أركان الإيمان
تقديم بقلم :
فضيلة الشيخ محمد أبو الحسن شحاتة
أستاذ التفسير بمعهد القضاء الشرعي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات و الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد رسول الله وخيرته في خلقه ، خاتم النبيين ، وأشرف المرسلين ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
وبعد ،،،
يتطرق حديث سماحة الشيخ إبراهيم بن سعيد العبري إلى ذكر شيء من توحيد الله وصفاته العلية الواجبة .فيجب على العبد المكلف معرفة ربه الذي خلقه فسواه فعدله ، وهذه المعرفة تقوم حجتها بالعقل ، والتفكير في هذه المخلوقات التي أبدعها الله سبحانه وأودع فيها أسرار قيامها بما سخرت له ، والتي تدل على أن لها خالقا خلقها ومبدأ يقوم على أمرها .
ثم بين ما يجب في حق الله من صفات الوجود والقدم والوحدانية والحياة والقدرة والمشيئة وذكر أنها صفات الذات ، وأن هناك صفات أخرى هي صفات الأفعال كالإحياء والإماتة والرزق ونحوه .
وكما يجب على المكلف معرفة الصفات الواجبة والجائزة في حق الله تعالى ، يجب عليه أيضا الإيمان بأركانه من الإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر ، وشرح في تفصيل معنى كل ركن من الأركان في أسلوب بسيط ميسر .
فأقبل أخي إلى هذه المعاني تأخذ نفسك عليها وتستعيد معانيها وتتدبرها لعل الله ينفعك بها ويمكنك من أن تدعو أهلك وغيرك إليها ليعم نفعها ،هذا ...... وبالله التوفيق
أركان الإيمان
(توحيد الله المجيد ، وما يتعلق به مما يجب الإيمان على كل مكلف من العبيد)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الأول قبل كل شيء ، والآخر بعد كل شيء ، والعالم بكل شيء ، والقادر على كل شيء ، والمالك لكل شيء ، والمدبر لكل شيء ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، والصلاة والسلام على من أرسله الله للعالمين بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، وعلى آله وصحبه المجاهدين في سبيل الله جهادا كبيرا .
أما بعد :
فهذه كلمة موجزة في ذكر شيء من توحيد الله عزوجل ، وذكر شيء من صفاته العلية الواجبة له تعالى والجائزة عليه ، وفيما يستحيل عليه من الصفات والأفعال .
اعلموا – هدانا الله وإياكم – أن أول ما يجب على العبد – إذا بلغ حد التكليف – معرفة الله ، الذي خلقه فسواه فعدله ، في أي صورة ما شاء ركبه ، وهذه المعرفة تقوم حجتها بالعقل ، على كل مكلف سليم العقل ، ولو لم يرها مكتوبة . ولم يسمعها من أحد ، لأن هذا الكون وما فيه من الآيات ، وعجائب المخلوقات ، وخلق الأرض والسماوات ، والجبال الراسيات ، والشمس والقمر والنجوم النيرات ، جميعها تنادي بلسان حالها ، وبديع جمالها ، أن لها خالقا خلقها ، وصانعا صنعها ، ومخترعا أنشأها وأبدعها ، لأن كل عاقل يعلم أنها لم تخلق نفسها ، وإذا استحال عليها أن تخلق نفسها فحينئذ لا بد لها من خالق ومصور ومخترع حكيم ، قادر عليم ، خبير مدبر ، غير حادث ، لأن كل حادث يعجز عن صنع شيء من هذه الكائنات . قال الله جل ذكره : (( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون )) ( البقرة : 164 )
وليس للطبيعة في هذا فعل ولا تأثير ، ولا ينبيك مثل خبير ، فإذا اهتدى المكلف إلى الإيمان بخالق هذه الكائنات ، وسمع بألفاظ هذه الأسماء والصفات ، التي طريق العلم بها من جهة السماع . وجب عليه الإقرار بها ، ولم يسعه جهلها ولا الشك فيها ، بعد قيام حجتها طرفة عين ، ويجب عليه الإيمان بالله ، وبأنه يجب في حقه الوجود والقدم ، والحياة والوحدانية ، والقدرة والمشيئة والعلم والسمع والبصر ، والغنى والكلام والبقاء ، ويستحيل عليه ضد هذه الصفات ، وهي العدم والحدوث والموت والشريك والعجز والجهل والصمم والعمى والفقر ، والخرس والفناء ، ويجوز في حقه الإحياء والإماتة ، والرزق والبعث ، ونحو ذلك .
والصفات الواجبات في حقه تسمى صفات ذات ، والصفات الجائزة تسمى صفات فعل .
وكذلك يجب عليه أن يعتقد : أن الله ليس كمثله شيء ، وأنه ليس له شبيه ولا نظير ، ولا مشير ولا وزير ، ولا والد ولا ولد ، ولا صاحبة ولا معين ، وأنه لا يحويه مكان ولا زمان ، وأنه كان ولا مكان ولا زمان ، ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وأنه لا تراه العيون ولا تكتنفه الأوهام ولا الظنون ، إذا أراد شيئا قال له كن فيكون ، واحد أحد فرد صمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، خلق فسوى ، فقدر فهدى ، وأمات وأحيا ، وأعطى وأكدى ، وهو رب الشعرى ، ورب الآخرة والأولى ، وأنه غني عن خلقه ، وخلقه محتاجون إليه ، لا إله إلا الله ، ولا نعبد إلا إياه ، إلها واحدا فردا صمدا ، معيدا مبدئا ، علمه بما سيكون كعلمه بما كان ، لا يعزبه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ، خالق كل شيء ومقدره ، ورازق كل حي ومدبره ، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، عدل في حكمه حكيم في صنعه ، لم يخلق شيئا سدى ولا عبثا ، ولا يظلم ربك أحدا ، ومعنى توحيد الله : إقرار العبد واعتقاده جزما ، وإيمانه بأن الله متفرد بكل صفات الكمال ، وأنه واحد أحد في الصفات والأفعال ، وأنه لا شريك له في كماله ، ولا مثيل له في جلاله ، وأنه ذو الألوهية ، لا إله إلا الله ، وأنه المختص بالعباد فلا معبود بحق سواه .
والإله معناه المألوه المعبود ، المستحق الإفراد بالعبادة ، لما اتصف به من صفات الألوهية ، وهي صفات الكمال .
ولفظ الجلالة الذي هو الله ، علم على الذات الواجبة الوجود سبحانه ، وهو أعرف المعارف على الإطلاق ، وكونه سبحانه مستحقا للألوهية ، مستلزما لصفات الكمال ، فلا يستحق أن يكون معبودا لذاته إلا هو ، وكل عمل لا يراد به وجه الله فهو باطل ، وكذلك كل عمل يراد به مع الله غيره – كأعمال المرائين – كما ورد في الحديث المقدس عن رسول الله - r - أنه قال : يقول الله تبارك وتعالى : ( من عمل عملا أشرك فيه غيري فهو له كله ، وأنا أغنى الشركاء عن الشرك ) رواه ألغمام الربيع بن حبيب بسنده الثلاثي عن أبي هريرة . وعبادة غيره توجب الشرك .
وكذلك يجب على المكلف الإيمان بالملائكة ، ومعناه التصديق بملائكة الله ، وأنهم موجودون مخلوقون من نور ، وأنهم – كما وصفهم الله – عباد مكرمون ، يسبحون الليل والنهار لا يفترون ، وأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وأنهم قائمون بوظائفهم التي أمرهم الله القيام بها ، ويجب بالإيمان على التفصيل بمن ورد تعيينه منهم باسمه المخصوص ، كجبرائيل وإسرافيل ، فجبريل – عليه السلام – هو الموكل بأداء الوحي ، وهو الروح الأمين ، وميكائيل : هو الموكل بالقطر ، وإسرافيل : هو الموكل بالنفخ في الصور ، وعزرائيل : هو الموكل بقبض الأرواح ، ومنهم الموكل بأعمال العباد ، وهم الكرام الكاتبون ، ومنهم الموكل بحفظ العبد من بين يديه ومن خلفه ، وهم المعقبات ، ومنهم الموكل بالجنة ونعيمها : وهم رضوان ومن معه ، ومنهم الموكل بالنار وعذابها : وهم مالك ومن معه ، ومنهم الموكل بفتنة القبر : وهم منكر ونكير ، ومنهم حملة العرش ، وغير ذلك من أنواع الخدمة والعبادة ، ولا يوصفون بالأكل والشرب والنوم ، ولا بكونهم ذكرانا أو إناثا ، وإنما يوصفون بما وصفهم الله بما تقدم ذكره .
وكذلك يجب بالإيمان بجملة كتب الله التي أنزلها على رسله وأنبيائه ، وأنها نور وهدى ، وأن ما تضمنته حق وصدق ، والإيمان بالقرآن على الخصوص ، وبما ذكره الله منهما في القرآن : وهي التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى ، ويجب مع الإيمان بالقرآن الإيمان بأنه منزل من عند الله والإيمان بأنه وحي الله وتنزيله، أنزله على سيد المرسلين ، وخاتم المرسلين - r - وعليهم أجمعين .
وكذلك يجب على المكلف الإيمان برسل الله تصديقا جازما ، بأنهم لله رسل ، أرسلهم لإرشاد الخلق ، في معاشهم ومعادهم ، حيث اقتضت حكمته أن لا يهمل خلقه ، بل أرسل إليهم رسلا مبشرين ومنذرين ، ويجب تعيين الإيمان بمن ذكرهم الله في القرآن ، وهم : آدم ونوح وإدريس وصالح وإبراهيم ، وهود ولوط ويونس وإسماعيل ، وإسحق ويعقوب ويوسف وأيوب وشعيب ، وموسى وهارون ، واليسع وذو الكفل وزكريا وداود وسليمان وإلياس ، ويحيى ، وعيسى ونبينا محمد - r - وعليهم أجمعين – وموضوع الرسالة التبشير والتنذير ، قال الله تعالى (( رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل )) ( النساء : 165 ) والحكمة في ذلك دعوة أممهم إلى عبادة الله وحده ، قال تعالى : (( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت )) ( النحل : 36 ) ، وأفضل المرسلين أولو العزم ، وهم المذكورون في سورة الشورى ، قال الله تعالى : (( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى )) ( الشورى : 13 ) ، فهؤلاء خمسة لأن قوله : (( والذي أوحينا إليك )) ( الشورى : 13 ) خطاب لنبينا محمد - r - وعليهم أجمعين – وأفضلهم على الإطلاق ، وخاتمهم بالاتفاق
وكذلك يجب الإيمان بالموت والبعث والحساب ، والثواب والعقاب ، والجنة والنار ، وأن الجنة هي دار الثواب لجميع السعداء .
فاتقوا الله أيها المسلمون واتبعوا سبيل المؤمنين ، ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ، ونصله جهنم وساءت مصيرا ، هدانا الله لما يقربنا زلفى ، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا ، وانصرنا على القوم الكافرين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق