هذه النظرة وهذه القناعة جعلته يحرص هو بنفسه أن يساير أخبار المسلمين ويتابع قضاياهم في أرجاء العالم ويتأثر بها ويهتز لها ويفرح لفرحها ويحزن لحزنها.
في حقيقة الأمر لم يكن الوصول إلى الريادة العلمية والتربع على عرشها في مجتمعه بالأمر الميسور، نظرا للظروف الاجتماعية المحيطة به، ولقوة المعارضة التي لاقاها من خصومه الذين منهم مشايخ وأعيان البلد، لولا جهاده الدؤوب في مجال التدريس والتأليف، الذي أحاطه بجماعة كبيرة من المريدين طلبة وأعيانا ومن مختلف طبقات المجتمع، مكنته من الثبات والسير قدما نحو القيادة والسيادة، حتى عين شيخا على مسجد بلدته بني يزقن، وأصبح قبلة وادي ميزاب في مجال التدريس والاستفتاء وأخذ المشورة والرأي.
تزامنا مع هذه الجهود، سعى الشيخ أن يفك حصار العزلة عن نفسه بوجوده في هذه البقعة النائية بربط علاقات علمية وسياسية مع جملة من العواصم والحواضر الإسلامية والعالمية.
فراسل العلماء ومراكز العلم، واستخدم طلبته في ذلك؛ خاصة الذين ارتحلوا لمواصلة مشوارهم العلمي أو العملي في هذه الحواضر، فكانوا الواسطة بينه وبينها، كما أن كتبه التي طبعت في مصر وفي المشرق عموما أسهمت في التعريف به، وبمرتبته العلمية (¬1).
راسل علماء وشخصيات من مختلف مدن الجزائر، ومن البحرين والحجاز وعمان ومصر وتونس وليبيا وفاس والقسطنطينية وبعض العواصم الأوربية.
فاتصل مثلا بالشيخ محمد عبده والشيخ أحمد زيني دحلان (¬2)، والشيخ نور الدين السالمي والشيخ محمد سليمان حسب الله (¬3)، والشيخ محمد حقي (¬4)، والشيخ رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي (¬5). والمستشرق الفرنسي ماسكوراي ( Masqueray) (¬6) .
كما ربطته علاقات مع عدد من الحكام والسياسيين مثل علاقته بسلطان الدولة العثمانية عبد الحميد الثاني، فكان يرى في دولته أمل الأمة في إحياء مجدها وإقامة وحدته وتجديد دينها رغم ما كانت تعانيه من أمراض، وكونها تمر بآخر عهدها.
¬__________
(¬1): سعد الله: تاريخ الجزائر الثقافي، ج3، ص264 - 272.
(¬2): أحمد بن زيني دحلان: (1232 - 1304 هـ / 1817 - 1886م) فقيه ومؤرخ. تولى الإفتاء والتدريس. من تصانيفه: الفتوحات الإسلامية، خلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام. خير الدين الزركلي: الأعلام، قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء والعرب والمستعربين والمستشرقين، دار العلم للملايين، ط7، بيروت، لبنان، 1986م. ج1، ص129.
(¬3): محمد بن سليمان حسب الله: (1244 - 1335 هـ / 1828 - 1917م) فقيه شافعي من أهل مكة. له كتاب: الرياض البديعة في أصول الدين وبعض فروع الشريعة. الزركلي: الأعلام، ج6، ص152.
(¬4): محمد حقي بن علي النازلي: (ت: 1301 هـ / 1884م) متصوف من علماء آيدين، توفي بمكة، له تآليف عديدة منها: السنوحات المكية، أسباب القوة، طب القرآن. الزركلي: الأعلام، ج6، ص108.
(¬5): رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي الحنفي، نزيل الحرمين: باحث، عالم بالدين والمناظرة، جاور بمكة وتوفي بها سنة 1308هـ. الزركلي: الأعلام، ج3، ص18.
(¬6): معجم أعلام الإباضية، ج4، ص848
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق