أنفع العلوم معرفة الله تعالى

 أنفع العلوم معرفة الله تعالى

تقديم

فضيلة الشيخ محمد أبو الحسن شحاتة

أستاذ التفسير بمعهد القضاء الشرعي:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله., وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد رسول الله وخيرته في خلقه ، خاتم النبيين ، وأشرف المرسلين ، وعلى آله وصحبه . ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين...

 وبعد ،،،

 فإن معرفة الله سبحانه أفضل النعم التي أنعمها على عباده ، وكلما ازداد العبد معرفة بالله ، ازدادت هيبته له ، ومن كان بالله أعرف كان له أخوف ، وفيهم قال تعالى : (( إنما يخشى الله من عباده العلماء ))  ( فاطر : 28 ) فهم قد انسوا بذكر الله حتى استوحشوا من خلقه ، وافتقروا إليه تعالى فأغناهم عن خلقه ، وذلوا لله فأعزهم .

اقرا ايضا :تعريف الدين

وشيخنا سماحة الشيخ إبراهيم بن سعيد العبري يقدم في حديث له قيم قبسة من قبسات النور الرباني في معرفة الله تعالى ، وهو ينقل عن الإمام العلامة إسماعيل الجيطالي ما جاء في كتابه " قناطر الخيرات " أن حاتما الأصم تعلم من شيخه شقيق البلخي مسائل تدل على جميع أنواع الخير والديانة ، وبين أن هذا العلم يهتم بإدراك أهل الآخرة الذين يعلمون أنه ميراث الأنبياء التي بعثت لهداية البشرية . وهو أشرف العلوم لأنه يوصل إلى معرفة الله ، فيحقق إحسان العبادة له وإخلاص القصد إليه وجميل التوكل عليه .

 

فأقبل أخي إلى هذه المعاني تأخذ نفسك عليها وتستعيد معانيها وتتدبرها لعل الله سبحانه ينفع بها ويمكنك من أن تدعو أهلك وغيرك إليها ليعم نفعها .. هذا .. وبالله التوفيق

 محمد الحسن شحاتة

أنفع العلوم معرفة الله تعالى

اقرا ايضا :أركان الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله نور قلوب أولياءه بأنوار العلم ، وأخرجهم بها من ظلمات الوهم ، فأظهر مسالك الطرق الموصلة إلى مرضاته ، لكي يسعدوا بالمسير إلى جناته ، والصلاة والسلام على خير الخلق وأطهرهم واتقاهم ، سيدنا ونبينا محمد ، وعلى آله وأصحابه وتابعيهم وعلى علماء المسلمين الذين بصروا من العمى ، ووصفهم الله تعالى بقوله : (( إنما يخشى الله من عباده العلماء )) ( فاطر : 28 ) .

أما بعد :

فإن العلم له فنون كثيرة ، وإن بعض فنونه انفع من بعض ، وإن أفضلها وأنفعها ما عرف صاحبه به ربه ، وأورثه الخوف والمحبة ، وقاده إلى طريق السعادة ، وفاز به في الآخرة ، ولا خير في علم لا ينفع .

وإلى القراء الكرام نبذة عن شيء من العلم النافع ، وهو ما عناه الإمام العلامة إسماعيل بن موسى الجيطالي – رضي الله عنه – في كتابه " قناطر الخيرات " ، عما روي عن حاتم الأصم تلميذ شقيق البلخي أنه قال له شقيق : منذ متى تتلقى ؟ فقال له : منذ ثلاث وثلاثين سنة ، قال : فماذا تعلمت مني في هذه المدة ؟ قال : ثماني مسائل . فقال شقيق : لا حول ولا قوة إلا بالله ، ذهب عمري معك ، ولم تتعلم مني إلا ثماني مسائل ، فقال : يا أستاذي لم أتعلم غيرها ، ولا أحب أن أكذب . فقال هات هذه المسائل حتى أسمعها . قال حاتم : نظرت إلى هذا الخلق فوجدت كل واحد يحب محبوبه يظل معه ، فإذا وصل إلى القبر فارقه ، فجعلت الحسنات محبوبي حتى إذا دخلت القبر دخلت معي . قال : أحسنت يا حاتم ، فما الثانية ؟ فقال : نظرت إلى قوله عزوجل : (( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ، فإن الجنة هي المأوى )) ( النازعات : 40 – 41 )

فعلمت أن قوله تعالى هو الحق فأجهدت نفسي في دفع الهوى ، حتى استقرت على طاعة الله .

قال : فما الثالثة ؟ إني مررت إلى هذا الخلق ، فرأيت كل من معه شيء له قيمة ومقدار ، رفعه وحفظه ، ثم نظرت في قول الله عزوجل ((ما عندكم ينفد وما عند الله باق )) ( النحل : 96 ) فكلما وقع لي شيء  له قيمة ومقدار ، وجهته إليه ليبقى عنده .

قال : فما الرابعة ؟ قال : إني نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد منهم يرجع إلى المال الحسن والشرف والنسب ، ونظرت إلى قوله تعالى (( إن أكرمكم عند الله اتقاكم )) ( الحجرات : 13 ) فعملت في التقوى حتى أكون عند الله كريما .

اقرا ايضا :أنفع العلوم معرفة الله تعالى

قال : فما الخامسة ؟ قال : إني نظرت لآي هذا الخلق ، وهم يطعن بعضهم في بعض ، ويلعن بعضهم بعضا ، وأصل هذا كله الحسد : ثم نظرت إلى قول الله تعالى (( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا )) ( الزخرف : 32 ) فتركت الحسد ، واجتنبت الخلق ، ثم علمت أن القسمة من عند الله سبحانه وتعالى ، فتركت عداوة الخلق .

قال : فما السادسة ؟ قال : إني نظرت إلى هذا الخلق ، يبغي بعضهم على بعض ، وقاتل بعضهم بعضا ، فرجعت إلى قول الله تعالى : (( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا )) ( فاطر : 6 ) ، فعاديته وحده ، واجتهدت في أخذ حذري منه ، لأن الله شهد عليه أنه عدو ، وتركت عداوة الخلق .

 

قال : فما السابعة ؟ قال : نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد منهم يطلب عيشه بلهفة ، فيضل بنفسه ويدخل فيما لا يحل له ، ثم نظرت إلى قول الله تعالى (( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها )) ( هود : 6 ) ، فعلمت أني واحد من هذه الدواب التي على الله رزقها ، فاشتغلت بما لله علي وتركت ما لي عنده .

قال : فما الثامنة ؟ قال : إني نظرت إلى هذا الخلق فرأيتهم متوكلين على غير الله ، هذا على ضيعته ، وهذا على تجارته ، وهذا على صناعته ، وهذا على صحة بدنه ، فكل مخلوق متوكل على مخلوق، فرجعت إلى قول الله عزوجل : (( ومن يتوكل على الله فهو حسبه )). ( الطلاق : 3 ) فتوكلت على الله وهو حسبي .

 

قال شقيق : يا حاتم نوّر الله بصيرتك ، فإني نظرت في علم التوراة والإنجيل والزبور والفرقان العظيم ، فوجدت جميع أنواع الخير والديانة ، تدل على هذه المسائل فمن استعملها فقد استعمل الكتب الأربعة .

اقرا ايضا :الولاية والبراءة

 

قال الشيخ إسماعيل – رحمه الله – فهذا الفن من العلم إنما يهتم بإدراكه والتفكير له ، علماء الآخرة ، وأما علماء الدنيا فيشتغلون بما يتوسعون به في اكتساب المال والجاه ، ويهملون أمثال هذه العلوم ، التي بعثت بها الأنبياء – عليهم السلام – فمثال من يشتغل بمسائل الفتاوى والجدال والخصومات ، وأعرض عن طريق الآخرة وآفاق الأعمال ، مثل رجل مريض به علل كثيرة وقد صادق طبيبا حاذقا في وقت ضيق يخشى فيه فواته ، فاشتغل بالسؤال عن خاصية العقاقير والأدوية ، وترك مهمته التي هو مؤاخذ بها ، والتي تنجيه من علله .

 

والله نسأل العون والتوفيق ، والعصمة والتأييد ، إنه قريب مجيب ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.