أنوار من الفكر الإباضي
دائماً ترسم الرسائل المتبادلة بين أقطاب الفكر الواحد أو بين أقطاب الفكر وغيرهم من أتباع الأفكار الأخرى سجلاً صادقاً عن المبادئ والقيم التي يدعو إليها ذلك الفكر.
المرجع: تحفة الأعيان ، ج1/ص 184
" إني أوصيك بتقوى الله في سرك وجهرك، وأن تكون على أمر الله حدثاً وفي مرضاته راغباً، وأن تعمل بالعدل في الرعية ، وأن تقسم بينهم بالسوية، وأن تأمر بالمعروف وتحث أهله عليه، وتنهى عن المنكر وترده على من عمل به، وتنزل كل ذي حدث حيث أنزله حدثه، وأن تقيم فيهم كتاب الله، وتحيى فيهم سنة نبي الله صلى الله عليه وسلم، وتسير فيهم بسيرة أئمة الهدى ، في أحد الغضب منك والرضا، ولا يخرجك غضبك من الحق، ولا يدخلك رضاك في الباطل، ولا تتعاطى من الناس عند قدرتك عليهم ما لم يأذن الله به لك فيهم، ولا تخف في الله لومة لائم، واجعل الناس عندك في الإنصاف سواء، واحذر أن يستميلك إلى أحد منهم هوى، ولا تركن إلى أهل الجهل والباطل والطمع والغيّ ، فإن الله قد حذر نبيه محمداً صلى الله عليه سلم: فقال: ( واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ) ، وقال : ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون ) ، وقال: ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون. إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين ) .
" واعلم أنك قادم على رعية قد رعاها رعاة قبلك، وأفضل منك ما أنت قادم عليه، وأن تأمرهم بطاعة الله ، وتعمل بها فيهم، وتدعوهم إلى الوفاء بعهد الله ، وتفي به لهم، وتحضهم على شرائع الإسلام، والرضا بالحلال وترك الحرام، وأن يعملوا بفرائض القرآن فيما ساءهم أو سرهم أو نفعهم أو ضرهم، وأن يسمعوا ويطيعوا لمن ولاه الله أمرهم فيما أطاع الله فيه، وأن يتعاونوا على البر والتقوى، ولا يتعاونوا على الإثم والعدوان، وأن تعدلوا بالحق وتجتمعوا على العدل، وتوادوا أهل الطاعة ، ولا توادوا أهل المعصية فإن الله يقول: ( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ) .
" وازجرهم عن العصيان والحميات ، فإنها من صفات الجاهلية فانْهَ عن ذلك وقدم فيه، واخمد ذلك واطفه، وحذرهم الفتنة البغي والضغائن والفساد والحقد والهمز واللمز لبعضهم بعضاً، فإن ذلك يورثهم الإحن فيما بينهم ، وترك ذلك عوناً لهم على سلامة الصدور، وصلاح ذات البين، واشدد عليهم في الانتهاء عن مشارب الحرام، وجالس الخوض واللعب واللهو والباطل والسفه والجهل والظلم والخيانات، وأمرهم بعمارة مساجدهم، وتقديم أهل الفضل والصالح للإمامة في صلاتهم، فمن قبل ما أوصيته به وأجاب دعوتك واستقام على ذلك فاخفض لأوليائك جناحك ، وألن لهم جانبك واقبل منهم وأحسن إلى محسنهم، ومن كره قبول العافية وأعرض عن الدعوة وخالف الحق وترك السنة وركب المعصية، فشمر لأولئك عن الساق، واحسر لهم عن الذارع، وابسط عليهم من العقوبة ما سيتحقونه بإحداثهم، وأنزلهم حيث أنزلهم الحق فإن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير (
" وأنزل الناس منك منازل على قدر منازلهم من الخير والشر، ولينفع بذلك أهل المعروف، وليضر أهل الباطل والمنكر فعلهم عندك. وشاور من يخاف الله في أمرك وشاركهم في عنايتك، فانك تحاج إليهم ولا غنى لك عنهم، واتخذهم لسرك ولمشورتك، ولا تأخذ تعديل الناس إلا بالثقات الذين لا شبهة في صلاحهم، ولا يختلف في عدلهم فأولئك فاسأل وعنهم فاقبل، واحذر أهل الدنيا الذين تخاف مكرهم، ولا تأمن شرهم وغدرهم، ولا تقم شيئاً من الحدود قِبَلك، ولا تحكم بين الناس في القصاص، ولا في الأرش ولا في الأموال ولا في نكاح ولا في طلاق ولا في عتاق، حتى ترفع ذلك إليّ ، وكلما اشتبه عليك شيء من الحكم فيما بين الناس، فقف، ولا تتقدم عليه حتى تشاورني فانظر فيه أنا ومن معي من أهل الرأي، ثم أطلعك من ذلك على ما أرجو به السلامة، فإن ذلك أسلم لي ولك إن شاء الله، وانصف الضعيف من القوي، والفقير من الغني، والعبد من المولى، وكل حق صح معك حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك ... "
" ... ولا تكن فظاً غليظ القلب من كثرة المعاني، ولا محتجباً عن مطالب الحق والضعفاء واليتامى، واجعل للنساء حظاً من خلوتك فإن لهن أسراراً أنت موضعها، واصبر نفسك لذلك، ولا تضجر من كثرة المعاني، ولا تحكم بين الناس وأنت غضبان، ولا تبع ولا تبتع في ولايتك شيئاً إلا ما لا بد منه من بيعه ومن طعام الصدقات من غير أن تجبر أحداً يشتري منك شيئاً، ولا تعلم أحداً أنه متخذ بذلك عندك يداً ، ولا تجبر أحداً يحمل طعاماً من بلد إلى بلد استكراهاً منك لهم، ولا تقبل من أهل ولايتك الهديات، ولا تجبهم إلى الدعوات، وامر بذلك ولاتك، وأصحابك، فإن ذلك من المعائب، ولا تدعو إلى الإدهان والإصغاء، والركون إلى الهوى ، فأعاذنا الله وإياك من الشيطان وفتنته، ورغب الناس فيما افترض الله عليهم، من أداء زكواتهم ودفعها ليضعوها في مواضعها، واعلمهم أنه من وفى بها فهو من الله في رحبة من الأثر في سعيه والإيجاب له من ثوابه ورحمته، ومن سترها أو شيئاً منها فقد خان الله ورسوله، فليس من الله في شيء ، ولا يقبل الله صلاة لمن كان لزكاته خائناً، قال الله تعالى:
" ... ومن لم يؤد زكاته لم يقم بما أنزل الله من فرائضه وشرائع دينه، ومن أداها إليكم طائعاً فاقبلوها منه ، ومن اتهمتموه فيها وكان عند أهل المعرفة متهماً فاستحلفوه بالله ما ستر عنكم ما يعلم لله فيه حقاً من غير تهديد منكم له بحبس ولا قيد ولا ضرب، فإن يك صادقاً فقد سلمتم وسلم وإن يك كاذباً فسيلقى الله بخيانته وأنتم أبرياء منها، ولعمري لأن يلقى الله بخيانته أحب إليّ أن تلقوه بعقوبته على غير بيان ولا برهان، وحاسبوا أهل التجارات على تجارتهم بالرفق والدعة، ويقوم عليهم كلما أرادوا التجارة بقيمة عادلة وسطاً على أوسط سعر البلد، ومن ادعى أن عليه ديناً وقال أنه يريد أن يقضي دينه من ورقه في سنة طرح عنه دينه، فإن بقى في يده ما يبلغ فيه الصدقة أخذت منه، وإن لم يبقى ما يبلغ فيه الصدقة فلا سبيل عليه، وإن اتهم فيما ادعى استحلف بالله إن عليه من الدين كذا وكذا، وكل دين على رجل مفلس فإنه لا يحاسب عليه، ولا يكمل به الصدقة، ولا يؤخذ بما في أيدي الناس من ثمارهم، ولا يقوم ذلك عليهم في حساب ورقهم حتى يبيعوها ويصيروها دراهم، ويحمل ما الولد على مال والده ما دام ولده في حجره ولو كان بالغاً، وما كان أوفر للزكاة من حمل الورق على الذهب أو الذهب على الورق حمل، ويقوم الذهب والفضة بأوسط صرف البلد، ومن أراد أن يعطي ما يلزمه من الفضة فضة بقدر ما وجب عليه فله ذلك، وليس عليه أن يكسر فضة، ومن أراد أن يعطي ما وجب عليه بالمصارفة على صرف فضة في البلد فله ذلك ... "
".... واعلم أني قد وضعت لك جملاً في كتابي هذا ، مما أرجو لك ولي فيه السلامة من العيب، والإحياء للسنة ، والإماتة للبدعة ، واقتد بما كتبت لك ، ولا تجاوز شيئاً من ذلك ، ولا تختر عليه غيره، فإنك إن تركت شيئاً مما كتبت لك ، وعملت بخلافه لم آمن عليك العيب في الدنيا والآخرة، وكلما جاوزت أمري فلزمك في ذلك قصاص لأحد أو أرش أو غرامة في مال فهو عليك في نفسك ومالك دون مال المسلمين ، وإن عرض لك أمر مما لم أكتب به لك في كتابي هذا فلا تقدم على إنفاذه حتى تشاورني فيه إن شاء الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق