البطولات الإباضية في دحر الحملات الصليبية لبني همدان - مكتبة أهل الحق والإستقامة

أحدث المشاركات

Post Top Ad

Post Top Ad

الاثنين، 10 يناير 2022

البطولات الإباضية في دحر الحملات الصليبية لبني همدان

 





عنوان الكتاب: البصيرة
المؤلف: أبي محمد بن أبي عبد الله الأصم
الجزء: الثاني
الناشر: وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان
طبع: دار جريدة عمان للطباعة للصحافة والنشر
سنة النشر: 1404هـ - 1984م
[ترقيم الصفحات موافق للمطبوع]
سلطنة عمان
وزارة التراث القومي والثقافة
البصيرة
[ترقيم الصفحات موافق للمطبوع]
تأليف
العلامة المحقق أبي محمد بن أبي عبد الله الأصم
الجزء الثاني
1404هـ - 1984م
(1/1)
سلطنة عمان
وزارة التراث القومي والثقافة
البصيرة
تأليف
العلامة المحقق أبي محمد بن أبي عبد الله الأصم
الجزء الثاني
1404هـ - 1984م
(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
(1/3)
[صفحة بيضاء]
(1/4)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المعبود وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
إن للعبادة أثرا بارزا في كل ما يتصل بالإنسان وما يصدر عنه في ذاته وغريزته وخلقه ومعاملته ونفسه وبدنه ومعيشته وحياته وإذا نظرنا إلى طاعة الله ومداومة عبادته وجدناها تحيط الفرد بسياج من الحفظ يحميه من مقارفة المعصية والتلوث بدنسها فمن عرف حقيقة الإيمان واغترف من الطاعة ارتقى في سمائها فتأبى على الهبوط. والمسلم الذي يولي وجهه شطر ربه عابدا خاشعا لا يمكن إلا أن نراه راغبا في الخير زاهدا في الشر مقبلا على الطاعة مدبرا عن المعصية محبا للمعروف والطيبات ومحاسن الشيم، كارها للمنكرات والفواحش والخبائث لأن العبادة الصادقة لا يمكن أن تؤدي إلا إلى الخير والبعد عن الشر. وفي حنايا الطاعة وعلو هديها يهذب المسلم شعوره ويرقى وجدانه وينمي فضائله ويكبت رذائله ويقوم من خلقه ويسوي من سلوكه يتألق في جبينه الصدق فلا كذب ولا مراء و يتفجر من قلبه الود فلا ضغينة ولا شحناء ويشع من ثغره، صفو الحديث ولين المنطق فلا رفث ولا جدال ويشيع من حوله الطهر والنقاء، فلا معصية ولا فسوق أنه نموذج للعابد الصادق وتجسيد حي للفضيلة التي تأخذ واقعها من دين الله في دنيا الناس على سنن الهدى والرشاد.
(1/5)
وعبودية الإنسان لله لا تتحقق بمجرد اعتقاد الإنسان بوجود الله وأنه هو الخالق والرازق بل لابد من الالتزام المستمر لما أراد وشرع. فالعبادة تشمل كل جوانب حياة الإنسان وتجمع كل ما يرضي الله سبحانه وتعالى من الأقوال والأعمال في شتى مجالات الحياة. لهذا كانت العبادة شاملة لعمل القلب بالخشوع وعمل الجوارح بالسلوك وفق ما شرع الله سبحانه وتعالى. ولما كان معلوما في هذا الدين أن العبادة تقوي العقيدة وتثبت الإيمان في القلوب وتقويه وأن التقصير فيها يضعف الإيمان فتذبل شجرته. لعلنا من هذا ندرك لماذا كان اهتمام أبناء الوطن العماني منذ القرن الثاني الهجري بالبحث والتحري والتدقيق وجمع الأحكام الشرعية فألفوا وكتبوا الكتب العديدة والمجلدات الضخمة بل إنهم قد نظموها شعرا. إلا أن كثيرا من هذه المؤلفات ظلت قرونا كثيرة حبيسة الأرفف والخزائن بسبب معوقات الحياة إلى أن أراد الله لها الظهور والانتفاع بها فكانت النهضة المباركة بقيادة جلالة السلطان المعظم قابوس بن سعيد الذي أولاها كل عناية ورعاية فكانت وزارة التراث التي قدرت المسؤولية وحملت الأمانة بصدق وإخلاص فبدأت في جمع هذه المخطوطات وطبعها لتكون منارات يشع منه النور الذي يبدد ظلام الجهل والتخلف ويسرع بأبناء هذا الوطن إلى أن يأخذوا مكانهم اللائق بهم في ضوء تراثهم الخالد وإشراقة نهضتهم الميمونة ومن هذه المخطوطات التي قامت وزارة التراث بطبعه هو كتاب البصيرة الذي قام بتأليفه العالم الجليل عثمان بن عبد الله بن خلف بن بلحس الرويحي النزوي العلوجيالقلوجي مسكنا والإباضي مذهبا، غفر الله له ولوالديه ولجميع المؤمنين والمؤمنات. وهو في الفقه قسم العبادات وقد جمع فيه العالم الفاضل كثيرا من
(1/6)
الأحكام الشرعية من الفرائض والسنن والفضائل بما لا يستغنى عن معرفتها والحاجة إليها مسلم، وقد ذكر المؤلف في كتابه الكثير من الآراء والأقوال الفقهية ومقارنا بينها وبين ما ذكره في كتابه. والكتاب وإن كان ليس مجلدا ضخما إلا أنه حوى من العلم والمعرفة لكل من أراد أن يتفقه في دينه ويعرف أحكام عبادته. وقد روعي في طبعه ترتيب أبوابه وتوضيح فصوله وتنسيق مسائله ليسهل على القارئ الوصول إلى الفائدة المرجوة.
(1/7)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الأول قبل كل شيء، والآخر قبل كل شيء، والخالق لكل شيء، والمالك لكل شيء، والقادر على كل شيء، والعالم بكل شيء، وبيده ملكوت كل شيء، وإليه ترجعون. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا.
باب في تعليم القرآن الكريم والعلم
وتعليم القرآن الكريم والعلم فريضة على كل مسلم بالغ، وهو على الكفاية، إذا قام به البعض، سقط على من لم يقم به، وأن الذي لم يقم به قد قام بما لا يسعه جهله، مأخوذ من باب الفريضة من الكفاية يذكر أنه من الضياء قال بعض المفسرين في قوله تعالى: {لا فارض ولا بكر} (1).الفارض المسنة، سميت بذلك لأنها انتهت إلى آخر الحدود في الأسنان ولها في كل شيء حد، فإذا تناهت إلى آخر الحدود قيل لها فارض، لأنه لا سن بعد ذلك، فالبكر أولها والفارض آخرها، وكذلك كل حد حده الله تعالى فهو فرض قد فرضه الله، ومقدار قدره، وعلامة علمها، لا يجل من يجاوز ذلك
__________
(1) الآية 68 من سورة البقرة.
(1/8)
الحد والعلامة، فلذلك سمي فرضا والفرض من وجده آخر الهبت، ومنه يقال: فرض المجذوذ الموثق ويقال: الفرض الفطين ومنه أيضا وأنشد:
هلا جزيتكما يوما بفرضكما
فجزاء ومجاوزة.
مسألة: أول ما يلزم العبد الله من الفرائض التي لا يسع جهلها معرفة الله تعالى، ومعرفة نبيه محمد ص ومعرفة نفسه ومعرفة العدو إبليس لعنه الله ومعرفة الإخلاص لله.
مسألة: ويلزم العبد البالغ والعاقل في كل يوم وليلة أربع وعشرون فريضة، وبيانها في كل كتاب الله عز وجل وموجودة لشرحها من سنن الرسول ص وذكر الله باللسان والقلب، واعتقاد معاداة ابليس لعنه الله، والثاني: ستر العورة، لأداء الفراض لقوله تعالى: {خذوا زينتكم عند كل مسجد} (1).والثالث الوضوء لقوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة} (2)، المكتوبة لقوله: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} (3)، يقول فرضا مفروضا. والرابع: الصدق لقوله تعالى: {وإذا قلتم فاعدلوا} (4) يعني فاصدقوا. والخامس: القدر الحلال لقوله: {كلوا من طيبات ما رزقناكم} (5).
__________
(1) الآية 31 من سورة الأعراف.
(2) الآية 6 من سورة المائدة.
(3) الآية 103 من سورة النساء.
(4) الآية 152 من سورة الأنعام.
(5) الآية 57 من سورة البقرة.
(1/9)
والسادس: غض البصر عن المحارم لقوله: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} (1). والسابع: حفظ الأذنين من سماع الباطل لقوله: {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه} (2). والثامن: احتراس القلب من الظنون الرديئة لقوله: {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} (3). والتاسع: حفظ اللسان عن الغيبة والهبت والكذب والشتم لقوله: {ولا يغتب بعضكم بعضا} (4). والعاشر: اجتناب الظن لقوله: {اجتنبوا كثيرا من الظن} (5). والحادي عشر: اجتناب السخرية لقوله تعالى: {لا يسخر قوم من قوم} (6). والثاني عشر: النهي عن التجسس لقوله تعالى: {ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا} (7). والثالث عشر: التوكل على الله تعالى لقوله: {وتوكل على الحي الذي لا يموت} (8)، فالتوكل فرض ومعناه الانقطاع إلى الله تعالى، وترك الاعتقاد على المخلوقين، والثقة به وحده، وحسن الظن واليقين أنه لا يرزق غيره عز وجل.
__________
(1) الآية 30 من سورة النور.
(2) الآية 55 من سورة القصص.
(3) الآية 36 من سورة الإسراء.
(4) الآية 12 من سورة الحجرات.
(5) الآية 12 من سورة الحجرات.
(6) الآية 11 من سورة الحجرات.
(7) الآية 12 من سورة الحجرات.
(8) الآية 58 من سورة الفرقان.
(1/10)
والرابع عشر: الرضا بقضاء الله عز وجل، والصبر تحت الأحكام لقوله تعالى: {واصبر لحكم ربك} (1) يعني ارض بقضاء ربك. والخامس عشر: الشكر لله تعالى على ما وهب لقوله عز وجل: {واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون} (2)، ومعنى الشكر أن تطيع الله بجميع جوارحك كلها لرب العالمين. والسادس عشر: الصبر عند الشدائد لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا} والتوبة من الذنوب لقوله تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعا}، مع مواضع كثيرة عرضها. والسابع عشر: النهي عن التلمز لقوله تعالى: {ولا تلمزوا أنفسكم}. والثامن عشر: النهي عن الألقاب لقوله تعالى: {ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب}. والتاسع عشر: إخلاص العمل لله تعالى لقوله عز وجل: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا}. والعشرون: الاستعداد للموت مع حسن اليقين لقوله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}. والحادي والعشرون: العمل بحجة الله عليكم، ولا تعملوا عملا في
__________
(1) الآية 48 من سورة الطور.
(2) الآية 172 من سورة البقرة.
(1/11)
السر والعلانية إلا بحجة فإنه عز وجل يقول: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}. والثاني والعشرون: إظهار الفقر والفاقة إلى الله تعالى، والتبرؤ أو الحول والقوة، والإقرار بالعجز والضعف لقوله عز وجل: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله}، والافتقار إلى الله تعالى في جميع الأحوال والاستقامة على هذه الأربع والعشرين الخصلة فريضة مع بر الوالدين لقوله تعالى: {أن اشكر لي ولوالديك إليّ المصير}. وتجب على كل حال التوبة من الذنب كما قال الله: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}، الذنوب جمع ذنب، والذنب الإثم والمعصية، والذنوب بفتح الذال ملء دلو من ماء، ويكون أيضا النصيب من كل شيء كما قال علقمة بن عبيد:
وفي كل حي قد بطت بنعمة ... فحق لساس من بذاك ذنوب
أي نصيب قال الله عز وجل: فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم، قال أبو عبيدة: أي نصيب.
مسألة: والذنوب عند المسلمين على منزلتين، فذنوب يهلك بها صاحبها عند مباشرتها ومواقعتها وهي الكبيرة، وذنوب يهلك بها صاحبها بترك التوبة منها والمقام عليها وهي الصغائر.
مسألة: عن ابن عباس في قوله عز وجل: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل
(1/12)
ذلك} يعني هذه الخصال جميعا أو شتاتا {يلق أثاما}. وعنه أيضا الكبير ما أعد الله في سورة النساء إلى هذه الآية: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم}، وقال النبي ص: «أكبر الكبائر الشرك بالله، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس، وقتل النفس وقول الزور»، ثم استوفى معناه كأن يقوم من عصب أو عمله ص، ثم قال: «اليمين الغموس، وفرارمن الزحف، ورمي المحصنة وأكل الربا، وأكل أموال اليتامى».
مسألة: وقال المسلمون: كل ما أوجب الله تعالى فيه الحد في الدنيا والعذاب في الآخرة، فهو من الكبائر، وقال بعض: ما قاد أهله إلى النار فهو كبيرة، قال ابن عباس: كل ما يعصى الله به فهو كبائر حتى الطرفة، يعني النظرة، واللطمة من كبائر الذنوب، فيها الأرش، وسوء الظن بالمسلمين من الكبائر، والإصرار ضد التوبة وهو الامتناع من الرجوع إلى الحق، واعتقاد الإقامة على المعصية، وأنه لا يتوب منها، ويقال: أصر على الأمر إذا أجمع عليه، ومن ذلك صرة الدراهم لاجتماع الدراهم فيها، عن عائشة قالت: ما من عبد أصاب ذنبا صغيرا فصغره واستخف به إلا علم عظم ذلك الذنب عند الله حين يكبه الله في النار، وما من عبد أصاب كبيرا فندم عليه، وصبر لحكم الله تعالى، فأدى الواجب عليه فيما ألزمه إلا صغر ذلك الذنب عند الله حتى يغفر له، وقال بشير: من عمل المعصية ثم تاب فالله يقبل منه كلما تاب ما لم يصر. والثالث والعشرون: العمل بحجة الله، وتعملون عملا في السر والعلانية إلا بحجة فإنه عز وجل يقول: قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.
(1/13)
والرابع والعشرون: في الطهارة وكفارة اليمين، وفطرة شهر رمضان.
باب في الفرائض التي إذا قام بها البعض أجزى عمن لم يقم بها
وهي الجهاد، وتعلم القرآن والسنة، والعلم وصلاة الجماعة، وغسل الموتى وتكفينهم والصلاة عليهم ومواراتهم، فهذه الفرائض لو تركها جميع الناس كفروا.
باب في فرائض العبد على نفسه
مسألة: وفرائض العبد على نفسه وهي ألا يستعمل جوارحه إلا فيما يجوز له، ومثل ذلك أن لا ينظر إلا ما يجوز له ولا يسمع إلا ما يجوز له ولا يتكلم إلا بما يجوز له ولا يأكل ولا يشرب إلا ما يجوز له، ولا يأكل حراما إلا عند الاضطرار.
مسألة: فإنه لا يحل لامريء مسلم إلا من حيث ما أحل الله من الموارثة والبيع عن التراضي وما طابت النفس فيما بينهم، وما وجب بحق من الحقوق التي تجري في المعاملات، ولا يحل دم امريء مسلم إلا بارتداد عن الإسلام، أو زنا بعد إحصان، وقتل نفس بغير نفس تعمدا ظلما وعدوانا ولا يحل فرج امرأة إلا بتزويج، أو ملك يمين، على أي الوجوه ملكها من وجوه
(1/14)
الامتلاك، ما لم تكن مشركة، فإن ذلك لا يجوز نكاح المشركات بتزويج ولا ملك يمين إلا ما أحل الله من التزويج بالمحصنات من نساء أهل الكتاب إذا كانوا سلما للمسلمين، وإذا كانوا حربا فنساؤهم حرام.
باب في سنة الكفاية
من الكفاية يذكر أنه من كتاب الضياء، وفي الحديث أن: «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن سنة سيئة فلعيه وزرها، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أوزارهم شيء». وإنما قيل السنة في الدين لأنها طريقة ومسيرة ووجه وعلامة ورسم من الأنبياء صلوات الله عليهم يقتدى بها من بعدهم ويجري الناس عليهم وعليها في دينهم وكل سنة موافقة في الكتاب فهي سنة رسول الله ص وما خالف الكتاب فهو بدعة لأن الكتاب والسنة متفقان مقرونان.
فصل: إن جميع السنن الفرائض على ثلاثة أوجه: فوجه ما هو تفسير جملة فرض القرآن فما لا يعرف تأويله ولا وصل أحد بعقله إلى علم ما افترض الله تعالى فيه إلا بتوفيق من الله تعالى ومن النبي ص، والوجه الثاني ما نسخه النبي ص. والوجه الثالث: سنن زاد الله تعالى بها أهل الإسلام أحكاما بلسان النبي ص.
(1/15)
فأما الوجه الذي لا يعرف بلفظ الجملة في القرآن إلا ببيان من رسول الله ص فقوله عز وجل: {أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة}، {وأتموا الحج والعمرة لله}، {وجاهدوا في سبيل الله}، فلم يكن لأحد سبيل إلى معرفة هذه الجملة إلا بتفسير من رسول الله ص. فبين رسول الله ص جملة الصلوات للمقيم والمسافر وعددها وأوقاتها من لدن تحريمها إلى تحليلها إلى تسليمها، وسن صلاة الجمعة ركعتين، وسن صلاة الأعياد وسن الزكاة في صنوف الأموال ومن كم تؤخذ وأين توضع، وسن أمر الحج والعمرة، وبينه من أوله إلى آخره، وسن ما في الجهاد من أحكام وكيف الدعاء ووجه الغنيمة وقسمتها وهذا الوجه الأول. وأما ما كان من السنن ناسخا لأحكام القرآن فقوله عز وجل: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين}. وقد قال تعالى: إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين، ومثل هذا فسن رسول الله ص أن لا يرث الكافر من المسلم، ولا المسلم من الكافر ولا يرث الحر من العبد ولا العبد من الحر، وسن أن لا وصية للوارث وسن أن لا تجاوز الوصايا بالثلث، وسن تحريم العمة على ابنة أخيها في التزويج، والخالة على ابنة أختها، وسن أنه يحرم من الرضاع بكسر الراء وفتحها ما يحرم من النسب. وأما من سن من الزيادة في أحكام الله عز وجل قال الله عز وجل: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة}، وقال: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة}، وقال تعالى: {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن
(1/16)
خفتم أن يفتنكم الذين كفروا}، وقال الله عز وجل: و {كتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} إلى آخر القصة، يعني لأهل الكتاب هو والتوراة. فسن رسول الله ص الرجم على المحصن، وسن في قاذف المحصن من المؤمنين الجلد، ولولا رسول الله ص لكان القرآن إنما أنزل بجلد قاذف المحصنة وسن على أمته كما كان كتب على أهل التوراة، وسن من الزيادة القصاص حتى يبرأ المجروح، وسن في الجائفة ثلث الدية، وفي اللامة الثلث، وفي المنقلة في مقدم الرأس خمس عشرة من الإبل وفي الموضحة خمسا في الخطأ وفي السن خمسا، وسن قصر الصلاة في السفر في الخوف والأمن، وسن الآذان والإقامة. وأما السنن الفضائل التي تسن فهي كثيرة مشهورة وبعضها أوكد من بعض، وبعضها أشهر من بعض فمن سنته ص التي صارت مع الفرائض الوتر لم يتركه في حضر أو سفر بالأمر والفعل وهي التي قال: زادكم الله صلاة خيرا لكم من حمر النعم، وقال: زادكم الله صلاة سادسة وهي الوتر ما بين صلاة العشاء الآخرة إلى الفجر، فأكدها ص حتى قال العلماء أنها فريضة.
رجع: فما جاء عنه ص فهو سنة، وما جاء عن أئمة العدل فهو أثر معمول به ومن سنته ص ما هو فريضة ومنها ما هو سنة وتأديب.
المختصر: والسنن في الصلاة خمس صلوات، وصلاة العيدين وصلاة الجنازة فأما صلاة الوتر والجنازة فقد ألحقتا بالفرائض غير أن الجنازة إذا قام بها البعض أجزى عمن لم يقم بها وهي تجب على الكفاية من البعض، وما بقي من الصلوات غير ما ذكرنا سنن نفل انقضى.
(1/17)
ومن غيره ومن السنة صلاة الكسوف وركعتان خلف الإمام المقام، وقيل: فيما رغب فيه رسول الله ص أربع ركعات في النهار وعند الزوال، وقبل الظهر، وسن ذلك من السنن المؤكدة، وركعتان بعد الظهر. ومن السنة الغسل يوم الجمعة، ويوم عرفة، ويوم العيدين، والأكل في يوم الفطر قبل صلاة العيد، والصلاة يوم النحر قبل الأكلة وقيل: الأكل. والسلام سنة، وخلط الزاد في السفر سنة، والإفراد به لوم، وقال أبو الحسن: الترويح سنة ومن السنة القطع في ربع دينار ولا قود على والد ولا على سيد ولا ميراث لقاتل. وروي عن النبي ص أنه قال: أوتيت الكتاب ومثله، يريد ما كان جبريل يأتيه به من السنن صلى الله عليهما.
باب في سنن الإنسان (من المختصر)
وفي الإنسانعشر سنن: خمس في الرأس وخمس في البدن. فاللواتي في الرأس: فرق الشعر، والمضمضة، والاستنشاق، وأخذ الشارب، والسواك، واللواتي في البدن: قلم الأظافر، ونتف شعر الابطين، وحلق العانة، والختان للرجل، والختان للنساء مكرمة لأزواجهن والاستنجاء من البول والغائط، فأما الختان والاستنجاء فقد لحق ذلك بالفرائض.
مسألة: أجمع أصحابنا أن المضمضة والاستنشاق فرض في الغسل من الجنابة، وفي الطهارة للصلاة سنة من البصيرة.
(1/18)
مسألة: وقص الشارب سنة لما روي عن النبي ص أنه قال: {قصوا الشارب واعفوا اللحى}، أي امتنعوا عن قصها، وقيل: إن الشارب إذا تعدى الحد الذي يخرج به من زي المسلمين إلى زي المشركين إن جزه فرض على ما قيل.
مسألة: قال المؤلف: والسنة في قص الشارب أن يقص كله ولا يترك منه شيء وحلقه لابأس به فيما قيل، وقد كان بعض الفقهاء يحلق شاربه وأحسب أنه بشير بن المنذر والله أعلم.
مسألة: أبو سعيد: على كم يتعاهد قص الشارب؟، قال: فيه اختلاف فقول: يراعى به العانة، وقول: أربعين يوما، وقول: في كل شهر، وقول: إذا فضل عن حد الشفة، ودخل في الفم، وقول: في كل أسبوع، وقول: إذا قبح وصار في حد يخرج به من زي المسلمين، قيل له: فيحلق بالموسي أو يقص بالمقص، فقال: السنة جاءت في ذلك بالجز، والجز لا يكون إلا بالجاز، والجاز اسم من أسماء المقص، قال أبو سعيد: كان الشيخ أبو إبراهيم يقول: إن حف الشارب عيب في المؤمن لأن السنة جزه كله.
مسألة: في جز الشعر من حدود الوجه غير الشارب، يكره جز ما اتصل باللحية من شعر الوجنتين، وقيل: ما يخرج من حدود اللحية فلابأس بإخراجه، ولعله يؤمر بذلك لأنه ضرب مما يشبه الشارب، وكذلك مما حايلالشارب مما سفل من الشفة السفلى مما لم يدخل في اللحية فلابأس به.
مسألة: في حدود اللحية التي لا يجوز أن يقص منها شيء من الشعر من أعلى سفلة الوجه، والسفلة قال: حدود اللحية اللحى أنها ما سفل وما حايله مما يلي الحلق إلى الذي عليه حد اللحى عن خارج إلى حكم الحلق، وحدها الأعلى إلى العظم الذي إلى الحاجب ما بين الوجه والرأس.
(1/19)
قيل: فما سفل من اللحية من الشعر مما يلي الحلق يقص أو يحلق أو يترك، قال: ما كان في الحلق وخرج من حد اللحية وسمُج بضمالميم وهو بالجيم تركه له كان إخراجه يشبه الطهارة عندي، وبما أزيل من حلق أو قص: فلابأس به، وما لا يسمج تركه فلابأس بتركه.
مسألة: في تخليل الضروس والسواك قال: وجدت أن الخلال سنة وقال رسول الله ص: «لا تخللوا بقضيب الرمان، ولا بعود الريحان فإنهما يحركان عرق الجذام»، قيل: كانوا يتخللون بكل شيء أصاب إلا القصب والخوص، أنس بن مالك عن النبي ص أنه قال: «حبذا المتخللون بالماء»، لعله أراد من الطعام.
مسألة: في السواك أنه يروى عن النبي ص أنه قال: «في السواك عشر خصال، مطهرة للفم، ومرضاة للرب، ويبيض الأسنان، ويشد اللثة، ويذهب بالحفر ويقال الحافر، ويذهب البلغم، ويطيب المعدة، ويشهي الطعام، ويجلو عن البصر الغشاوة ويضاعف الحسنات سبعين ضعفا». قال المؤلف: وقد روي عن النبي ص أنه قال: «صلاة بالسواك خير من سبعين صلاة بغير سواك».
مسألة: والسنة في السواك أن يجري السواك ثلاثا في فمه ثم قد ثبت له السواك، قال أبو علي: ما نرى بأسا أن يستاك الرجل وهو على الغائط، ونحب أن يكون ذلك بعد فراغه.
مسألة: عن الحسن بن أحمد متى لا يسع تركه ومتى يكون؟، فلم أعرف أنه قيل لا يسع وأما في أي وقت فقول: عند كل صلاة، وقول: عند
(1/20)
كل قيام من نوم، وقيل: عند صلاة الفجر، ولعل عن النبي ص: «من لم يجد مسواكا فليستك بأصبعه».
باب في تقليم الأظافر، ونتف الإبطين، وحلق العانة، والختان
وتقليم الأظافر سنة عن أبي الحواري أن تقليم الأظفار ليس فيه إلا على ما أمكن. رجع: ومن غيره قال بعض: أقصى ما يتركها أسبوعان، قال بعض: عشرون يوما، وقال بعض: أربعون يوما. ومن غير البصيرة: في قص الأظفار وروي عن النبي ص أنه قال: «من قص أظافره في كل خميس أربعين خميسا لم يصبه الفقر»، والله أعلم.
مسألة: ويستحب للقاص أن يبدأ باليمين ويبدأ منها بالمسبحة، ثم الإبهام، ثم الوسطى ثم البصر ثم الخنصر، وأما اليد اليسرى، فإنه يبدأ بالوسطى ثم المسبحة، ثم الإبهام، ثم البنصر، ثم الخنصر. ومن غيره البصيرة في نتف الإبطين إلى أسبوعين رجع.
مسألة: أبو سعيد فيمن نتف عانته أو جزها قال: قد خالف السنة وأخاف عليه الإثم، لأن السنة جاءت بحلق العانة ونتف الإبطين، وجز الشارب، وقال: وإن وجد النورة وحلق بغيرها فقد خالف السنة، قيل:
(1/21)
فإن وجد شيئا يحلق يشبه النورة يكون مخيرا أيها شاء حلق عانته، قال: هذا عندي، قال: وإن عدم النورة وما أشبهها فالحلق بالموسى أشبه من نتفها ثم المقص، وعانة الرجل مثل عانة المرأة.
مسألة: قال محمد بن محبوب: الشارب، وحلق العانة ونتف شعر الإبطين، وتقليم الأظافر هل فيه حد؟، قال: ليس في ذلك حد.
مسألة: ابن روح فيمن ترك حلق العانة سنة أقل أو أكثر، هل تفسد صلاته؟ فما معي في فساد صلاته حفظ ولا أقدم على فسادها.
مسألة: أبو سعيد يستحب حلق العانة للرجل في كل شهر، وقيل على أربعين يوما أكثر ما يكون، والمرأة على كل عشرين يوما. ومن غير البصيرة: في حلق العانة من الرجال قال بعض: إلى شهر وإلى ستين يوما، وقال بعض إلى عشرين يوما، وقال بعض إلى أربعين يوما، ومن النساء إلى عشرين يوما يرجع إلى البصيرة وفي حد الفرجين في حلق العانة، قال: موضع الفرجين وما بينهما على ما أقبل إليهما من الآليتين على الأنثيين البيضتين من الرجل وما جاز أن ينقض الوضوء وقول: مس الذكر والأنثيين من الفخذين، وقال: عانة المرأة مثل عانة الرجل، الفرجان وما أقبل إليهما وما بينهما، وسمج وقبح من سائر بدنها عليه شعر أنها ما يلزم الرجل من الطهارة فيخرج من حال القبح إلى حال الحسن، قال: وتحلق صدرها إن كان به شعر.
مسألة: في الختان: الختان سنة للرجل وقول: فريضة، وأما النساء فليس عليهن الختان بواجب ويؤمرن بذلك إكراما لأزواجهن.
مسألة: في الصبي إذا اختتن فقطع منه أكثر غلفته فقال: يجزي ذلك إذا ظهر ذلك أكثر الحشفة وأحسب قولا حتى تقطع كلها، قال المؤلف: لعله أراد حتى تظهر كلها، وإن قطع النصف هل يجزي ذلك؟، هل يخرج
(1/22)
ذلك؟، قال: يخرج ذلك على معنى التكافي والتنافي للشيئين، فإذا تنافيا بطل حكم الفاسد.
مسألة: وإذا خلق احليل الإنسان مكشوف الحشفة كالختان لم يجب عليه الختان لأن القصد بالختان إظهار الحشفة فإذا ظهرت فقد وجبت البغية.
مسألة: ولمن أسلم أن يظهر فرجه للرجل يختنه، وللرجل ذلك لأنه ضرورة إلا أنه يستر فرجه إلا موضع الختان.
مسألة: ومن أسلم في وقت يخاف على نفسه من الختان، أولا يجد من يختنه، فله تأخير ذلك إلى أن يأمن على نفسه ويعلم أقل القرآن في حال عذره ويصلى عليه إذا مات، قال أبو محمد قال أصحابنا: إذا خاف على نفسه التلف من شدة البرد، فله تأخير الختان إلى وقت يرجو فيه السلامة، فجعلوا له العذر مع الخوف عليه، ومع وجب الختان عليه، ولزوم فعله له، ولم يعذر الصبي عن الختان.
مسألة: وإذا كان عادة قوم أنهم إذا اختتنوا ماتوا معروفين بذلك فإنهم لا يختتنون ويتركون الختان وإذا ماتوا صلي عليهم وحكمهم الطهارة، لأن هذا عذر.
باب في القيام بالقسط والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
فعلى كل مسلم مقر بالله تعالى وبرسوله ويؤمن بالله ورسوله القيام بالقسط حيث تبلغ قدرته فإن عليه بيده ولسانه وقلبه، كان كل ذلك واجبا عليه فإن لم يقدر باليد وإلا كان باللسان وإن لم يقدر وإلا فبالقلب يقدر أن ينكر بقلبه وإلا فمن لم ينكر بقلبه كفر وهو ضعيف الإنكار.
(1/23)
باب فيما يسع جهله وما لا يسع جهله في أمر الفرض
والذي يسع جهله والذي لا يسع جهله أشياء كثيرة، ومنه ما يسع جهله ما لم يذكر، فإذا ذكر لم يسع جهله، ومنه ما يسع جهله ما لم يحضر وقته ويقع العمل به، فإذا حضر وقته لم يسع جهله، فأما ما يسع جهله من القول حتى يذكر، ثم لا يسع ذلك مثل ذلك التوحيد والأنبياء والموت وأمثال ذلك.
مسألة: وأما ما يسع جهله حتى يحضر وقته فمثل الصلاة والصيام وأمثال ذلك من الأعمال بالمواقيت للصلاة، ووقت صلاة الظهر منذ ينتهي الحر إذا توسطت الشمس في كبد السماء، ولم يبق للإنسان ظل نصف النهار، فإذا زالت الشمس ولو كالظفر، فقد دخل وقت صلاة الظهر والمرء يصلي على استرجاء الوقت إذا برد وصار الظل نصف قدم أو أكثر، فإذا صار الظل سبعة أقدام شيء، ولو قل ذلك فقد دخل وقت العصر والمرء يحتاط بقدم. وفي منتهى الشتاء إذا صار ظلك سبعة أقدام، فإذا زاد على سبعة أقدام فظل كل شيء، ولو قل فقد دخل وقت صلاة الظهر، والمرء يحتاط على نفسه بإطالة الزوال ويصلي حينئذ الظهر، إلى أن يصير أربعة عشر قدما، فإذا زاد شيء ولو قل، فقد دخل وقت العصر، والمرء يحتاط على نفسه بقدم لأن المسلمين يرون الاحتياط بقدم عند صلاة العصر، وما بين هذين الوقتين فبالقسط والحساب على ما سيأتي إن شاء الله.
باب في كيفية الاستدلال على وقت الظهر والعصر بالزيادة والنقصان عند الحساب
قيل: إذا كان في منتهى الحر وكان العصر على سبعة أقدام وراجعت
(1/24)
الشمس إجازة في الشتاء وجعلت تزيد في كل ثلاثين يوما قدما وسدس قدم، وما قيل بل قدم لا غير ذلك فلا يزال كذلك إلى أن تكون العصر على أربعة عشر قدما، وذلك في منتهى الشتاء، ثم ترجع الشمس فإذا رجعت الشمس جعلت تنقص في كل شهر قدما وسدس قدم كما ذكرت في متقدم الكتاب، من الزيادة كل شهر قدما وسدس قدم إلى أن يعود وقت العصر على سبعة أقدام في منتهى الحر.
باب في كيفية القياس بالقدم لوقت الصلاة
قيل: إنه يعمد الإنسان إلى حبل فيقيس به طوله ثم يقيس ذلك الحبل بقدمه فإذا جاء ذلك الحبل ستة أقدام أو ستة أقدام ونصف إلى الثلثين فذلك جيد، وإن جاء ذلك الحبل سبعة أقدام ونصف إلى ما أكثر من ذلك فذلك قدمه ناقص فلا يعتد به، فإذا أردت أن تقيس الشمس وتعرف الزوال ووقت الظهر قمت نصف النهار في موضع مستو معتدل، تعلم طرف ظل رأسك ثم تقيس بقدمك، فمهما جاء ظلك بقدمك عرفت ذلك، فإذا زالت الشمس ولو كالظهر ولا زاد قياس ظلك، فقد حضر وقت الظهر، ثم تزيد على ذلك سبعة أقدام، فذلك منتهى وقت الظهر، فإذا زاد شيء على هذه السبعة الأقدام فذلك وقت صلاة العصر، فإذا كان في الحر لم ترى ظلا بقامتك فحينئذ تكون العصر على سبعة أقدام. قال الشيخ عبد الباقي محمد بن علي بن عبد الباقي: الاحتياط بالقدم كان من رأى الشيخ نجدة بن الفضل النخيلي رحمه الله فهو للصلاة فقط لا للآذان والداخل في الشيء كالخارج منه والزائد فيه كالنقصان منه والله أعلم. كذا وجدته مكتوبا بخط الشيخ الأجل العلامة والي الإمام حمد بن مسعود بن
(1/25)
راشدي رحمه الله رجع إلى البصيرة.
باب في القياس بالقدم وبيان ذلك
إذا أردت أن تقيس بقدمك، فقم في موضع مستو من الأرض وعلم طرف ظل قامتك، ثم ارفع برجلك اليمين، فاجعل طرف عقب اليمين بحذا حوزه رجلك الشمال، وقلت: واحد، ثم رفعت رجلك الشمال وجعلت عقبها بحذى طرف اليمين، وقلت: اثنين، ثم هكذا، كلما رفعت رجلا، جعلت عقبها على طرف رجلك الأخرى، حتى تبلغ طرف ظلك، وإنما أول مرة تضع عقبك على الجوزة من الرجل الأخرى لأن مبتدأ قامة كل إنسان من هنالك، وليس مبتدأ ذلك من طرف إحدى الرجلين، هكذا قيل.
مسألة: فينتهي وقت الظهر في الحر الشديد إلى سبعة أقدام، وفي منتهى الشتاء وشدته إلى أربعة عشر قدما، وما بين ذلك فبالقسط والحساب، وأما وقت العصر فآخر وقتها، قال بعض: إلى اصفرار الشمس، وقال من قال: إلى أن يغيب قرن من الشمس، والله أعلم.
باب في قياس الصلوات بالاعتبار
الذين لم يروا القياس بالقدم، قالوا يقوم الإنسان مستقبلا القبلة ثم يعتدل فلا يرفع رأسه ولا ينكسه، ويقل من رقبته ثم يقبض بيده على نحره، لكي لا يميل يمينا ولا شمالا أو فوقا أو تحتا، ثم يرفع طرفه في ذلك الحال إلى الشمس من غير أن يتحرك هو، فإذا رآها قد نزلت، وكان الشتاء فوق
(1/26)
الحاجر الأيسر وفي عينه اليسرى، فقد حضر وقت صلاة العصر، وبعض يقول: إذا صارت في وجهه، وأما في الحر، فإذا صارت فوق حاجبه الأيمن، أو في عينه اليمنى، فقد حضر وقت صلاة العصر.
فصل: وقال من قال: بأن يمد الإنسان كفيه جميعا ويبسط أنامله كلها ويعترض الشمس سهيليا أو تعشيا ثم يرفع إبهام يده التي مما يلي المغرب والمسبحة وهي التي تسميها العوام السبابة، وأما النبي ص أمر أصحابه أن يسموها المسبحة، فيلقى بين المسبحة والإبهام كالحلقة، ثم ينظر الشمس، فإذا جاء إلى داخل الحلقة، فإذا وقعت على راحة يده الأخرى، فيعلم أن العصر قد حضرت، وما لم تقع بعد فبعد ذلك وقت الظهر، ولهم دلائل كثيرة تركت البحث فيها.
باب في الاستدلال على صلاة الفجر بالاعتبار
قالوا: إن الدليل على طلوع الفجر أن يكون نفس الرجل من المنخر الأيسر أكثر نفسها من المنخر الأيمن، وما لم يطلع الفجر يكون ضد ذلك على ما وصفت، والله أعلم.
باب في معرفة طلوع الليل لحضور، صلاة المغرب ووجوب الإفطار، ووقت صلاة العشاء الآخرة
إذا غابت الشمس من الجوزاء والجبل الأخضر طلعت حمرة شبيهة بالظلال، فما دامت تلك الحمرة قائمة في المشرق، فالشمس فيما يقال بعد منها قرن، ثم يطلع سواد من تحت الحمرة، فإذا اختلط السواد بالحمرة ولم يبق من الحمرة إلا شيء يسير، فقد غاب القرن حينئذ، ودخل الليل وحل الإفطار
(1/27)
للصائم وحضرت الصلاة، والسواد يبدأ معترضا في أفق السماء، وهو الخيط الأسود الذي ذكره الله في كتابه.
مسألة: فإذا ذهبت الحمرة، وطلع سواد، وغلب على الحمرة، وصار يطلع عليها قليلا، حتى انتشر من المشرق إلى المغرب، فقد حل الفطر للصائم، ووجبت صلاة المغرب فوقت صلاة المغرب منذ يطلع السواد، إلى أن يغيب الشفق الأحمر والأبيض جميعا، وقد قال قوم بالشفق الأحمر دون الأبيض، ونحن على ما وصفت لك من ذهاب الشفقين جميعا، فإذا اسودت محاجير السماء، فقد حضر وقت صلاة العشاء الآخرة، وهكذا قيل، ووقت صلاة العشاء الآخرة فمذ يذهب الشفقان، وتسود محاجير السماء إلى ثلث الليل، وقيل إلى نصف الليل، ووقت الوتر مذ تحل صلاة العشاء الآخرة إلى طلوع الفجر.
باب في معرفة طلوع الفرج لتأدية الصلاة والصوم
الفجر فجران، فالفجر الأول لا تحل بطلوعه الصلاة، ويحل بطلوعه السحور، وهو يطلع من حيث تشرق الشمس، مستطيلا كذنب السرحان، والسرحان ولد الذئب، ويكون أسفله سواد، ثم يبتديء طلوع الفجر الثاني من تحت الأول، ببياض معترض، فلا يزال يعلو قليلا قليلا إلى أن يختلط بالفجر الأول، فإذا استبان هذا الفجر الثاني المعترض، حلت الصلاة، وحرم الأكل في شهر الصوم وهو الخيط الأبيض الذي ذكره الله تعالى.
مسألة: فوقت صلاة الفجر فمذ يستبين الفجر الآخر المعترض في
(1/28)
أفق السماء، إلى أن يطلع قرن من الشمس.
فصل: فإذا حضر وقت من أقوات الصلوات، وجب على الإنسان علم ذلك، ولم يقدر يترك الصلاة حتى يفوت الوقت، فإنما يسعه جهله علم الصلاة ما لم يحضر الوقت، فإذا حضر الوقت، لم يبق يسعه ترك الصلاة، ولزوم معرفتها وتعليمها، وما لا تقوم الصلاة إلا به وإلا لأهلك.
باب في صفة الطهارة من التبول والغائط للصلوات وبيان ذلك
فإذا دخلت الخشن، فخذ عندك ثلاث حجرات، أو اثنين، والواحدة مجزية، إذا كان لها وجوه إن شاء الله فإذا جلست لقضاء الحاجة، فمل على يسارك فإنه أساس الخروج للبراز وسمحة البول فإذا أفرغت، وانقطع البول، ونثرت ثلاث نثرات، طرحت أصابع يدك اليسرى بحذاء الدبر، وأجريتها على العمر، صاعدا إلى رأس الذكر، تفعل ذلك ثلاث مرات، ثم أخذت الحجرات والمدرات بشمالك، واستنجيت بالأولى جانب الدبر وبالثانية جانبه الآخر، وبالثالثة وسط ذلك، ثم استبرأت بواحدة من البول، ولا تستنج، ولا تستبريء بيدك اليمنى، لأن اليمين لمكارمك، والشمال لمحارمك.
مسألة: والاستبراء مختلف فيه، فمن الناس من عادته الكثير، ومنهم من عادته القليل، فاستبريء بقدر ما عودت، إنما المعنى قطع المادة عنده.
(1/29)
باب في الطهارات من البول والغائط
في الطهارة من البول والغائط، الذي وجدناه في آثار المسلمين، قال من الواجب على كل متطهر من الغائط في وقت الطهارة أن يكون اعتماده في مقوده في الماء على بطنه، حتى تطهر السفره، من مقعدته ثم يعركها حتى تنقى ويحس الأديم وربما حاق عند ذلك الأديم، فإذا كان منه هذا فعليه حينئذ يطهر يده ثم يعتقد الطهارة، فيقول: أتطهر طهارة الفريضة من الغائط والبول. وإن قال: أتطهر من الغائط والبول، طهارة أزيل لها النجاسة، وإن شاء قال: أتطهر طهارة الفريضة أزيل لها النجاسة من البول والغائط، فكل ذلك جائز ويبتديء بالقبل، وهكذا تكون النية في جميع النجاسات ويؤمر بتطهير يده، عند فراغه من الطهارة، هذا إذا كان فيما جرى مثل هذا وغيره. وأما إذا كان يتطهر من إناء فيبتديء بعرك الغائط حتى يزول، ويفعل الذي قد يقدم في الطهارة من ذكر ما للطهارة، فإذا زالت النجاسة وحس الأديم، أخذ في الطهارة بعد اعتقاده ثم يأخذ في العدد، فمع وصوله إلى العشر العركات يطهر يده ثلاثا، ثم يأخذ في العدد ثانية، حتى إذا وصل إلى العشر وقف، ثم يطهر يده ثلاثا فهو على هذا إلى أن يبلغ إلى الأربعين، وهو أكثر ما قيل في العدد من قولهم في طهارة الغائط، فمع فراغه يطهر يده. وأما إذا كان في النهر فليس عليه أن يطهر يده إلا مع فراغه من إزالة النجاسة ثم يأخذ في الطهارة ولا شيء عليه، ذلك في طهارة يده إلا بعد الفراغ على قول بعض، وكان حد الطهارة من عشر إلى أكثر من ذلك، وهو
(1/30)
أقل ما قالوا به في طهارة الغائط، إذا كان فيما جرى والله أعلم انقضى قوله.
مسألة: وإذا أردت الطهارة غسلت يدك ثلاثا ثم غسلت القبل، ثم الدبر، وتقول: بسم الله الرحمن الرحيم، طهارة لصلاة الفريضة، صلى الله على محمد النبي وآله وسلم، وأقل ذلك أن يذهب اللين ويبدو الخشن إلا أن يكون الدبر كابا فيعركه بأكثر ما قيل به وهو أربعون عركة، وقد قيل بالعشرين عركة، والعشر وقيل من النهر في الغائط ثلاث عركات، إذا طابت النفس أنه قد طهر، وما لم تطب النفس فيعركه حتى تطيب نفسه بذلك، وأما من البول فقيل بالخمس، والثلاث، والواحدة، وكل هذه الأقاويل إذا طابت النفس، فلا يقوم من الماء إلا بطيب النفس، ما لم يكن موسوسا فإنه لا يعذر بالوسوسة وليعمل بالأثر ويترك الوسواس.
مسألة: والنية في الطهارة أن يقول: أرفع بطهارتي هذه جميع الأحداث وأطهر للصلاة طاعة لله ولرسوله محمد ص.
باب في كيفية الوضوء وبيان ذلك
وإذا أراد الوضوء غسل رجليه أولا، ويكفي أن يحكهما في النهر بالحصى أولا قبل الوضوء، فإنه يجزى إذا لم تكن بهما نجاسة قائمة، فإن كان نجاسة قائمة الذات، غسلها أولا، كان من النهر أو من الإناء، لأنه إذا توضأ ولم يكن غسلهما أولا وكان بهما نجاسة، فلما أتم وضوءه، وعمد إلى رجليه ليختم بهما أمر الوضوء، وهما نجستان، فقد انتقض وضوؤه، وليأخذ في الوضوء على الترتيب، فقيل: لا يجوز إلا على الترتيب. وقيل: لابأس على غير الترتيب، فإذا أراد الوضوء، وكان قائما من نومه فلا يشرع يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا، فإذا تطهر وأزال الأحداث كما
(1/31)
وصفت لك، نوى وقال: افع بطهارتي هذه جميع الأحداث، وأتوضأ للصلاة طاعة لله ولرسوله محمد ص، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم أولا، فإذا أراد الوضوء، غسل يده ثلاثا ثم تمضمض ثلاثا يجي يده على أسنانه، ثم استنشق ثلاثا ويدخل اصبعه في منخريه. والاستنشاق يجزيء إلى حيث تدخل الأصبع لا إلى دخول في والج الأنف، ثم غسل وجهه ثلاث، فلا يضربه بالماء ضربا، ولكن يمسحه بالماء مسحا وحده من الأذن إلى الأذن، وقيل غير ذلك، ولا يفتح عينيه ولا يغمرهما، ثم يغسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثا والمرفق داخل في الغسل، ثم يده اليسرى ثلاثا كذلك إلى المرفق، ثم مسح برأسه ثلاثا يبدأ من مقدم الرأس صاعدا بكفيه جميعا، ويكفي المسح بالأكثر من أصابعه، والأكثر هو ثلاثة أصابع، ولا يجزيء بأصبع وأصبعين، ثم مسح أذنيه ثلاثا باطنهما وظاهرهما، ثم غسل قدمه اليمنى ثلاثا إلى الكعب ويؤمر أن يزيد على الكعب بأربعة أصابع، ثم غسل قدمه اليسرى كذلك ثلاثا إلى الكعب، وخلل أصابع قدميه، ويغسل بأطراف قدميه وعرقوبيه، فهذه صفة الوضوء، وإن نقص عن ثلاث مرات كفى إن شاء الله. ومن غير البصيرة: بسم الله الرحمن الرحيم، الذي حفظت من آثار المسلمين الذي يقال في الوضوء، أن الإنسان إذا فرغ من الطهاة وإذا أراد الوضوء، قال أولا: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم غسل يده ثلاثا، وأخذ في الوضوء، فإذا تمضمض ثلاثا قال: اللهم اسقني من الرحيق المختوم، أو يقول: اللهم أذقني طعام جنتك، وإذا استنشق ثلاثا، قال: اللهم نشقني بريح جنتك أو نشقني بريح الجنة، فإذا غسل وجهه ثلاثا قال: اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه أوليائك، ويقول: اللهم أرني جنتك، فإذا غسل يده اليمنى ثلاثا قال: اللهم أعطني كتابي بيميني، وإذا غسل يده اليسرى ثلاثا قال: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري، وإذا مسح برأسه ثلاثا قال: اللهم توجني بتاج الرحمة في جنتك، فإذا مسح أذنيه ثلاثا
(1/32)
قال: اللهم سمعني فتوح أبواب جنتك أو يقول: اللهم سمعني زابور داود، وإذا مسح برقبته ثلاثا قال: اللهم اعتق رقبتي من النار، وأعوذ بك من السلاسل والأغلال، وإذا مسح برجله اليمنى ثلاثا قال: اللهم ثبت قدمي على الصراط المستقيم، وإذا غسل قدمه اليسرى ثلاثا قال: اللهم ثبت قدمي يوم تزول الأقدام، فإذا فرغ من وضوئه قرأ: {إنا أنزلناه}، ورفع برأسه إلى السماء وقال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، اللهم اغفر لي ذنوبي وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم، اللهم اجعلني من المتطهرين واجعلني من عبادك الصالحين، اللهم اجعلني عبدا طهورا واجعلني صبارا شكورا، واجعلني أذكرك كثيرا وأسبحك بكرة وأصيلا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
باب في فرائض الوضوء وسننه
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين}، ففرض الوضوء غسل الوجه والوجه من الأذن إلى الأذن، وقال من قال: من طرف الحاجب الأيمن مما يلي الخذ إلى طرف الأيسر مما يلي الخذ أيضا، وغسل اليدين إلى المرافق ومسح الرأس، ومن مسح مقدم رأسه بأصبعين وترك مؤخره أجزاه، ومن مسح مؤخر رأسه وترك مقدمه لم يجزه ذلك.
فصل: وأما السنن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

تواصل معنا

أكثر من 600,000+ يتابعون موقعنا عبر وسائل التواصل الإجتماعي إنظم إلينا الآن

عن الموقع

author مكتبة أهل الحق والإستقامة <<   مكتبة أهل الحق والإستقامة..موقع يهتم بنشر الكتب القيمة في مختلف الجوانب (فقه..عقيدة..تاريخ...الخ) عند المذهب الإباضية من نتاج فكري.

أعرف أكثر ←

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *