الله سبحانه سحابة فما حاولا الانحدار من الربوة حتى حالت السيول بينهما وبين المدينة، فجاءهما زورق في النيل، فركبا حتى دخلا المدينة ودامت السحابة سبعا غير مقلعة تسيح ليلا ونهارا، فزادت المؤمن إيمانا واستدعت إيمان الكافر، فلما رأى الملك صنع الله تعالى دعا جميع أهل بيته إلى الإسلام، فأجابوا ثم دعا أهل المدينة فقالوا: نحن عبيدك فأجابوا، ثم دعا من دنا من المدينة من رعيته فأجاب أكثرهم ثم دعا الأقصين فقالوا: نحن عبيدك ولك منا الطاعة وتتركنا على ما ألفينا عليه آباءنا فسمح لهم، ثم حكم بأن المدينة لا يدخلها إلا من آمن بالله ورسوله ومتى رؤى فيها كافر قتل، ثم قال لـه علمني القرآن وشرائع الإسلام فجعل يعمله حتى تعلم جملة ينتفع بها، فبينما هو عنده في ذلك إذ ورد عليه كتاب أبيه يستدعي منه المجيء ويحجز عليه في الإقامة، فقال للملك: اعلم أني على السفر فقال لا يحل لك أن تتركنا نعود إلى العمى بعد أن أبصرتنا دين الهدى، فقال اعلم أن من فرائض هذا الدين إبرار الوالدين وقد حجز علي والدي المقام، وهذا كتابه فلما رأى جده أحسن منقلبه وانفصل، وبقوا على الإسلام والحمد لله رب العالمين.



ومن عجائب ما يحكى أن يخلف بن يخلف وجماعة من أصحابه صلوا صلاة الصبح بمسجد ربض نفطة فقرءوا ما شاء الله وختموا، وذلك في يوم من أيام الشتاء فقال لهم على وجه الدعابة، والبسط والدلال من يغدينا اليوم وتوليه الإمارة على أنفسنا؟ أومأ إلى موسى بن الياس المزاتي، فقال أنا أغديكم، وأكون أميركم، وكان قريب عهد بالقدوم من البادية وقد صحبه من غلة غنمه ما يجهز به غداءهم فقام فاحتفل لهم بالغداء، فلما أكلوا ودعوا بالبركة، قال لـه الشيخ يخلف أما إمارتك فلا تمكن فإنك واحد منا، ولكن إن شاء الله سيولد لك ولد من الحمل الذي عندكم، وتسميه أفلح على اسم إمام المسلمين، ونرجو أن يكون عنده غنى وتكون فيه بركة إن شاء الله قال رواه هذا الحديث فقدر إن ولد لـه ولد من ذلك الحمل، هذا الشيخ المبارك أبو سعيد أفلح، فسرت فيه همة الشيخ يخلف وأصحابه،

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

تواصل معنا

أكثر من 600,000+ يتابعون موقعنا عبر وسائل التواصل الإجتماعي إنظم إلينا الآن

عن الموقع

author مكتبة أهل الحق والإستقامة <<   مكتبة أهل الحق والإستقامة..موقع يهتم بنشر الكتب القيمة في مختلف الجوانب (فقه..عقيدة..تاريخ...الخ) عند المذهب الإباضية من نتاج فكري.

أعرف أكثر ←

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *