صلاة السفر
السفر هو خروج الانسان من محل إقامته, لغرض من أغراض الحياة, بنية الرجوع. ويعتبر الانسان مسافرا مالم يتخد وطنا جديدا يستقر فيه, وينوي الاقامة الدائمة به, وبقاء الانسان في مكان ما خارج وطنه لمدة طويلة او قصيرة مادام ينوي الرجوع, لا يغير من حقيقة السفر وأحكامه شيئا. ونستطيع أن نتأكد من هذه المعاني للسفر بالرجوع الى كتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام. اما القرآن الكريم فقد جاء فيه على لسان سباء (رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا) وذلك بعد قوله تعالى (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ) فقد اعتبرت المسافات القصيرة بين القرى الظاهرة سفرا مع ان المتنقل بينها قد لايحتاج فيها الى زاد أو ماء أو رفقة فما يخرج من قرية حتى تبدوا له قرية أخرىظاهرة فيصل إليها دون عناء أو بعد عناء يسير وقد يتنقل من هذه القرية الى القرى التي بعدها, قرية بعد قرية, فيسير لياي وأياما على هذه الطريقة المريحة التس قدر العليم الحكيم مسافات السير والاقامة بها. وقد يسافر الى اقرب قرية فيقضي شأنا من شئونه ثم يعود, ومعلوم من الآية الكريمة ان القرى متجاورة لايخفى بعضها عن بعض بل انها لتبدو للناظر ظاهرة في وضوح. والقرآن الكريم يسمي كل ذلك سفرا ماقرب منه وما بعد, على أن هذا القرب وهذا الامن وهذا العمران والازدهار هو ما مله أهل سباء فكفروا بنعمة الله التي أسبغها عليهم. وطلبوا منه تعالى ان يباعد بين اسفارهم فاستجاب الله لهم فابدلهم عن جنتهم جنتين ذواتى أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل. ثم جعلهم أحاديث ومزقهم كل ممزق.
وجاء في الكتاب العزيز قوله تعالى: (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) والسفر القاصد هو السفر المتوسط والآية الكريمة وان كانت لا تنص على تحديد المسافة أو الزمن إلا أنها تدل على أن من السفر سفرا بعيدا ومتوسطا وقريبا. وأن المنافقين قد يذهبون مع الرسول صلى الله عليه وسلم الى السفر القريب او المتوسط اذا كان ذلك سببا للغنيمة أو الكسب ثم يعودون الى منازلهم في المدينة دون تضحية او خسارة أما عندما يكون السفر بعيدا شاقا وفي زمن الحر ولحرب بني الاصفر فهذا ما لا تطيقه عزائم المنافقين, ولا تدفع اليه عقائدهم المخدولة, واراداتهم الواهنة الضعيفة.
والآيتان الكريمتان وان كانتا لا تحددان مسافة او زمنا للسفر إلا أنهما اطلقتا معنى السفر على قطع المسافة القريبة بين القرى الظاهرة أو التي ينشط اليها المنافقون ليحرزوا الغنائم ويعودوا الى اهلهم بالمكاسب دون ان تنالهم مشقةاو يصيبهمم تعب.
أما السنة النبوية المطهرة التي تفصّل المجمل من كتاب الله فقد ورد فيها ما يأتي: اخرج أبي داوود عن طريق أبي هريرة مرفوعا (لايحل لامرأة تسافر بريدا إلا ومعها محرم) واخرج البخاري عن ابن عمر مرفوعا (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ان تسافر فوق ثلاثة أيام الا مع محرم) وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم الا مع ذي محرم).
فهذه الآحاديث الكريمة اطلقت على المسافات التي يقطعها الانسان في يوم أو في ثلاثة أيام سفرا والاحاديث الكريمة هنا لا تحدد السفر وانما تنهى المرأة المؤمنة أن تسافر الا مع ذي محرم وقد نهاها صلى الله عليه وسلم ان تسافر مع اجنبي بريدا أو يوما أو ثلاثة أيام او فوق ذلك والاحاديث تنص على أنه لا يجوز للمرأة مطلق السفر سواء كان بعيدا أو قريبا الا مع محرم. هذا اذا كانت تؤمن بالله واليوم الآخر.
على أنه صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى الظهر بالمدينة اربعا, وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين. وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه انه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذا خرج مسير ثلاثة أميال صلى ركعتين. وذكر أبو سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا سافر فرسخا يقصر الصلاة. والفرسخ ثلاثة أميال. وجاء في مدونة أبي غانم: (أنه روي ان النبي صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة نحو مكة حتى كان بدي الحليفة وبينه وبين المدينة فرسخان, صلى ركعتين ركعتين ثم رجع الى المدينة فقيل له في ذلك فقال عليه السلام انما اردت ان اعلمكم صلاة السفر.) فالسنة القولية والسنة العملية تدلان على ان المسافة التي يعتبر الانسان مسافرا اذا قطعها, هي ما يتراوح بين ثلاثة اميال و أربعة أو هي مايعادل ما بين المدينة وذي الحليفةأو ما يقطعه الانسان في سير عادي بين صلاة الظهر وأول العصر.
فلو خرج الانسان لشأن من شئونه ولم يتجاوز ثلاثة أميال لم يعتبر مسافرا ولاتجري عليه أحكام السفر ولايجوز له أن يفطر أو يقصر الصلاة أما الذي يتجاوز في خروجه من محل اقامته ما يساوي ثلاثة اميال أو أثني عشر كيلو متر أو مايساوي ما بين المدينة المنورة وذي الحليفة أو ما يمكن ان يقطعه الرجل العادي بالسير العادي في الفترة الزمنية التي تقع بين صلاة الظهر وأول صلاة العصر – فهو مسافر مهما كان الغرض الذي خرج من أجله وطبقت عليه احكام السفر فجاز له ان يفطر ولم يجز له ان يصلي الظهر والعصر والعشاء أربع ركعات بل تعين عليه ان يصلي الظهر والعصر والعشاء الآخرة ركعتين ركعتين.
حكم الصلاة في السفر
ان المسافر الذي يتجاوز مسافة السفر, وهو ما يتراوح بين ثلاثة او اربعة اميال يجب عليه ان يصلي الظهر والعصر والعشاء الآخرة ركعتين ركعتين.
ولا يجوز له بحال ان يتم. سواء كان هذا السفر طويلا أو قصيرا, وسواء مكث في مكان ما مدة طويلة, او كان ينتقل من مكان الى مكان, وسواء كان سفره في طاعة او مباح او معصية, مادام ينطبق عليه حكم السفر فلم يتخد وطنا جديدا يستقر فيه استقرارا دائما. هذه هي القاعدة العامة في حكم الصلاة في السفر وسوف أضرب أمثلة واستعرض أحوالا لحياة الناس ليجد كل صنف منهم الحالة التي تنطبق عليه.
1- تاجر يسافر من قريته الى المدينة ليبيع ويشتري, ويقيم في المدينة عشرة أيام أو عشرين أو أقل أو أكثر حتى يبيع ما جاء به من بضاعة ويشتري مايريد من بضاعة اخرى, ثم يعود الى قريته ليواصل عمله التجاري. انه مسافر في كامل المدة منذ خرج من القرية حتى عاد اليها, ويجب عليه ان يصلي الظهر والعصر والعشاء الآخرة ركعتين ركعتين, ولا يجوز له ان يصلي أربعا الا اذا صلى وراء امام مقيم.
2- فلاح سمع بنزول الامطار في أرض من أراضي الحراثة تبعد عن بلده اكثر من ثلاثة أميال فأخذ عدته وذهب للحرث وبقي هناك اسبوعا أو شهرا أو أكثر من ذلك أو أقل انه مسافر يجب عليه ان يصلي الظهر والعصر والعشاء ركعتين ركعتين , ولا يجوز له ان يصلي أربعا وفي حكمه من يذهب للحصاد أو لغيره من شئون الزراعة.
3- جندي أو من في حكمه كالبوليس, اقتضاه واجبه ان يؤدي عمله في مركز حكومي بعيد عن بلده لمدة تطول أو تقصر. انه مسافر يجب عليه ان يصلي الظهر والعصر والعشاء الآخرة ركعتين ركعتين, الا ان يصلى وراء امام مقيم.
4- مدرس عينته وزارة المعارف ليؤدي واجبه المقدس في إحدى القرى أو المدن بعيدا عن بلده سنة دراسية أو أكثر من ذلك انه مسافر يجب عليه ان يصلي الظهر والعصر والعشاء الآخرة ركعتين ركعتين, الا ان صلى وراء امام مقيم.
5- موظف تابع لأي مصلحة من مصالح الحكومة كالداخلية أو الخارجية أو الزراعة أو الأشغال أو الصحة أو العدل أو غيرها من المصالح أرسلته مصلحته ليقوم بعمله الوظيفي بعيدا عن بلده مدة قد تقصر إلى شهور أو أسابيع وقد تطول إلى سنوات. انه مسافر يجب عليه ان يصلي الظهر والعصر والعشاء الآخرة ركعتين ركعتين ولا يجوز له أن يصلي أربعا الا اذا صلى وراء امام مقيم.
6- عامل اضطرته ظروف الحياة الى أن يعمل بعيدا عن وطنه اما في شركة او مؤسسة أو غير ذلك يجد ويعمل ليكسب ما يستطيع ان يعيش به هو وأسرته في بلده الأسلي. انه مسافر يجب عليه ان يصلي الظهر والعصر والعشاء الآخرة ركعتين ركعتين ولا يجوز له أن يصلي أربعا الا اذا صلى وراء امام مقيم.
7- طالب إلتحق ببعض المدارس أو المعاهد تبعد عن بلده فوق ثلاثة أميال انه مسافر يجب عليه ان يصلي الظهر والعصر والعشاء ركعتين ركعتين ولا يجوز له أن يصليها أربعا الا اذا صلى وراء امام مقيم.
هذه صور متعددة لاحوال الناس يكثر وجودها في المجتمع الليبي وفي غيره من المجتمعات لينظر إليها من كانت حاله شبيهة باحدى هذه الحالات فيتخد لنفسه حكمها وهذه الحالات السابقة التي عرضتها لاتخرج عن حكم السفر. وإلى القاريء الكريم صور أخرى حكمها يخالف حكم الصور السابقة أضعها بين يديه ليتأملها اذا شاء.
1- تاجر ضاقت به وبأهله ظروف الحياة في قريته الصغيرة النائية, فانتقل الى العاصمة وفتح لنفسه محلا تجاريا واتخد له ولاهله مسكنا ونقل اليه اسرته واستقر به استقرارا ثابتا دائما وهو لا ينوي الرجوع الى بلده الاصلي بل فضل ان يحيا في هذا الوطن الجديد الذي تيسرت له فيه سبل الحياة انه مقيم, ولم يعد مسافرا وهذا البلد الجديد هو وطنه ولا يجوز له بحال ان يصلي الظهر والعصر والعشاء الآخرة ركعتين بل يجب عليه أن يصليها أربعا.
2- موظف حاول بكل وسيلة ان يترك في بلد معين غير بلده الأصلي وهو قد إتخذ لنفسهه فيه مسكنا أو بسبيل ذلك, ويجب أن يستقر في هذا الوطن الجديد استقرارا ثابتا دائما ولو خير بينه وبين الرجوع الى بلده الأصلي لفضل البقاء حيث هو. انه مقيم يجب عليه ان يصلي الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربع ركعات ولا يجوز له بحال أن يصليها ركعتين.
ويستطيع القاريء الكريم أن يقيس على هاتين الصورتين كل الصور المشابهة لها, فيحكم على أصحابها بأنهم مقيمون فكل من انتقل من بلده الاصلي الى بلد غيره انتقالا كليا وهو عازم على أن يستقر في بلده الجديد استقرارا ثابتا دائما يعتبر مقيما وتسري عليه احكام المقيم فوجب أن يصلي أربعا. ولما كان امتلاك المنازل والسكنى فيها واتخاذ الازواج من البلد الجديد دليلا على حب هذا الموطن الجديد والحياة فيه فقد ذهب بعض العلماء إلى عدم جواز القصر لمن تزوج في بلد أو ملك فيه والى هذا الرأي ذهب أمير المؤمنين عثمان حين تزوج من منى فصلى بها أربعا بعد أن كان يصلي بها ركعتين ركعتين صدرا من خلافته, ويبدو من أحوال الناس ان الموظفين مهما كان نوع وظائفهم والعمال مهما كان نوع عملهم خارج العاصمة يعتبرون مسافرين ماداموا بعيدين عن قراهم الاصليه وعليهم ان يصلوا الظهر والعصر والعشاء الآخرة ركعتين ركعتين الا اذا صلوها وراء إمام مقيم. إما الذين يكونون في العواصم فمن كان منهم مرتبط المصالح ببلده الاصلي وهو يعمل للرجوع اليه ولو امكنته الفرصة لاهتبلها وفرح بها ويقضي إجازته واعياده به فهو مسافر يجب عليه ان يصلي الظهر والعصر والعشاء الآخرة ركعتين ركعتين الا اذا صلى وراء إمام مقيم.
اما من استقر بالعاصمة وأحب السكنى بها واصبح يتخذ مشاريع الاستقرار والحياة الدائمة بها ولا يربطه بوطنه الاصلي شيء اللهم إلا الحنين الغريزي الى الموطن الأول فهو مقيم ولا يجوز له ان يصلي الظهر والعصر والعشاء الآخرة ركعتين بحال من الاحوال.
الادلة على وجوب القصر
في الفصل السابق قدمت لك حكم الصلاة في السفر وقد يكون ذلك الحكم مخالفا لما تعرفهأو لما تعتاده أيها القاريء الكريم ولذلك أردت أن أضع بين يديك الأدلة على صحة ذلك الحكم, وانا حين اضع بين يديك حكم الصلاة في السفر والادلة عليه لا ارجع اله الملخصات الفقهيه في مختلف العصور, وانما ارجع الى خير القرون لانقل اليك حكم الله عز وجل حسب هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسب هدي الرعيل الأول من حملة مشعل الاسلام الذي لا ينطفيء أبدا.فقد أجمع رواة السيرة والحديث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتم في سفر قط سواء كان ذلك السفر طويلا أو قصيرا ولم يأمر بالإتمام قط. ويكفي هذا القدر في معرفة وجوب القصر في السفر, فإن الله سبحانه وتهالى أوجب علينا فريضة الصلاة وترك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان التفاصيلل في الحضر والسفر جميعا. وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (صلوا كما رأيتموني أصلي). وقد نقل الينا أصحابه رضوان الله عليهم أنهم رأوه يصلي في الحضر أربعا لكل من الظهر والعصر والعشاء, وأنهم رأوه يصلي ركعتين في السفر لكل من الظهر والعصر والعشاء وأنهم صلوا وراءه كذلك وانه لم يقصر بهم في حضر ولم يتم بهم في سفر البته. وما كان لنا ان نخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما شرعه الله لنا, ولو كان هناك حكم غير هذا الحكم لصلاة الحضر أو لصلاة السفر لبينه صلى الله عليه وسلم فما يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. ثم ماذا نبتغي بالزيادة عما فعله صلى الله عليه وسلم وداوم على فعله في جميع أسفاره؟ أنبتغي الفضل والتقوى؟ لو كان في ذلك فضل لسبق اليه صلى الله عليه وسلم ونحن انما نلتمس الفضل باتباع هديه والاقتداء به ومن حسب أنه يسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم الى خير, فقد خدعته نفسه, وغره الشيطان. وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم قوله: (والله إني لأارجوا أن أكون أخشاكم لله, وأعلمكم بما أتقى)1
وبعد هذا فاليك أيها القاريء الكريم مايقوله رواة السيرة والحديث لتطمئن الى صحة هذا الحكم:
1- (قد فرضت الصلاة ركعتين ركعتين بمكة فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة زاد مع كل ركعتين, ركعتين. الا في المغرب فانها وير النهار وصلاة الفجر لطول قراءتها وكان اذا سافر صلى الصلاة الاولى) رواه ابن خزيمة واحمد والبيهقي وابن حبان من طريق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها.
2- (صلاة المسافر ركعتان حتى يؤوب الى أهله أو يموت) رواه الخطيب والجصاص.
3- (على المقيم سبع عشرة ركعة وعلى المسافر احدى عشرة ركعة) رواه الربيع بن حبيب.
4- قال عمران بن الحصين (ما سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرا الا صلى ركعتين حتى يرجع, ويقول (ياأهل مكة قوموا فصلوا ركعتين, فأنا في سفر)). وغزا الطائف وحنينا فصلى ركعتين, وأتى الجعرانة فاعتمر فيها, وحججت مع أبي بكر رضي الله عنه فصلى ركعتين, واعتمرت مع عثمان فصلى ركعتين ركعتين صدرا من امارته ثم صلى عثمان أربعا). وروي الحديث من عدة طرق وبالفاظ مختلفة وهذه رواية البيهقي.
5- (كان صلى الله عليه وسلم, اذا خرج من بيته مسافرا يصلي ركعتين ركعتين حتى يرجع) رواه البيهقي عن ابن عباس.
6- فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر) رواه الربيع ومسلم عن أم المؤمنين عائشة.
7- (فرضت الصلاة ركعتين ثم هاجر ففرضت أربعا وتركت صلاة السفر على الأول) رواه البخاري وأحمد وزاد أحمد الا المغرب فانها كانت ثلاثا.
8- (فرض الله تعالى الصلاة في السفر ركعتين وفي الحضر أربعا) رواه مسلم والجصاص.
9- (فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة) أخرجه مسلم والنسائي وأبوداود.
10- (من صلى في السفر أربعا كمن صلى في الحضر ركعتين) رواه أحمد.
11- قال ابن عمر صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يزيد في السفر على ركعتين وابا بكر وعمر و عثمان كذلك) اخرجه البخاري ومسلم وأحمد.
12- (صلاة السفر ركعتان وصلاة الاضحى ركعتان وصلاة الفطر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم) رواه أحمد والنسائي وابن ماجه.
13- (قال ابن عمر وصلاة السفر ركعتان نزلت من السماء فان شئتم فردوها) رواه الطبراني.
14- صلاة السفر ركعتان من خالف السنة كفر) اخرجه الطبراني عن ابن عمر في الكبير برجال الصحيح1
15- قال قتادة: سمعت موسى بن سلمة قال: سألت بن عباس فقلت: اني أكون بمكة فكيف أصلي؟ قال: (ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم) رواه البيهقي.
16- أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم مددا مختلفة في أماكن مختلفة وفي كل ذلك يقصر الصلاة فقد أقام في مكة ثمانية عشر يوما وأقام بتبوك عشرين يوما وأقام بخيبر أربعين يوما على إحدى الرويات وفي كل ذلك يصلي ركعتين ركعتين.
هذا بعض ماورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو عمل واليك أيها القاريء الكريم هدي الرعيل الاول من الصحابة والتابعين.
1- أقام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم برامهرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة.
2- أقام ابن عمر في أذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة.
3- أقام أنس بن مالك بالشام سنتين يصلي صلاة المسافر.
4- أقام عبد الرحمن بن عمر بكابل سنتين يقصر الصلاة.
5- أقام سعد ببعض قرى الشام اربعين ليلة يقصر الصلاة.
6- كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيمون بالري السنة وأكثر يقصرون الصلاة وكانوا يقيمون في سجستان السنتين يقصرون الصلاة.
7- قال الحسن البصري مضت السنة ان يقصر المسافرون ولو أقاموا عشر سنين.
8- قال بوجوب القصر عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وجابر.
هذا أيها القاريء المسلم هدي محمد صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه. وانك لا تستطيع الا ان تسلك سبيلهم وتعرف أن النجاة في الطريق الذي اتبعوه وان شئت أن تستأنس بآراء اهل العلم فاليك ما يلي:
1- قال الصنعاني في سبل السلام عندما تحدث عن حديث عائشة: (في هذا الحديث دليل على وجوب القصر في صلاة السفر, لان فرضت بمعنى وجبت. ونقل عن الهيثمي قوله بعد شرحه لحديث بن عمر, رجاله موثوقون وهو توقيف لا مسرح فيه للاجتهاد.
2- قال ابن القيم في الهدي النبوي: كان يقصر صلى الله عليه وسلم الرباعية فيصليها ركعتين من حين يخرج مسافرا الى ان يرجع الى المدينة, ولم يثبت عنه أنه أتم الرباعية في السفر البتة.
3- قال الأستاذ سيد سابق في كتابه القيم (فقه السنة) المسافر يقصر الصلاة مادام مسافرا, فإن أقام لحاجة ينتظر قضاءها قصر الصلاة كذلك لانه يعتبر مسافرا وان أقام سنين فان نوى الإقامة مدة معينة فالذي اختاره ابن القيم ان الاقامة لاتخرج عن حكم السفر سواء طالت أم قصرت مالم يستوطن المكان الذي أقام فيه. ونقل عن ابن القيم أيضا قوله: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة ولم يقل للامة لايقصر الرجل الصلاة اذا أقام أكثر من ذلكولكن اتفق اتفق إقامته هذه المدة, وهذه الاقامة في حال السفر لا تخرج عن حكم السفر سواء طالت ام قصرت اذا كان غير مستوطن ولا عازم على الاقامة في ذلك الموطن.
4- قرر قطب الائمة وجوب القصر على المسافر وأطال في الاحتجاج لهذا الرأي, ورد ماستند اليه من يقول بالجواز. ثم أورد في كتابه شامل الاصل والفرع صفحة 7 من الجزء الثاني مايلي: (وقد قال مالك بما قلنا من وجوب القصر على المسافر وقد روى في موطاه حديث عائشة: فرضت الصلاة ركعتين في الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر. قال ابن يونس المالكي: ومن المدونة قال مالك: ومن صلى في السفر أربعا أعاد في الوقت, قال سحنون جهلا أو عمدا أو نسيانا. وقال مطرف عن مالك: انه ان اتم نسيانا أو سهوا سجد لسهوه واجرته) انتهى ما أورده القطب أعتقد أن هذا يكفي لمن اراد ان يعرف الحكم الشرعي الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن لم يجد في هذا مقنعا فليرجع الى مصادر الشريعة من كتب السيرة والسنة النبوية, فسوف يجد ما يطمئن اليه القلب. وترتاح له النفس, ويرضى به المؤمن الذي يعلم أنه ليس للبشر أن يحكموا فيما نزل فيه حكم الله. (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ، فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا).
من أدلة القصر أيضا
قال الله تبارك وتعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ) اختلفت آراء العلماء في الإستدلال بهذه الآية الكريمة. فاستدل بها بعض على وجوب التقصير في صلاة السفر, واستدل بها البعض الآخر على جوازه. ومبداء هذا النقاش كان في أزمنة الصحابة رضوان الله عليهم.
اخرج مسلم عن يعلى بن امية قال قلت لعمر بن الخطاب (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ) فقد أمن الناس. فقال- أي عمر- عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: صدقه تصدق الله بها عليكم, فاقبلوا صدقته). ان الآية الكريمة نزلت في صلاة الخوف لا في صلاة السفر وقد أشكلت على بعض الصحابة ومنهم عمر فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابهم بحكم صلاة السفر, وقال: انها صدقة من الله سبحانه وتعالى وانه يجب على المؤمنين قبول هذه الصدقة, فانها نعمة من نعم الله الكثيرة التي يغمر بها عباده, وان من شكر النعمة ان يتقبلها الانسان باستبشار ورضى. وان رد الانسان لنعمة من نعم الله كفر بها. وقد خشي رسول الله صلى الله عليه وسلمان يظن بعض الناس ان القصر في السفر رخصة وان الاتمام أقضل, فيؤدي بهم ذلك الى رد حكم الله فأصدر أمره عليه السلام بقبول حكم الله فقال: (فاقبلوا صدقته)– والامر للوجوب- ومن ذا يعرض عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ويرد صدقة الله بالتيسير والتخفيف على عباده المؤمنين؟ والذي يؤكد هذا المعنى السنة العملية من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يتم في سفر قط وليست كل أسفار رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفا فقد كان في كثير منها آمنا مطمئنا وقد أقام في أمكنة كثيرة مددا مختلفة ولكنه مع ذلك كان يقصر الصلاة. وتلك الاقامة مع الامن هي التي اشكلت على عمر فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحسب ان الآية نزلت في السفر فبين له رسول الله صلى الله عليه وسلم ان القصر في السفر صدقة من الله وأنه لايحل لامريء يؤمن بالله ان يرد على الله صدقته. فالحديث النبوي الشريف لايفسر الآية الكريمة ولكنه يبين حكم الله في صلاة السفر اما الآية فقد جاءت لبيان حكم آخر وهو صلاة الخوف. على أنه يكفي أن يكون الحديث الشريف مفسرا للآية الكريمة حتى يدل على الوجوب وذلك لسببين:
الاول: ان القصر صدقة من الله على عباده المؤمنين وصدقة الله لا ترد.
الثاني: أمرالرسولله صلى الله عليه وسلم لنا بالقبول.
اما الذين استدلوا بالآية الكريمة على عدم وجوب القصر فقد اشتبه عليهم قوله تعالى: (َلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ) فظنوا ان رفع الجناح يعني التخيير والذي يبدو من تدبر معنى الآية الكريمة مع مايفهم من السنة النبوية أن رفع الجناح هنا يعني التطمين والايناس لا التخيير فقد علق في اذهان الناس لكثرة مايصلون في الحضر ان الصلاة في الظهر والعصر والعشاء رباعية وأن صلاتهم ركعتين في السفر انما هو رخصة واتيان العزيمة في نظرهم افضل واكمل فجاء الكتاب الكريم يبين لهم أن صلاة ركعتين في السفر ليس برخصة وانما هو شرع الله لعباده وان امتثالهم لامره تعالى لاجناح فيه ولا اثم والشاهد على هذا المعنى قوله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) وقد جاءت هذه الآية الكريمة للتطمين والايناس فقد سبق في اذهان الناس ان السعي بين الصفا والمروة من اعمال الجاهلية لانهم كانوا يطوفون حول الصنميم اساف ونائلة وتحرجوا من ذلك فبين الله لهم ان السعي بين الصفا والمروة فريضة من فرائض الله وشعيرة من شعائره لاتترك لوهم متوهم ولا لسابق كفر من المشركين وان المسلمين يجب عليهم أن يؤدوا هذه الشعيرة وهم مطمئنون انهم يؤدون حكم الله, ولم أعرف فيما اطلعت عليه ان السعي بين الصفا والمروة رخصة تركها أفضل قياسا على ما ذهب اليه ذاهبون في صلاة السفر وانما يرى أكثر المذاهب أن السعي ركن يبطل الحج بتركه ويرى بعض المذاهب أنه واجب يجبر بالدم. وعلى هذا القياس يقال في الآية السابقة عندما تحرج المسلمون من صلاة ركعتين في السفر وهم آمنون مقيمون أنزل الله الآية يبين لهم حكمه ويطمئنهم الى أن حكم الله يجب ان يطاع وان القصر في السفر فريضة من فرائض الله وشعيرة من شعائره لاتترك لوهم سبق الى نفس الإنسان وانما يجب على المسلمين ان يعملوا بما تبث من عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم والله يحكم ما يريد.
الرد على من يرى الإتمام
ذهب بعض العلماء الى وجوب أو جواز الإتمام لمن يقيم في سفره مدة معينة. واختلفوا اختلافا كبيرا في تحديد المدة فجعلها بعضهم أربعة أو عشرة أيام أو ثمانية عشر أو عشرين أو غير ذلك. وهم يستندون في أرآئهم وتحاديهم هذه على سندين:
1- الاول الرأي والاجتهاد ونحن لا نناقش هذا القسم ولانبحث اللآراء المتولدة عن الاجتهاد فانه لا حظ للنظر مع وجود الأثر ولاقيمة لكلام العلماء مع ثبوت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2- الثاني آثار استندوا اليها ونحن سوف ننظر الى أهم الأثار التي استندوا إليها ونناقشها حسب ما توصلنا اليه على ضوء ماقاله علماء السيرة والحديث واليك ايها القاريء الكريم هذه الآثار التي استندوا اليها:
1- عن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يقصر في السفر ويتم, ويصوم ويفطر). قال الصنعاني في سبيل السلام عندما تحدث عن هذا الحديث: وحديث الباب قد اختلف في اتصاله فانه من رواية عبدالرحمن بن الاسود عن عائشة. قال الدارقطني انه ادرك عائشة وهو مراهق قال المصنف رحمه الله هو كما قال, ففي تاريخ البخاري وغيره مايشهد لذلك, وقال ابو حاتم ادخل عليها وهو صغير ولم يسمع منها. وادعى ابن أبي شيبة والطحاوي ثبوت سماعه منها. واختلف قول الدارقطني في الحديث فقال في السنن: اسناده حسن, وقال في العلل المرسل أشبه هذا كلام المصنف ونقله الشارح وراجعت سنن الدارقطني فرأيته ساقه وقال انه صحيح. ثم فيه العلاء بن زهير. قال الذهبي في الميزان وثقه ابن معين وقال ابن حبان كان محمد يروي عن الثقات مالا يشبه حديث الإثبات. انتهى فبطل الإحتجاج به فيما لم يوافق الإثبات. وقال ابن القيم بعد روايته لحديث عائشة هذا مالفظه: وسمعت شيخ الاسلام يقول وهذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى يريد رواية يقصر ويتم بالمثناة التحتية وجعل ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم, بأنه لم يتم رباعية في سفر. هذا كلام الصنعاني عن هذا الحديث وترى أيها القاريء الكريم ان هذا الحديث من كلام عائشة لايصح عنها ولا يثبت عند الاحتجاج وقد كذبه شيخ الاسلام ابن تيمية بشدة كما رأيت.
2- روى الحديث السابق بالياء في يقصر والتاء في تتم وكذلك يفطر وتصوم يعني ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر ويفطر, وان عائشة كانت تتم وتصوم وهذا الكلام لا يستقيم فان الحديث من كلام عائشة وكان يصح لو قالت تكان يقصر وأتم ويفطر و أصوم لانها هي المتحدثة فكيف تأتي بضمير المخاطب بدل المتكلم وقد تحدث ابن القيم عن هذا الحديث وعن حديث آخر رواه البيهقي عن عائشة قالت فيه: انها اعتمرت معه صلى الله عليه وسلم من المدينة الى مكة حتى إذا قدمت مكة قالت يارسول الله: بأبي أنت وأمي أتممت وقصرت وأفطرت وصمت, فقال: أحسنت ياعائشة وماعاب علي. فقال شيخنا ابن تيمية: وهذا باطل, ماكانت أم المؤمنين لتخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميع أصحابه فتصلي خلاف صلاتهم, وفي الصحيح عنها أن الله فرض الصلاة ركعتين فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة زيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر, فكيف يظن بها مع ذلك أنها تصلي خلاف صلاته وصلاة المسلمين معه.
3- (خير أمتي الذين إذا أساءوا إستغفروا، وإذا سافروا قصروا وأفطروا). أخرجه الطبراني في الأوسط باسناد ضعيف وهو في مرسل سعيد بن المسيب عن البيهقي وقد استدل به بعضهم على أن القصر في السفر رخصة والحديث لا يثبت للاحتجاج ولا ينتهض لمعارضة الأحاديث الصحيحة.
4- روى البيهقي عن أنس بن مالك قال: إنا معاشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كنا نسافر فمنا الصائم ومنا المفطر ومنا المتمم ومنا المقصر فلم يعب الصائم على المفطر والمفطر على الصائم والمتمم على المقصر والمقصر على المتمم. في سند هذا الحديث عمران بن يزيد التغلبي وقد قيل فيه أنه ضعيف واهي الحديث ويروي عن أنس أشياء موضوعة. لايحل الاحتجاج بخبره. ثم أنه ثبت عن أنس رضي الله عنه أنه أقام بالشام سنتين يصلي صلاة المسافر فلو كان يرى جواز الاتمام لأتم.
5- رُوي أن أمير المؤمنين عثمان صلى بمنى أربعا في أواخر خلافته وقد أنكر الصحابة عليه ذلك ورووا أنهم صلوا وراء الرسول صلى الله عليه وسلم ووراء أبي بكر وعمر ركعتين فاعنذر عثمان بأنه تزوج من منى وانه سمع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن من تزوج من قوم فهو منهم) وهذا الجواب يدل أن أمير المؤمنين عثمان يرى وجوب القصر على المسافر مالم يتخد وطنا. ولذلك فقد كان يقصر فلما تزوج من منى أتم لأنه اتخذها وطنا واعتذر بذلك عن إنكار بعض الصحابة عليه.
6- رُوي أن أم المؤمنين عائشة كانت تتم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك أم سلمة وقد أجاب ابن عباس عن ذلك بانها تأولت يعني أنها أم المؤمنين فحيث ما كانت فهي في وطنها وبين أبنائها وبمنزلها. ومهما كان فان عمل عائشة لايكون حجة مع عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم لاسيما وأنها هي التي روت أن الصلاة فرضت ركعتين في الحضر والسفر وانه زيد في الحضر وأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى.
7- (إذا أقمت عشرا فأتم الصلاة) أخرجه المؤيد بالله في شرح التجريد من طرق فيها ضرار بن صرد وهو غير ثقة ولا يحتج بحديثه.
هذه أهم الآثار التي يستند إليها من يوجب الإتمام أو يجيزه وهي كما ترى لاتذكر امام ادلة الوجوب ولا ترتفع الى المقارنة بها والنظر فيها.
تحديد مدة السفر
ذهب بعض العلماء بناءً على نظرات إجتهادية الى تحديد مدة السفر وقد اختلفوا في ذلك اختلافا كثيراٍ، فحددوها بثلاثة أيام وباربعة وبعشرة و بخمسة عشر وسبعة عشر وبغير ذلك وجميع هذه الأقوال لا تستند الى نص من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وانما هذه نظرات اجتهادية ذهب إليها أصحابها واستنتجوها من بعض احكام الاسلام بطرقة الرأي والقياس ويبدو أن أولئك العلماء قر في أدهانهم أن أن الصلاة الكاملة أربع ركعات في كل من الظهر والعصر والعشاء وأن التقصير من أربع ركعات رخصة اذا جاز للانسان ان يعمل بها فلا يحق له ان يداوم عليها وبناءً على هذا الأصل راحوا يلتمسون الأسباب لتحديد مدة السفر بأقصر ما يمكن ولو استند قياسهم أو رأيهم الى نظر بعيد شديد البعد.
ونحن لا نناقش أراء أولئك العلما في إجتهادهم فحسبنا من ذلك ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الصنعاني في سبيل السلام: (ومنهم من قدر ذلك بخمسة عشر وسبعة عشر وثمانية عشر على حسب ما ورد في الروايات في مدة اقامته ه صلى الله عليه وسلم في مكة وتبوك وانه بعدما يجاوز مدة ماروي عنه صلى الله عليه وسلم يتم صلاته. ولايخفى انه لا دليل في المدة التي قصر فيها على نفي القصر فيما زاد عليها وإذا لم يقم دليل على تقدير المدة فالاقرب انه لايزال يقصر كما فعله الصحابة). انتهى كلام الصنعاني. ويظهر ان اختلاف أولئك المجتهدين على تحديد مدة السفر ان دل على شيء فانما يدل على انه لايوجد دليل ثابت يحدد مدة القصر في السفر اللهم الا الاستيطان, فالشخص اما ان يكون مسافرا فيجب عليه القصر ولايجوز له الاتمام وتنطبق عليه جميع احكام السفر طالت المدة ام قصرت مادام ينطبق عليه حكم السفر ولم يتخد مقره الجديد وطنا واما ان يكون مقيما في وطنه مستقرا ببلده فيجب عليه الاتمام ولايجوز له ان يقصر الصلاة طالت المدة او قصرت مادام لم يغير وطنه ذلك, ويتخد لنفسه وطناً غيره, ولو كان هنالك دليل على تحديد زمني لمدة السفر لما وجد أولئك العلماء المجتهدون سبيلا للخلاف وتعدد وجهات النظر. فان تحديد كل واحد منهم مدة معينة ابطال للمدد التي حددها غيره. وما اجدرنا ان نترك هذه التحاديد كلها ونعود الى ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وانه ليكفي حجة للمسلم اذا جاء يوم القيامة فسئل لماذا كان يقصر في صلاته وقد أقام في محل سفره مدة طويلة؟ أن يجيب لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتم في سفر قط فاقتديت به وتركت أراء الناس.
مسافة السفر
لقد سبق ان تحدثنا عن المسافة التي اذا قطعها الانسان اعتبر مسافرا وبينا في بعض الفصول السايقة انها المسافة التي تساوي مابين المدينة المنورة وذي الحليفة أو هي مايقطعه الرجل العادي بالسير العادي في الفترة الزمنية التي تقع بين صلاة الظهر وأول صلاة العصر وذلك يساوي تقريبا مابين ثلاثة إلى أربعة أميال.
1- أخرج مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعا وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين). وفي رواية إبراهيم بن المكندر ,أبي ميسرة سمعا أنس بن مالك يقول: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا وصليت معه العصر بذي الحليفة ركعتين).
2- وروى مسلم أن شرحبيل بن السمط قال: (رأيت عمر صلى بذي الحليفة ركعتين فقلت له، فقال إنما أفعل كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل).
3- جاء في مدونة أبي غانم بشر بن غانم الخرساني مايلي: (الراجح والمعمول به ان القصر بعد مجاوزة الفرسخين، لما روي أن النبي صلى الله علسه وسلم خرج من المدينة نحو مكة حتى كان بذي الحليفة وبينه وبين المدينة فرسخان صلى ركعتين ركعتين ثم رجع الى المدينة فقيل له في ذلك فقال عليه السلامانما اردت أن أعلمكم صلاة السفر) انتهى.
وهذا الحديث برواياته المتعددة نص في تحديد المسافة وهو أصح حديث في الباب. اما التردد بين الفرسخ والفرسخين والاميال فهذا من تقدير الصحابة رضوان الله عليهم حسبما يتراءى لهم والمقياس الصحيح الذي ثبت عن رسول الله صلى الله علسه وسلم انما هو المسافة التي تقع بين المدينة وذي الحليفة أو هي المسافة التي يقطعها الانسان بين صلاة الظهر و أول العصر ومعلوم الآن أن المسافة بين المدينة وذي الحليفة لاتقل عن ثلاثة أميال ولا تزيد عن ستة وقيل انها تساوي اثني عشر كيلوا مترا قد تزيد قليلا وهذه المسافة هي مايقطعه الانسان العادي بين صلاة الظهر وأول العصر.
ولعله من المناسب أن أنقل للقاريء الكريم ماقاله الاستاذ سيد سابق في كتابه القيم قال: (واما ما ذهب إليه الفقهاء من اشتراط السفر الطويل وأقله مرحلتان عند بعض وثلاث مراحل عند البعض الآخر، فقد كفانا مئونة الرد عليهم الامام ابوالقاسم الخرقي قال في المغنى قال المصنف: ولا أرى لما صار إليه الائمة حجة لان أقوال الصحابة متعارضة مختلفة ولاحجة فيها مع الاختلاف وقد روي عن ابن عمر وابن العباس خلاف ما احتج به أصحابنا ثم لو لم يوجد ذلك لم يكن في قولهم حجة مع قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله) انتهى.
وبناء على ماقدمته لك في هذا الفصل يتضح لك أن تحديد السفر بما حدد به رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله هو الحق الذي يجب المصير إليه والاخذ به والعمل بما يقتضيه وان تحديد مسافة القصر والسفر بما يقل عن ذلك أو يزيد على ذلك انما هو عمل بغير دليل يثبت للاحتجاج على أن كثيرا من العلماء يرون جواز التقصير لمن نوى السفر منذ الخروج من البلد قبل تجاوز الاميال وكذلك بعد تجاوزها عند الدخول وقد روي ذلك عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كما قال به من علماء جبل نفوسة ابوذر أبان بن وسيم. ولكن نفس المؤمن لا تطمئن الا الى ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا لم يوجد أمكن ان يقتدي الانسان بهدي اصحابه رضوان الله عليهم.
القصر داخل الأميال
ورد عن كثير من العلماء بالقصر داخل الاميال لمن أراد سفرا ولمن رجع من سفر وقيل انه مذهب أمير المؤمنين علي بن ابي طالب وذهب إليه من علماء الجبل ابوذر أبان بن وسيم وهذا المذهب يؤيد ما يراه من يقول بعدم التحديد للمسافر فمن نوى السفر قصر من باب البيت أو من سور المدينة وكذلك عند رجوعه لان أحكام السفر تنطبق عليه ويطلق عليه اسم المسافر منذ رحيله ويدل لهذا جواب أبي الحسن لمن سأله عن ذلك اذ قال: (حتى ندخلها) يعني انهم مسافرون حتى يدخلوا المدينة وان حكم السفر ينطبق عليهم منذ خرجوا منها الى أن يدخلوها. ومع عمل أمير المؤمنين وقوله ومع رأي جمع كبير من العلماء فلن النفس لاتطمئن كل الاطمئنان الى هذا المذهب فان الذي يجب الاقتداء به لم يفعله ولم يصح فيما اطلعت عليه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر أو أفطر قبل ذي الحليفة أو أنه اعتبر أقل من ذلك سفرا اللهم إلا ما أخرجه ابن أبي شيبة من حديث ابن عمر موقوفا انه كان يقول (إذا خرجت ميلا قصرت الصلاة). وهو من قول ابن عمر ويضاف هذا الرأي الى رأي أمير المؤمنين علي وغيره وليس في ذلك حجة لاتساع مجال الإجتهاد بين أنظار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا لم يثبت عنه في قول أو فعل أنه كان قصر دون ثلاثة أميال فما أحرى المسلم أن يقتدي به صلى الله عليه وسلم وأن تكون هذه المسافة هي مسافة السفر التي يجب بعدها قصر الصلاة الرباعية وجواز الإفطار في رمضان ومايتلو ذلك من أحكام السفر.
الجمع في صلاة السفر
يجوز للمسافر ان يجمع بين صلاتي الظهر والعصر وكذلك بين صلاتي المغرب والعشاء. جمع تقديم أو جمع تأخير أعني سواء أخر الاولى أو قدم الثانية، واداء كل صلاة في وقتها أفضل والادلة على جواز الجمع للمسافر ثابتة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
1- فقد روى الترمذي عن معاذ ان النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك اذا زاغت الشمس قبل ان يرتحل جمع بين الظهر والعصر واذا رتحل قبل ان تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر وفي المغرب مثل ذلك. ان غابت الشمس قبل ان يرتحل جمع بين المغرب والعشاء. وان ارتحل قبل ان تغيب الشمس أخر المغرب خين ينزل للعشاء ثم نزل فجمع بينهما. وقال: هذا حديث حسن.2- وروى أحمد عن ابن عباس انه قال: (ألا أخبركم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر؟ قلنا بلى! قال: كان اذا ازاغت له الشمس في منزله جمع بين الظهر والعصر قبل ان يركب، واذا سار قبل ان تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر في وقت العصر، واذا حانت له المغرب في منزله جمع بينها وبين العشاء واذا لم تحن في منزله ركب حتى اذا كانت العشاء نزل فجمع بينهما). ورواه البيهقي باسناد جيد وقال فيه والجمع بين الصلاتين بعذر السفر من الامور المشهورة المستعملة فيما بين الصحابة والتابعين.
3- روى مالك في الموطاء عن معاذ، ان النبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة في غزوة تبوك يوما ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا.
وهذا الحديث صريح في ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع في تبوك وهو نازل مقيم ومطمئن غير خائف ولا راحل.
وبالنظر الى الاحاديث الواردة في الباب يتضح ان الجمع بين الصلاتين في السفر جائز للنازل والمرتحا ولكن عدم مداومته عليه السلام على الجمع يدل ان الجمع رخصة وان اداء الصلوات في أوقاتها أفضل على انه لا مناص من ان نستعرض هنا بعض الاحوال التي تعتري المسلمين في السفر في الوقت الحاضر لنرى متى يحسن بهم ان يأخذوا بالعزيمة ومتى يحسن بهم ان يأخذوا بالرخصة.
تأمل معي أيها القاريء المسلم الأحوال الآتية:
1- مسافر في سيارة او قاطرة بعد الزوال بقليل وهو يعلم انه لن يصل الى مقره الا بعد فوات العصر وان السيارة او القاطرة لاتقف له لكي يصلي العصر في مكان.
2- مسافر في سيارة او قاطرة قبل الزوال وهو يعلم ان وسيلة النفل لاتقف له لكي يؤدي صلاة الظهر ولكنه يعرف أنه سوف يصل مقره في وقت صلاة العصر. ان المسافر في الصورة الاولى يستطيع ان يقدم العصر فيجمعها مع الظهر ويصليها على الارض مطمئنا مستقرا اذا عمل برخصة الجمع واقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم ولكنه اذا حرص ان يؤدي كل صلاة في وقتها فهو سوف يصلي العصر بطريقة الإيماء فوق القاطرة لأو السيارة أو غيرها من وسائل النقل.
وفي الصورة الثانية يستطيع المسافر ان يؤخر الظهر ويجمعها مع العصر ويصليهما وهو مطمئن مستقر مقتد برسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه اذا حرص ان يؤدي كل صلاة في وقتها فانه سوف يصلي الظهر فوق وسيلة النقل بطريقة الإيماء.
انه يبدو لي ان الجمع في هاتين الصورتين وما يشبههما من الصور اقرب الى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه أفضل من التوقيت.
اما حين يكون المسافر نازلا مستفرا مطمئنا فالافضل ان يؤدي كل صلاة في وقتها اللهم الا اذا جمع في بعض الاحيان وهو ينوي إحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء به.
وخلاصة البحث ان الجمع رخصة وان اداء الصلوات في اوقاتها افضل الا اذا كان الخمع يساعد على اداء الصلاة باكمل وظائفها وشروطها واركانها أو كان التوقيت يفوّت على المسلم مصلحة هامة وإني أستغفر الله تعالى ان اكون قلت بغير علم أو دعوت الى غير الحق.
اتخاذ الوطن
يرى كثير من علماء الاسلام انه يجوز للمسلم ان يتخذ عدة اوطان، اذا كان مرتبط المصالح مع تلك الاوطان، يكثر التردد عليها و الاقامة بها. ويذهب اكثر هؤلاء العلماء الى ان من حق الرجل ان يتخذ اربعة اوطان، استنادا الى انه قد يتزوج اربع زوجات كل واحدة منهن في مكان، ويشترطون في هذه الاوطان ان تكون بلاد اسلام لابلاد كفر. ويرون انه من حق الرجل ان ينزع بعض هذه الاوطان او ان يغيرها متى شاء وذلك بأن ينوي نزعها او تغييرها.
وانا لايسعني الا ان أطأطيء رأسي لاولئكالعلماء واعلن إجلالي واحترامي لهم ولما استندوا اليه في آرائهم تلك. ولكنني مع ذلك اجد كثيرا من الحرج حين اعتبر الوطن قضية مصلحية متغيرة أرتبط بها اليوم وانفكّ عنها غدا.
ان الوطن في نظري تربة ذات حقوق ترتبط بالدم والمصير والمشاعر والعواطف وليس من السهل ان يتلاعب بها الانسان فيكتسبها اليومم وينزعها غدا، وما قيمة وطن يكتسبه الانسان بالنية، لسنة او سنتين، حتى اذا انتقلت منه مصلحته او عمله استطاع ان يغيره بنفس السهولة التي اكتسبه بها. وهكذا الوطن الثاني والثالث وما بعده. وهل يحس الانسان بالرباط المقدس الذي يربط بين الشخصية والوطنية اذا كان من هذا النوع.
انني لا ارد على سادتي العلماء ولكنني في نفس الوقت لا اميلل الى جواز تعدد الاوطان، ولا افتي به الا مضطرا أو مقلدا. وانا مع ذلك اشعر بكثير من عدم الارتياح. ويضاف الى هذه النقطة نقطة اخرى لابد ان يشير اليها الكاتب وهو يتحدث عن اتخاذ الاوطان وقد صاغها أحد الاخوان في السؤال الاتي: لماذا لا يتخد الليبي ليبيا كلها وطنا، وكذا التونسي والمصري وغيرهم ويبداء حساب الأميال خارج حدود المملكة.
ويبدو لأول ونظرة ان السؤال وجيه ومنطقي وقد يفتى بجواز ذلك بعض العلماء، اما انا فلا أرى ذلك ولا أفتي به لسببين:
الاول- ان الوطن الاسلامي يتكون من ركنين اساسيين هما المدينة أو القرية التي تسكنها ثم بقية البلاد التي تخفق فيها راية الاسلام وتعلو فيها كلمة التوحيد ويرتفع في جنباتها الاذان. فاذا خرجت من فان طرابلس وتونس وبغداد وجاكرتا وطهران وبقية البلاد الاسلامية اليك سواء ولها عليك نفس الحقوق ولن تفصل بينها الحدود السياسية المصطنعة التي تتغير كل يوم ولذلك فانت اما ان تكون في وطنك الذي هو مدينتك او قريتك، او تكون مسافرا خارجا عن وطنك في أي مكان، والقاريء الكريم لا شك يذكر ان الحكم السياسي قد وحد بين جميع او أكثر بلاد الاسلام في بعض العصور فلم تكن بينها حدود. ونحن نننتظر ان يعز الله الاسلام وأهله حتى تنتظم الأمة الاسلامية راية واحدة ويحكمهم منهاج واحد مستمد من دين الله وليس ذلك على الله بعزيز.
الثاني- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اتخد المدينة المنورة وطنا ولم يشاء أن يخرج بوطنيته الى غيرها رغم ان حكم الاسلام قم امتد الى كثير من نواحي الجزيرة العربية واذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وله النفوذ الكامل على جميع البلاد التي آمنت به، وأتبعته وقد تزوج في كثير منها ولكنه مع ذلك احتفظ بالوطنية للمدينة المنورة. فلماذا نوسع نحن دائرة الوطنية؟ ونخرجها عن مفهومها الذي حفظناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو القدوة، أفنحن أكثر فهما للوطنية وتقديرا لها من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهل يبلغ الليبي في حب ليبيا، والسوري في حب سوريا، والمغربي في حب المغرب ما لم يبلغه محمد صلى الله عليه وسلم في حب البلاد المسلمة من جزيرة العرب؟
ان من يظن ذلك يكون مخدوعا قد غره الشيطان واتبع هواه.
صلاة الخوف
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا ، وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً) الآية الكريمة نص في صلاة الخوف، وفيها بيان تفصيلي لكيفية الصلاة عندما يكون المسلمون في مواجهة العدو الحانق المتربص، الذي يلتمس من المسلمين غرة ينخدعون فيها عنه فيضعون اسلحتهم وامتعتهم ليميل عليهم ميلة واحدة وهذه الفرصة التي يلتمسها العدو من المسلمين لايمكن ان تكون الا في حالة واحدة هي الحالة التي يتجهون فيها بقلوبهم الى الله ويسلمون ارواحهم اليه ليناجوه في صلاة خاشعة وقد اراد الله سبحانه وتعالى ان يفوت على أعداء الاسلام هذه الفرصة او هذه الامنية التي ينتظرونها بفارغ الصبر فانزل تعالى حكم صلاة الخوف ومهما قيل في اسباب النزول فان الحكم الذي نزلت به الآية الكريمة يبقى عاما في كل جهاد بين الامة المسلمة وأعدائها. وقد تناول هذه الآية الكريمة كثير من العلماء بالبحث وادخلوها في نطاق السفر واستدل بها قوم منهم على جواز القصر في السفر واستدل بها البعض على الآخر على وجوبه والذي حملهم على اعتبار هذه الآية في احكام السفر قوله تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ) فان الضرب في الارض معناه السفر. ولكن يبدو ان المقصود بالضرب في الارض هنا انما هو التحرك لملاقاة العدو ولامجرد السفر فان سياق الآية الكريمة يدل على ذلك (إِنْ خِفْتُمْ) كما ان بقية الآية تشير الى العدو المتربص المقابل للمسلمين. فالضرب في الارض يعني مطلق الحركة لملاقاة العدو هجوما او دفاعا سواء كانت هذه الحركة لمحل بعيد يقطع فيه المسلمون مسافة السفر كما كانت اغلب غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم. او كانت هذه الحركة لمحل قريب داخل الاميال وانما كل ما يشترط فيه انما هو التحرك هو التحرك لمواجهة العدو وفي حالة الخوف منه فالآية الكريمة خاصة باحكام الصلاة في الخوف سواء كان هذا الخوف في محل بعيد عن مقر الامة المسلمة او كان قريبا منها ولذلك اختار القرآن الكريم كلمة الضرب في الارض الدالة على مطلق التحرك ولم يستعمل كلمة السفر الدالة على تحرك معين. والآية الكريمة تنص انه لا جناح على المؤمنين ان يقصروا من الصلاة في حالة الخوف وكل ما يشترط لهذا القصر انما هو الخوف من ان يفتنهم الذين كفروا.
واستنادا الى عموم الآية الكريمة يمكننا القول انه يجوز ان تقصر الصلاة قصرا عدديا حينا وقصرا في الاركان حينا آخر وان كان لكل نوع من انواع القصر احوال تستدعيه فعندما يكون الجيشان متواقفين ينتظر كل منهما الغرة من الآخر فهنا يأتي القصر العددي وينقسم المسلمون الى فرقتين احداهما تواجه العدو والثانية تقوم الى الصلاة. ثم تتبادلان الموقف. وعندما يكون الموقف معركة دائبة أو حالة طلب سواء كان كرا أو فرا فان النقص هنا يكون في الاركان وعلى هذا فالقصر العددي يكون في صلاة الجماعة اما القصر في الاركان فيكون في صلاة الفرد. وقد وردت عدة صور لصلاة الخوف والذي أختاره من بين تلك الصور ما يأتي:
1- اذا كان المسلمون في سفر أعني انهم خرجوا لملاقاة العدو خارج الاميال فتقام الصلاة ويقف الامام في المصلى الذي يختارونه ثم تأتي طائفة فتصلي وراءه ركعة بينما الطائفة الثانية واقفة بسلاحها آخذة حذرها مواجهة للعدو فإذا أتمت الطائفة الأولى ركعة قامت الى الحراسة وواجهت العدو واتت الطائفة الثانية فتقف وراء الامام ويصلي بهمم ركعة ثانية ثم يسلم بهم جميعا فتكون له ركعتان ولهم ركعة واحدة وذلك هو القصر الذي ورد في الآية الكريمة لان صلاة السفر ركعتانن فاذا قصرت للخوف أصبحت ركعة واحدة. قال الربيع بن حبيب كان أبو عبيدة مسلم على هذا القول. ويدل لهذا قول ابن عباس (فرض الله الصلاة على نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا، وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة) وقد تقدم الحديث.
2- اذا كان المسلمون في غير سفر وذلك اذا تحركوا لملاقاة العدو داخل الأميال وتلاقى الجيشان وخاف المسلمون ان يفتنهم الذين كفروا فاذا حضرت الصلاة الرباعية فانه تقام الصلاة ويقف الامام في المصلى ثم تأتي الطائفة الاولى فتقف وراء الامام ويصلي بها ركعتين والطائفة الثانية في مواجهة العدو فاذا أتمت ركعتين ذهبت الى مواجهة العدو وجاءت الثانية فوقفت وراء الامام وصلى بهم ركعتين ثم يسلم بهم جميعا وبذلك يكون الامام صلى أربع ركعات أما بقية المسلمين فيكونون قد صلوا ركعتين وذلك معنى القصر العددي. ويتضح لك من هذا أنه لاجناح على المسلم اذا خاف فتنة العدو أن يقصر من الصلاة فان كان فرضه أربعا صلى ركعتين وان كان فرضه ركعتين صلى ركعة واحدة ولكن هذه الصور لا تكون الا في صلاة الجماعة أما صلاة الافرد فلهم ان يقصروا من الاركان مايوجب الحذر من العدو قصره سواء كان المسلم طالبا او مطلوبا. هذا ما تبين لي في هذا الموضوع وهو ما اعتقدته حقا بعد التأمل في الآية الكريمة وفي الأثار التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد دراسة مابين يدي من أقوال العلماء الأعلام فان كان هو الحق فلله الحمد على التوفيق وان أخطأت فذلك مبلغ جهدي وإني ألجاء إليه تعالى أن يغفر لي زللي وان يعفوا عن خطأي، في فهم كتابه الكريم، او القول فيه بغير علم انه غفور رحيم.
أحكام ا لسفر في الإسلام
يخص الاسلام السفر بعدة أحكام بعضها جاء في الكتاب الكريم وبعضها جاء في السنة النبوية المطهرة، وفي هذا الفصل نستعرض هذه الاحكام بإيجاز ونضع صورا منها بين يدي القاريء الكريم فيما يلي:
1- يخص الاسلام الصلاة في السفر باحكام تقدم إيضاحها في الفصول السابقة.
2- وكما يخص الاسلام الصلاة باحكام كذلك يضع للصيام احكاما خاصة فقد جاء في الكتاب الكريم. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ، أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ، شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) والآية الكريمة صريحة واضحة في تقرير حكم الصيام للمسافر فإن فريضة الصوم تتعلق بذمته ولكنه مخير بين الصوم في سفره ، وبين الإفطار مع قضاء بدل لما أفطره في سفره من رمضان ، على أن القرآن الكريم وإن أباح للمسافر أن يفطر بسبب السفر الا أنه يحبب اليه الصوم ويدعوه إليه. والآية الكريمة تقرن بين المريض والمسافر في حكم الصيام لتيسر عـليهما أداء هذه الفريضة من فرائض الاسلام ولكن الآية الكريمة التي يسرت كثيرا من الاحكام على المريض والمسافر وقرنتهما معا لم تذكر في تلك المناسبات قريضة الصلاة مما يدل على أن قصر الصلاة في السفر هو حكم أراده الله كذلك لا لعلة التيسير ، والا لجاز للمريض ان يقصر الصلاة تيسيرا عليه ، ولم يقل بهذا أحد فيما أعلم اللهم الا اذا لم يستطع ان يقوم ببعض الاركان فانها تسقط عنه بحكم العجز لا بحكم التيسير والتخفيف ، والقرآن الكريم يقرن بين المريض والمسافر في بعض احكام التيسير والتخفيف ولكنه لم يقرن بينهما في حكم تقصير الصلاة.
3- يخص الاسلام الطهارة في السفر باحكام فقد جاء في الكتاب الكريم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). وهذه البينات تقرن المسافر مع المريض في الحكم وتبيح له التيمم بحكم انه مسافر لايتوفر له الماء للطهارة ، والقرآن الكريم ييسر على المريض وعلى المسافر لئلا تكون الأحكام الشرعية سببا في المضرة للمؤمنين او المشقة عليهم.
4- كما ان الاسلام يخص المسافر ببعض الاحكام في العبادات كذلك يخصه ببعض الاحكام او التنظيمات في المعاملات فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: (وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ). أن المسافر قد يحتاج الى إجراء معاملات من بيع أوشراء أو قرض وقد لا تتوفر لديه الوسائل الرسمية لتثبيت الحقوق من الكتابة والتسجيل فاذا كان كذلك فان الرهن المقبوض أوثق ضمان لكفالة اجراء الحقوق وارجاعها لاصحابها واذا كان المتعاملان يعرف بعضهما بعضا ويثق فيه فلا مانع في الاسلام من الاعتماد على الامانة والثقة المتبادلة.
5- خص السفر بادعية كثيرة رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند السفر وعند القدوم وللقاريء الكريم أن يرجع الى كتب السنة ليختار منها ما شاء اذا اراد ان يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تلك الادعية الشريفة قوله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر الله أكبر الله أكبر سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ، وانا الى ربنا لمنقلبون. اللهم انا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ، ومن العما ما ترضى ، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده ، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الاهل والمال ، فإذا كان راجعا من سفره زاد عليهن قوله عليه السلام: (آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون).
خلاصة البحث
أعود إلى المباحث السابقة لألخصها لك أيها القاريء الكريم في سطور.
1- صلاة المسافر ركعتان في الظهر والعصر والعشاء طال السفر أو قصر ، وأقام المسافر أو ارتحل إلا أن يصلي المسافر وراء أمام مقيم.
2- القصر في السفر هو حكم الله في صلاة السفر وليست برخصة للتخفيف ولذلك لا يجوز العدول عنها إلا ان يتخذ المسافر مقره الجديد وطنا يستقر فيه إستقرارا كاملا.
3- صلاة السفر ركعتان سواء كان السفر في طاعة أو مباح أو معصية.
4- يجوز للمسافر أن يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء إلا أن أداء كل صلاة في وقتها أفضل.
5- صلاة السفر غير صلاة الخوف ولكل منهما احكامها الخاصة وقد تبثت احكام صلاة السفر بالسنة النبوية وتبثت صلاة الخوف بالقرآن الكريم.
6- يجوز للمسافر ان يفطر في رمضان لكن الصوم له أفضل.7- يجوز للمسافر ان يتيمم للحدث الأكبر أو الأصغر إذا لم يجد الماء أو يخاف من نفاده أو يسبب له مشقة كبرى أو يفوت عليه رفقة الطريق أو مايشبه ذلك.
8- يجوز للمسافرين أن يتعاملوا ببيع أو شراء أو قرض أو غير ذلك من المعاملات المباحة فإذا جرى ذلك بين مسافرين ولم يجدوا كاتبا يقوم بتسجيل العملية فلصاحب المال أن يأخذ رهنا مقبوضا حتى يضمن لنفسه رجوع ماله وعندما يتم الأجل يجب على كل واحد منهم أن يرد أمانة الثاني.
9- يسن للمسافر أن يدعوا ببعض الأدعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند كل من السفر والرجوع.
هذه أحكام تتعلق بالسفر جاء بعضها في الكتاب الكريم وجاء بعضها في الحديث النبوي الشريف وأوضح البعض الآخر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسنة العملية.
ارجوا أنني أستطعت أن ألخص للقاريء الكريم بيسر ووضوح بعض الجوانب من يسر الاسلام قد يجد القاريء العادي مشقة في البحث عنه والحصول عليه لاسيما عند من يقتصر على مطالعة الملخصات الفقهية في عصور الجمود ولا يرجع إلى كتب الحديث والسيرة النبوية والمباحث القيمة لاعلام الاسلام من المتقدمين والمتأخرين.
فقد تغيَّر مسلك الناس في هذا الزمان بما فعلته الكتب الخالية من الروح الإسلامية العميقة من عبادةٍ تقوم على السمع والطاعة لله والقدوة برسوله والتقرب بالاهتداء بما عمله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى أعمال آلية تكاد تكون عادات وتقاليد يقصد منها مسايرة ما ألفه الناس أكثر مما يقصد منها الاستسلام لأمر الله والرضا بحكمه .
وصلاة السفر من المواضيع التي بَعُدَ فيها الناس عن هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ بسبب التعليلات العقلية واستخراج الأسباب والحكم بفكر الإنسان المحدود الضيق ، ومن هنا جاءت أهمية هذا الموضوع ، وذلك أن صلاة السفر فريضة واجبة ليس للإنسان فرصة الاجتهاد فيها أو اختيار ما يراه بفكره الضيق المحدود أنه هو المناسب في هذا الزمان نظراً لسهولة السفر ، وزوال المشقة حسب ظنه ، ولهذا فقد اختلف العلماء في حكم القصر في السفر وهو قصر الصلاة الرباعية ( الظهر والعصر والعشاء الآخر ) إلى ركعتين ، والذي ذهب إليه أصحابنا أهل الإستقامة رضوان الله تعالى عليهم أنه واجب لا يجوز للمسافر تركه بحال من الأحوال إلا إذا صلَّى خلف مقيم ، وقد قال بهذا القول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وعلي ابن أبي طالب وابن عبَّاس وابن عمر وجابر بن عبدالله وعائشة أم المؤمنين ، بل قال به الصحابة قاطبة كما قرَّره العلامة خليل أحمد السهارنفوري في كتابه القيِّم " بذل المجهود في حـل سنن أبي داود " ، والحسن البصري والخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز وحماد بن سليمان وقتادة وسعيد بن جبير والسدي والحسن بن حي .
وهو مذهب الحنفية والهادوية ، وهو رواية أشهب عن الإمام مالك على ما ذكره ابن القيِّم ، وهو رواية عن أحمد بن حنبل وعن أبي ثور ، وبه قال الثوري والأوزاعي وابن حزم وابن القاسم وابن القيِّم والمقبلي والصنعاني والشوكاني وصدِّيق حسن خان وصاحب المنار ونسبه البغوي إلى أكثر العلماء .
وقال الخطابي في المعالم : ( كان مذهب أكثر علماء السلف وفقهاء الأمصار على أن القصر هو الواجب في السفر ) ، وقال أيضاً : ( الأوْلى أن يقصر المسافر الصلاةَ لأنهم أجمعوا على جوازها واختلفوا فيها إذا أتم والإجماع مقدَّم على الخلاف ).
وقال الترمذي : ( العمل على ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكـر وعمـر - يعني القصر في صلاة السفر - ) ، لأنهم كانوا يقصرون ، كما ثبت ذلك عنهم من طرق متعددة ، يقول العلامة سعيد بن مبروك القنوبي : والقول بوجوب القصر هو القول الحق الذي ينبغي المصير إليه والتعويل عليه والأخذ به .
أدلة وجوب القصر
الأدلة على القصر في السفر كثيرة جداً أكتفي بذكر بعضٍ منها :
الدليل الأول : ملازمته صلى الله عليه وآله وسلم للقصر في جميع أسفاره ، كما جاء ذلك عن جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم منهم ابن عبَّاس وابن عمر وأنس بن مالك وأبو هريرة ، وقد نصَّ على ذلك جماعة كبيرة من العلماء ، وإليكم بعض ما قالوه في ذلك :
1. قال الجصاص : لم يختلف الناس في قصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أسفاره كلها حال الأمن والخوف فثبت أن فرض المسافر ركعتان بفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
2. قال ابن قدامة المقدسي في كتابه " المغني " بعد كلام في الموضوع : تواترت الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقصر في أسفاره حاجاً أو معتمراً أو غازياً .
3. قال ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " ج24 ص153 بعد كلام في الموضوع : .. لم ينقل عنه قط ( أي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ) أحد من أصحابه أنه صلَّى في السفر أربعاً ، بل تواترت الأحاديث عنهم أنه كان يصلي في السفر ركعتين هو وأصحابه .
4. قال ابن القيِّم في " زاد المعاد " في معرض ذكر أعماله صلى الله عليه وآله وسلم في السفر : وكان يقصر الرباعية فيصليها ركعتين من حيث يخرج مسافراً إلى أن يرجع إلى المدينة ، ولم يثبت عنه أنه أتم الرباعية البتة .
5. قال المقبلي في " المنار " ج1 ص246 : قوله – يعني قول صاحب البحر : ( وهو واجب ) ، هو هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم يرو خلافه ، وهدي الخلفاء الراشدين المهديين بعده حتى نقم على عثمان ترك القصر أشد النقم ، وفي البخاري ومسلم أنه لما بلغ ابن مسعود أن عثمان بن عفان صلى بمنى أربع ركعات قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنى ركعتين فليت حظِّي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان ، ومن المعلوم أنه لا يسترجع من الأخذ بالعزيمة وترك الرخصة .
6. واعتُذِرَ عن عثمان بعدة أعذار ولو لم يكن القصر متعيناً لما كان لذلك مساغ ، ومن ذلك فيما يرى العلامة القنوبي قول عمر : إن صلاة السفر ركعتان والجمعة ركعتان والعيد ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقد خاب من افترى .
7. وأصرح منه حديث ابن عباس رضي الله عنه في صحيح مسلم : ( فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة ).
8. قال الشيخ إسماعيل الجيطالي رحمه الله في كتابه " قواعد الإسلام " ج1 ص259 : ( وأما الدليل الفعلي المعارض للمعنى ومفهوم الآثار فهو ما نُقِل عنه عليه السلام أنه يقصر في جميع أسفاره ولم يصح عنه أنه أتم الصلاة قط ).
9. قال الإمام نور الدين السالمي رحمه الله في جوهر النظام :
وفعله يلـزم مـن قد سفـرا ولم يكن في ذلكم مُخَيَّرا
لو كان بالتخيير كان المصطفى أسبقنا إلى التمام والوفـا
ولـم يُتـم أبـداً في سفـر كيف لنا نقول بالتَّخيـر
.. الخ .
10. قال صاحب " المنار " بعد كلام طويل في صلاة السفر : وجملة القول أن الثابت المتفق عليه هو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر والعصر والعشاء في السفر ركعتين ركعتين ، وكذلك أبو بكر وعمر وسائر الصحابة إلا عثمان وعائشة فإنما أتما متأولين ، وقد عرفت الجواب عن ذلك ، وأن الإتمام عن عائشة لم يصح ، فالحق ما عليه الحنفية وغيرهم من وجوب ذلك خلافاً للشافعية .
11. قال ابن رشد في " بداية المجتهد " : ( وأما دليل الفعل .. فإنه ما نقل عنه عليه أفضل الصلاة والسلام من قصر الصلاة في كل أسفاره ، وأنه لم يصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه أتم الصـلاة قط).
12. قال العلامة أحمد الغماري في تعليقه عليه : قلت : ( هذا معلوم من سيرته لمن تتبع الأحاديث والأخبار في أسفاره صلى الله عليه وسلم وقد نص الحفاظ على ذلك ).
13. قال الشوكاني في " السيل الجرار " : ( لم يثبت عنه ( عليه السلام ) في جميع أسفاره إلا القصر وذلك في الصحيحين وغيرهما ).
وقال في " وبل الغمام " ج1 ص348 : ( الحق ما ذهب إليه المصنف من وجوب القصر والأحاديث مصرحة بمقتضى ذلك .. ) الخ .
وقال في " الدراري المضيئة " ج1 ص275-276 : ( أما وجوب القصر فلحديث عائشة في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فزيدت في الحضر وأقرت في السفر ) ، فهذا يشعر بأن صلاة السفر باقية على الأصل ، فمن أتم فكأنه صلى في الحضر الثنائية أربعاً والرباعية ثمانيا عمداً . وثبت أيضاً في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ) ، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقتصر في جميع أسفاره على القصر ) اهـ .
يقول العلامة القنوبي حفظه الله : وقولهما - الشوكاني وصديق خان - : إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( فرضت الصلاة .. . ) لم يأت في رواية صحيحة ولا حسنة ولا ضعيفة خفيفة الضعف لا في الصحيحين ولا غيرهما ، وإنما الذي ثبت في الصحيحين وغيرهما أن عائشة قالت : ( فرضت الصلاة .. ) الخ ، فهو من قول السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها إلا أنه مرفوع حكـماً .
والخلاصة أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد قصر في جميع أسفاره ولم يتم في شيء منها البتة كما تقدم ، وكما سيأتي بمشيئة الله تعالى ، فلو لم يكن القصر واجباً لا محيص عنه لتركه صلى الله عليه وآله وسلم ولو مرة واحدة في حياته ليبيِّن للناس عدم وجوبه ، أو لأفصح عن ذلك بلسانه كما أخبر عن صلاة التهجد أنها واجبة عليه دون غيره ، وأما وقد حافظ على القصر في جميع أسفاره وأكد ذلك بقوله فلا مناص عن القول بوجوبه .
الدليل الثاني . حديث السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: ( فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر ) . رواه الإمام الحافظ الحجة الربيع بن حبيب رحمه الله ورواه الإمام مالك والبخاري ومسلم والنسائي وأبو داود والدارمي وأحمد .. وغيرهم .
الدليل الثالث . حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: ( فرض الله الصلاة في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين ) . رواه الإمام مسلم وأبو عوانة والنسائي وأبو داود وابن ماجة وأحمد وابن خزيمة وابن حبان وابن أبي شيبة وعبد الرزاق والشافعي في السنن المأثورة .. وغيرهم .
الدليل الرابع. عن يعلى بن أمية قال : قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ( فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصلاة إن خفتم ) وقد أمن الناس ، فقال : عجبتُ مما عجبتَ منه فسألت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: (( صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته )). رواه الإمام مسلم والنسائي وأبو داود والترمذي والدارمي وابن ماجة وأحمد وابن خزيمة وابن حبان .. وغيرهم . قال الترمذي : حديث حسن صحيح .
ووجه الدلالة من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته )) فإنه أمر بقبولها وأمره صلى الله عليه وآله وسلم للوجوب ما لم تصرفه قرينة ولا قرينة هنا .
الدليل الخامس . عن عمر رضي الله عنه قال: ( صلاة الفطر ركعتان وصلاة الأضحى ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان وصلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ).
رواه النسائي وابن ماجة وأحمد وأبو يعلى والطحاوي والبيهقي وأبو نعيم .. وغيرهم .
الدليل السادس. عن أمية بن خالد أنه قال لعبد الله بن عمر: إنا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف في القرآن ولا نجد صلاة السفر ؟ فقال ابن عمر: يا ابن أخي - وفي رواية - يا هذا إن الله جل وعلا بعث إلينا محمداً صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئاً فإنما نفعل ما رأيناه يفعل ، وله ألفاظ أخرى . رواه الإمام الربيع رحمه الله والإمام مالك والنسائي وابن ماجة وأحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي ، وهناك أدلة أخرى لا نطيل المقام بذكرها .
هدي الرعيل الأول
إليك أخي القارئ هدي الرعيل الأول من الصحابة والتابعين :
1. أقام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برامهرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة .
2. أقام ابن عمر في أذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة.
3. أقام أنس بن مالك بالشام سنتين يصلي صلاة المسافر.
4. أقام عبد الرحمن بن عمر بكابول سنتين يقصر الصلاة.
5. أقام سعد ببعض قرى الشام أربعين ليلة يقصر الصلاة.
6. كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقيمون بالري السنة وأكثر يقصرون الصلاة، وكانوا يقيمون في سجستان السنتين يقصرون الصلاة.
7. قال الحسن البصري مضت السُّنة أن يقصر المسافرون ولو أقاموا عشر سنين.
8. قال بوجوب القصر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر وابن مسعود وجابر ابن عبد الله وعائشة أم المؤمنين ، بل قال به الصحابة قاطبة كما ذكرنا سابقاً .
حَـدُّ السَّـفر
حد السفر فرسخان ، والفرسخ ثلاثة أميال ، ويقدَّر بـ (12كم ) بقياس السيارة الآن ، والدليل على أن حدّ السفر فرسخان ، ما روي عن النبي عليه السلام أنه خرج ذات يوم ومعه أصحابه ، حتى صار بِذِي الحليفة صلَّى ركعتين بها ثم رجع ، فسُئِل عن ذلك فقال: ( أردت أن أعَرِّفكم صلاة السفر ) أو قال: ( حَدَّ السفر ) ، وقد قيست المسافة من المدينة المنورة إلى ذي الحليفة بالسيارة الآن فوجدت (12كم) ، بل قال سيد سابق في كتابه فقه السنة أنه أقل قليلاً من (12كم).
المدة التي يقصر فيها المسافر
هذا وإذا تبيَّن لك أخي القارئ القول الراجح في هذه المسألة فاعلم أن العلماء اختلفوا في المدة التي يُشرع فيها القصر للمسافر إذا نوى الإقامة لفترة معينة من الزمن بموضع ما على نحوٍ من عشرين قولاً .
والحق أن المسافر يجب عليه القصر مهما استمر من الزمن طالت المدة أم قصرت ما لم يتخذ ذلك الموضع وطناً . هذا الذي ذهب إليه أصحابنا ( أهل الإستقامة ) قاطبة ، وهو مذهب جماهير الصحابة والتابعين ، وبه قال ابن تيمية في بعض فتاويه ، وابن القيِّم وأحمد شاكر .
قال ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " ج24 ص18 : ( .. وأما من تبينت له السنة وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع للمسافر أن يصلي إلا ركعتين ، ولم يحد السفر بزمان أو بمكان ، ولا حد الإقامة أيضاً بزمن محدود ، لا ثلاثة ولا أربعة ولا اثني عشر ولا خمسة عشر ، فإنه يقصر ، كما كان غير واحد من السلف يفعل ، حتى كان مسروق ( أحد الصحابة ) قد ولّوه ولاية ولم يكن يختارها ، فأقام سنين يقصر الصلاة ، وقد أقام المسلمون بنهاوند ستة أشهر يقصرون الصلاة ، وكانوا يقصرون الصلاة مع علمهم أن حاجتهم لا تنقضي في أربعة أيام ولا أكثر كما أقام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد فتح مكة قريباً من عشرين يوماً يقصرون الصلاة .. ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة يعلم أنه يحتاج أن يقيم بها أكثر من أربعة أيام ، وإذا كان التحديد لا أصل له فما دام المسافر مسافراً يقصر الصلاة ولو أقام في مكان شهوراً والله أعلم ).
وقال في ص136-137 من الجزء نفسه : وقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم في حجته بمكة أربعة أيام ثم ستة أيام بمنى ومزدلفة وعرفة يقصر الصلاة هو وأصحابه ، فدل على أنهم كانوا مسافرين ، وأقام في غزوة الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة ، وأقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة ، ومعلوم بالعادة أن ما كان يفعل بمكة وتبوك لم يكن ينقضي في ثلاثة أيام ولا أربعة ، حتى يقال إنه كان يقول : اليوم أسافر غداً أسافر ، وهي أعظم مدينة فتحها ، وبفتحها ذلت الأعداء وأسلمت العرب وسرى السرايا إلى النواحي ينتظر قدومهم ، ومثل هذه الأمور مما يعلم أنها لا تنقضي في أربعة أيام ، فعلم أنه أقام لأمور يعلم أنها لا تنقضي في أربعة وكذلك في تبوك . وأيضاً فمن جعل للمقام حداً من الأيام ، إما ثلاثة وإما أربعة وإما عشرة وإما اثني عشر وإما خمسة عشر ، فإنه قال قولاً لا دليل عليه من جهة الشرع ، وهي تقديرات متقابلة .. الخ .
وقال ابن القيِّم في " زاد المعاد " بعد كلام : .. أنه صلى الله عليه وسلم أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة ، ولم يقل للأمة لا يقصر الرجل الصلاة إذا أقام أكثر من ذلك ، ولكن اتفقت إقامته هذه المدة وهذه الإقامة في حال السفر لا تخرج عن حكم السفر سواء طالت أو قصرت إذا كان غير مستوطن ولا عازم على الإقامة بذلك الموضع ، وقد اختلف السلف والخلف في ذلك اختلافاً كثيراً ، ثم ذكر بعض أقوالهم وأفعالهم في ذلك ثم عقَّب عليها بقوله : فيقال من أين لكم هذا الشرط والنبي صلى الله عليه وسلم لما أقام زيادة على أربعة أيام يقصر الصلاة بمكة وتبوك ولم يقل لهم شيئاً ، ولم يبين لهم أنه لم يعزم على إقامة أكثر من أربعة أيام ، وهو يعلم أنهم يقتدون به في صلاته ويتأسون به في قصرها في مدة إقامته ، فلم يقل لهم حرفاً واحداً : لا تقصروا فوق إقامة أربع ليال ، وبيان هذا من أهم المهمات ، وكذلك اقتداء الصحابة به بعده ، ولم يقولوا لمن صلى معهم شيئاً من ذلك .اهـ
وقال العلامة أحمد محمد شاكر في تعليقه على مسند الإمام أحمد ج7ص263 عند تعليقه على حديث ثمامة بن شراحيل الذي فيه أنه قال : خرجت إلى ابن عمر فقلنا : ما صلاة المسافر فقال : ركعتين ركعتين إلا صلاة المغرب ، قلت : أرأيت إن كنا بذي المجاز قال : وما ذو المجاز ؟ قلت : مكان نجتمع فيه ونبيع فيه ونمكث عشرين ليلة أو خمس عشرة ليلة قال : يا أيها الرجل كنت بأذربيجان لا أدري أربعة أشهر أو شهرين ؟ فرأيتهم يصلونها ركعتين ركعتين ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نصب عيني يصليها ركعتين ركعتين ثم نزع هذه الآية ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) حتى فرغ من الآية .رواه أحمد وإسناده جيد ، وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " : رواه أحمد ورجاله ثقات ، قال الشيخ أحمد شاكر : وهذا الحديث يدل أن السفر لا ينقطع بإقامة مدة معينة في جهة واحدة أيا كانت المدة طالت أم قصرت .
الخلاصــة
يدل ما تقدم من الأحاديث الصحيحة الثابتة على بقاء حكم قصر الصلاة في السفر مهما كانت مدة المكث ، إذ الأصل الأخذ بالعام على عمومه والمطلق على إطلاقه ما لم يرد دليل صالح للاستدلال يخصص ذلك العموم أو يقيد ذلك الإطلاق ، ولم يأت القائلون بخلاف هذا القول بما يصلح للحُجة وينهض للاستدلال ؛ عدى بعض الأحاديث الضعيفة والآثار الواهية وبعض الأدلة التي لا تدل على الموضوع لا من بعيد ولا من قريب. هذا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق