الحريات كما بينتها خطبة الوداع
إن الإسلام ضمن لكل فرد الحق في التصرف في ماله الذي حصل عليه عن طريق مشروع كيفما يريد، ولكل إنسان الحق في المحافظة على دمه فلا يراق بغير سبب، وفي المحافظة على عرضه فلا ينتهك، وفي المحافظة على مسكنه لا يتعرض لطارق الليل بلا ذنب ارتكبه، هذه الحريات تعتبر دعائم لعقيدة الإسلام، ومن حق المجتمع الإسلامي أن يحققها لأبنائه، ومن حق كل إنسان أن يحافظ عليها وأن يكافح من أجل أن تبقى له… ولأهميتها نرى رسول الله صلى الله وعليه وسلم يؤكدها ويقررها في آخر خطبة خطبها في حياته وهي خطبة الوداع، وتركها لأمته وثيقة باقية تضمن لهم حقوقهم في حياة حرة كريمة، لقد خطب صلى الله وعليه وسلم يوم النحر بعد الظهر في منى في أكبر تجمع للمسلمين في موسم الحج، وكأنه كان يخاطب الأجيال كلها من بعده ويوجهها على أن تحافظ على هذه التعاليم، وأن تحرص على تلك المبادئ فهي تعتبر سمة من سمات المجتمع الإسلامي لقد قال صلى الله وعليه وسلم:
" أيها الناس اسمعوا من قولي واعقلوه، فأني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، أيها الناس: أي شهر هذا؟ فسكتوا، فقال: هذا شهر حرام، وأي بلد هذا، فسكتوا، فقال : بلد حرام ، وأي يوم هذه؟ فسكتوا، قال: يوم حرام ثم قال : إن الله حرم دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرمة شهركم هذا في بلدكم هذا في يومكم هذا إلى أن تلقوا ربكم، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم قال: اللهم فأشهد، ثم قال: إنكم سوف تلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: اللهم فاشهد، ألا ومن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، ألا وأن كل ربا في الجاهلية موضوع، وأن كل دم في الجاهلية موضوع. ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون".
إن الإسلام يرفض أن تكون هناك شخصيات مصونة لا تمس، مقدسة لا تنتقد بل يرفض منطق فرعون الذي أراد أن يجعل السيادة لنفسه ويجعل له مكانة فوق البشر، وقال: أنا ربكم الأعلى .. لكننا نرى رسول الإسلام يعرفه القرآن الكريم للناس بقوله: { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلي أنما إلهكم إله واحد} وطبق المسلمون هذه التوجهات عملياً في حياتهم، فحينما ولي أبو بكر الخلافة بعد رسول الله صلى الله وعليه وسلم، خطب الناس فقال: "أيها الناس أني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن صدفت فقوموني، القوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي حتى آخذ له حقه، أطعيوني ما أطعت الله ورسوله فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم".
إن هذه مبادئ قررها الإسلام للحكم، ودستوراً يؤكد الحرية والأخلاق بين الناس، في إطار الإسلام، وهي نفس المبادئ التي نرجو أن تتحقق في دستورنا الدائم، لنضمن لأنفسنا حياة آمنة مطمئنة لا قلق معها ولا خوف، ولنظل موصولي الصلة بربنا تبارك وتعالى الذي أكد لهذه الأمة الخيرية في قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس }.
المصدر: مجلة "جند عمان".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق